حتى وإن كان هناك شك في بعض التصنيفات الدولية ومعايير التقييم، إلا أن بعضها قريب من الحقيقة ويصعب نفي صحته كما نفعل أحيانا عندما يظهر ترتيبنا متأخرا في بعض المجالات، ولو أخذنا على سبيل المثال التصنيف العالمي للتعليم الذي ظهر مؤخرا وركز على مادتي الرياضيات والعلوم لفئة الطلاب في سن 15 عاما، فإننا نقف على مفارقات تجبر على التفكير الجاد في ضرورة البحث في جذور المشكلة التي تجعل تعليمنا يحظى بميزانيات من بين الأكبر في دول العالم تكون مخرجاته بمثل هذا التواضع عندما يحتل المرتبة 66 في التصنيف. هنا يصعب التشكيك كثيرا في هذا الترتيب أو اتهامه بأنه غير دقيق أو يتجنى على تعليمنا؛ لأن ما نلمسه ونعرفه ونشاهده من مخرجات يجعلنا لا نتفاءل كثيرا بأن نكون في موقع متقدم أو مرتبة أعلى من التي حصلنا عليها، في الوقت الذي تقدمت فيه دول بشكل سريع ومتصاعد لتسبق دولا كانت في المقدمة لسنوات، رغم أنها لا تنفق مثل الذي ننفقه على التعليم ورغم أعبائها وتعداد سكانها الضخم. وهنا لا نريد أن نتحدث عن سنغافورة وهونغ كونغ وكوريا الجنوبية التي احتلت المراكز الثلاثة الأولى، وإنما نود لفت النظر إلى دول مثل فيتنام وسلوفينيا ولتوانيا وجمهورية التشيك مثلا التي احتلت مراكز متقدمة بكثير عن دول أغنى وأكثر استقرارا وإمكانات، ما الذي جعل دولا كهذه بمواردها المتواضعة أن تجعل تعليمها يسابق على المراكز المتقدمة؟ ستكون الإجابة على مثل هذا السؤال طويلة، والأجدى من ذلك أن نسأل لماذا نحن لم نتقدم كثيرا. للأسف أن الإجابة على هذا السؤال رغم وضوحها لا تزال عرضة للمناورات والمماحكات والسجالات منذ زمن طويل، ليستمر التعليم لدينا ضحية هذا الوضع الخاطئ. كل طرف يريد التعليم بحسب رؤيته الخاصة، بينما التعليم الصحيح له نظرياته ومعاييره وأهدافه التي لا يختلف عليها الناس في بقية دول العالم، وغير خاضع لأن يكون ساحة للمواجهات الفكرية. تعليم مترهل يفتقد الكثير من العناصر الأساسية لنجاح أي تعليم مهما كانت الميزانيات المرصودة له، ومهما توفرت النوايا الحسنة لتطويره. هذا هو وضع تعليمنا الذي جعله يسابق على مؤخرة التصنيفات وليس مقدمتها [email protected]