خلال الأيام القليلة الماضية دارت نقاشات ساخنة على ساحة تويتر - أحد أهم مواقع التواصل الاجتماعي، وأكثرها تفضيلا عند السعوديين -، ورغم أن اختلافات الآراء هي أمر صحي؛ بل ومطلوب «أحيانا»، إلا أن المؤسف هو تحولها إلى خلافات و «مشادات» بين المغردين!، وقد تركّزت حول ثلاثة مواضيع هامة، شغلت الرأي العام في الآونة الأخيرة؛ وحملت جميعها الطابع الوطني؛ والملفت هو أن التفاوت بشأنها كان شديدا، حيث حاول بعض المتحاورين فرض آرائهم باستخدام تعبيرات قاسية أو غير لائقة، كما تميز الحوار في بعض مراحله بالتوتر الشديد، وفي حين كانت بعض التغريدات رصينة وموضوعية وأثْرت النقاش، حفل بعضها الآخر بالكثير من الاتهامات المتبادلة!. وبحكم الاختصاص والاهتمام، فقد حرصت على فتح باب النقاش حول تلك الموضوعات، كما شاركت فيها؛ مرة بالرأي، وأخرى بالتعليق، وثالثة بالتهدئة، ورابعة بالمتابعة الصامتة؛ كلما جنح الحوار للتجاوزات الشخصية، أو خرج عن حدود اللياقة، وسأحاول اليوم استعراض تلك المواضيع، وتلخيص المواقف المختلفة بشأنها، بادئا بأولها؛ وربما أهمها - من وجهة نظري - وهو فوز مجموعة من بناتنا وأبنائنا طلاب المرحلة الثانوية الموهوبين بالمركز الأول على مستوى العالم من بين 1700 متنافسة ومتنافس، يمثلون 75 دولة، في أكبر مسابقة طلابية متخصصة في العلوم والهندسة، حيث نجحوا في حصد ثماني جوائز بحثية خلال معرض «إنتل آيسف الدولية» الذي عقد في مدينة بتسبيرج بولاية بنسلفينيا الأمريكية. الجدل حول هذا الموضوع تركز في رأي البعض - ومنهم مثقفون وأكاديميون وباحثو دكتوراه، وشاغلو مواقع عامة مهمة - على التشكيك في أحقية متسابقينا في ذلك الفوز الكبير، حيث زعموا بأن أبحاث طلابنا الفائزة لا تعكس نبوغهم المبكر، ولا تفوقهم العلمي، بقدر ماكانت نتاج جهود المشرفين على تلك الأبحاث!، وقد أصابني شيء من رذاذ تلك الإتهامات حين اعتبرني البعض من (المطبلين)، فقط لأنني أشرت إلى أن اتهام طلابنا فيه تجنٍ، ويمس بسمعة المملكة، ولا ينبغي ترديده بدون أدلة ثبوتية، لذلك فقد يكون من المهم قيام الجهة المشرفة على فريقنا العلمي وهي مؤسسة (موهبة)، أو وزارة التعليم، بالرد على تساؤلات المشككين عبر إصدار بيان تفصيلي يوضح طبيعة الأبحاث الفائزة، وأسماء المشرفين عليها، ومنهجية البحث العلمي المتبعة، وآلية التحكيم، والخطوات التي ستلي ذلك الفوز لتحويل الأبحاث إلى تطبيقات عملية وتجارية. أما الموضوع الثاني فدار حول جدوى حلقة برنامج الثامنة على قناة إم بي سي، التي عرضت مؤخرا لقاء مع الموقوف خالد المولد، وهو المدمن السابق والمتطرف دينيا الذي قام بتكفير الأمة منذ عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك وحتى اليوم!، محور الخلاف بين المغردين، هو اعتقادهم بأن مضمون الحلقة ينطوي على مبالغة لا مبرر لها، وأن أسلوب المذيع مستفز، وأن اللقاء هو بمثابة تكريس لصورة سلبية عن المملكة، فضلا عن اعتقادهم بأن الحلقة لم تكن موضوعية ولا متوازنة، كما طالب البعض منهم بمحاسبة القناة والمذيع على تجرئهم بإعداد وبث ذلك اللقاء!. في حين اتفق مغردون آخرون مع رأيي بأن الحلقة كانت مفيدة؛ بل ومؤثرة جدا تجاه التحذير من خطر التطرف الفكري، وحث الأسر على متابعة سلوك الأبناء، وقد ختمت رأيي بتغريدة ذكرت فيها: (لا أطالب الناس بأن يحبوا «داود» لأن ذلك شأنهم، ولكنني آمل منهم فقط أن لا يعتبروا النماذج التي يقدمها في برنامجه.. من المريخ!)، خصوصا أن محاولة تقليد سلوك النعامة لن يفيدنا بقدر ما تفيدنا المكاشفة، وتسمية الانحرافات بأسمائها، ومواجهتها بالوسائل المناسبة. وكان برنامج الابتعاث الخارجي هو الموضوع الثالث الذي دار حوله جدل كبير، حيث رأى البعض ضرورة قصره على التخصصات العلمية التي نحتاج إليها، في حين ذهب البعض بعيدا لحد المطالبة بوقف البرنامج لاعتقادهم بضرره الكبير على عقيدة المبتعثين وأخلاقهم!، في حين أشاد فريق ثالث - وأنا منهم - بقرار ضم الدارسين على حسابهم للبرنامج، بل وطالبوا بتطويره والتوسع فيه، خصوصا أن الكثير من أولئك الطلاب تخلوا عن وظائفهم، وباعوا ممتلكاتهم البسيطة لتوفير تكاليف السفر؛ وذلك على أمل انضمامهم للبرنامج، إلا أنهم طولبوا بإكمال دراسة اللغة، ودفع تكاليف دراسة 30 ساعة أكاديمية من حسابهم الخاص!، وهم الذين بالكاد استطاعوا تدبير تكاليف سفرهم، ورسوم إلتحاقهم بالمعاهد لبضعة أشهر. ختاما، يبدو جليا من النقاشات السابقة أن الإعلام الجديد لم ينجح كثيرا في تغيير الأفكار والانطباعات المسبقة التي يعتنقها الكثيرون منا قبل تواجدهم على تويتر بقدر ما أتاح للجميع منصة مفتوحة للتعبير عن تلك الآراء والانطباعات بحرية أكبر، وبدون أن يساهم ذلك في تطوير آليات تفكيرنا، أو توسيع آفاق رؤيتنا للأمور، من خلال الاحتكاك والانفتاح على رؤى تختلف عن قناعاتنا، والمؤكد هو أن تلك الحوارات كشفت مجددا افتقار بعضنا لثقافة الحوار الموضوعي، وفقدان مهارة الاتصال الفعال، وعدم التفريق بين الرأي والمعلومة والاستنتاج، مع ميلهم للتشبث بالرأي، والتقليل من أهمية البراهين، واعتبار وجهات نظرهم هي الصواب، وما دونها هو الخطأ، وهنا يبرز السؤال: إلى أي مدى أثر فينا الإعلام الجديد؟!.