يعتبر الذهب ملاذا آمنا لدى كثير من الدول والبنوك وحتى الأفراد، وفي الأشهر الثلاثة الماضية، في خضم أزمة أسعار النفط، واصلت أسعار الذهب ارتفاعها حتى وصلت لحاجز 1224 دولارا للأونصة، ما دفع البنك المركزي الأمريكي للإعلان عن استبعاد رفع سعر الفائدة الشهر القادم فدخل الدولار مرحلة جني الأرباح، أي التكسب من انخفاض سعر النفط وارتفاع سعر الذهب في آن. ما يهمنا في موضوع اليوم هو ارتباط النفط، لا الذهب، بالدولار كعملة أساس ترتبط بها عملتنا الوطنية ما يجعل تأثرنا مضاعفا بأزمة أسعار النفط الحالية وتذبذب أسعار الدولار. القضية ليست أحجية، لتبسيطها أكثر أذكركم أن حسابات أسعار النفط الأمريكي تعتمد خام تكساس ويسمى أيضا نايمكس، وهذه مرتبطة بحسابات المخزون الأمريكي منذ بدأ تسجيل البيانات العام 1983، وهذا يعطي مؤشرا أدق لاتجاهات أسعار النفط عالميا باعتبار أمريكا أكبر مستهلك له وفارضة لأسعاره حسب سوقها. نفط الشرق مرتبط بخام برنت كسعر أساس وهنا تتدخل عدة عوامل في التسعير لعل أكثرها ضررا الضرائب والمضاربات والهبات، ولعل أسواق نوتردام وجنوب شرق آسيا تعطي مثالا لمن يتابع سوق النفط. خلال الأسبوع الماضي وحده، ظهرت ارتدادات سعرية جيدة مع تناقص المخزون الأمريكي فارتفع سعر نايمكس بحوالي 2 %، إلا أن ذلك يجب ألا يخدعنا بإمكانية وصول ذلك التأثير الإيجابي إلى عالم برنت، كما صرح كثيرون، وحتى إن وصل سيكون مؤقتا، حتى لا أقول مخادعا، وسيعمل البنك المركزي الأمريكي لتجيير الفارق للدولار باعتباره العملة الأساس. السوق النفطي مازال مضطربا بفعل التوترات الجيوسياسية لمناطق إنتاجه، غير أن ذلك لن يدوم طويلا، ستعود دول كثيرة لمستويات إنتاجها السابقة كالعراق وإيران ونيجيريا وغيرهم، وهذا يعني أن أمامنا وقتا طويلا لتستعيد الأسعار عافيتها، مع ثبات العوامل الأخرى. سيساعدنا هنا التفكير مجددا في تسعير النفط بعملة غير الدولار الضعيف، أقله المتذبذب، لتحرير عوائدنا من هذه التذبذبات، هل قلت فك ارتباط عملتنا الوطنية بالدولار؟ ليس بعد، إذ يبدو أن مؤسسة نقدنا العزيزة لم تستعد لهذه الخطوة التي، بظني المتواضع، أراها حتمية مستقبلا لمزيد من التحرر الاقتصادي. لنبدأ الآن بتحرير ارتباطه بسلعتنا الاستراتيجية وهناك دول كثيرة منتجة للنفط بدأت خطوات كهذه، كربطه بسلة عملات أو بالذهب. الدولار لم يعد عملة دولية، والجميع يعرف أن الحكومة الأمريكية تطبع الملايين منه سنويا بدون غطاء لا من ذهب أو فضة، أو أية معادن نفيسة أخرى، فقط أوراق في الهواء.