إحباط محاولة تهريب أكثر من مليون حبة كبتاجون مُخبأة في إرسالية «فلفل وجوافة» بميناء ضباء    سعودي ضمن المحكمين لجوائز الويبو العالمية للمنظمة العالمية للملكية الفكرية    المملكة تستعرض ممكنات الاستثمار السياحي في المؤتمر العالمي للضيافة في برلين    إنطلاق مؤتمر التطورات والابتكارات في المختبرات.. الثلاثاء    إندونيسيا تصدر تحذيرًا من تسونامي    الأهلي: قرار تأجيل مباراة الهلال "تعسفي ومرفوض"    رونالدو ينتصر في قضيته ضد "يوفنتوس"    لاعب العين: إيقاف سلسلة الهلال "حدث تاريخي"    ارتفاع أسعار النفط إلى 87.39 دولارًا للبرميل    البنك المركزي الصيني يضخ ملياري يوان في النظام المصرفي    كيف تحمي نفسك من الاحتيال المالي عند تسديد المخالفات؟    وصفات قرنفل سحرية تساعد بإنقاص الوزن    ملتقى الأعمال السعودي الإسباني يعزز التطوير العقاري    "فنّ العمارة" شاهد على التطوُّر الحضاري بالباحة    الضويان تُجسّد مسيرة المرأة السعودية ب"بينالي البندقية"    الأرصاد: ارتفاع الموج متر ونصف بالبحر الأحمر    تعليم عسير ينفذ مبادرة ملفى أجاويد استهدفت 540 من طلبة المنح الدوليين وأُسرهم:    مكتب التعليم بالسلي يعايد منسوبيه    وزارة الداخلية تعلن بداية من اليوم الخميس تطبيق تخفيض سداد غرامات المخالفات المرورية المتراكمة بنسبة 50%    الأمطار تزيد من خطر دخول المستشفى بسبب الربو بنسبة 11%    آل الشيخ: العلاقات السعودية - الأردنية متقدمة في شتى المجالات    منسقة الشؤون الإنسانية في السودان تثمِّن الدور السعودي    المملكة في قائمة أوائل دول العالم في تطوير إستراتيجية الذكاء الاصطناعي    تحت رعاية خادم الحرمين.. المملكة تستضيف اجتماعات مجموعة البنك الإسلامي    «نيوم» تستعرض فرص الاستثمار أمام 500 من قادة الأعمال    أمير الباحة: القيادة حريصة على تنفيذ مشروعات ترفع مستوى الخدمات    «العدل»: «تراضي» تنهي 7,700 قضية تجارية.. صلحاً    5 فوائد مذهلة لبذور البطيخ    نضج الأيام.. نضارة خِلْقَة.. طهارة مُهْجَة    قطبا القصيم والشرقية وجهاً لوجه.. والشباب يصطدم بأبها    «واتساب» تضيف فلاتر الدردشة    خادم الحرمين يرعى مسابقة الملك عبدالعزيز الدولية لحفظ القرآن الكريم    برامج ثقافية وترفيهية    محافظ جدة يطلع على خطط "الثقافة والفنون"    أسرة الهجري تحتفل بعقد قران مبارك    السديس يكرم مدير عام "الإخبارية"    أسرتا الطويل والجربوع تتلقيان التعازي في وفاة والدتهما    محافظ جدة يشيد بالخطط الأمنية    أكدوا أهمية منع تفاقم الأوضاع.. ولي العهد يبحث مع رئيس الإمارات وأمير قطر تداعيات التصعيد في المنطقة    10 آلاف امرأة ضحية قصف الاحتلال لغزة    التسجيل في «X» بمقابل مالي للجدد !    امرأة تصطحب جثة على كرسي متحرك إلى بنك بالبرازيل    أمير منطقة الرياض يرعى الحفل الختامي لمبادرة "أخذ الفتوى من مصادرها المعتمدة"    ماكرون: على الاتحاد الأوروبي توسيع العقوبات على إيران    ريال مدريد يقصي مانشستر سيتي ويتأهل لنصف نهائي أبطال أوروبا    تراثنا.. مرآة حضارتنا    مدرب النصر "كاسترو" يتعرّض لوعكة صحية تغيّبه عن الإشراف على الفريق    الخليج يتوّج بلقب كأس اتحاد الطائرة    أمريكا أكثر حيرة من ذي قبل !    تآخي مقاصد الشريعة مع الواقع !    شقة الزوجية !    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على محمد بن معمر    نائب أمير الشرقية يستقبل رئيس جامعة حفر الباطن    سمو أمير منطقة الباحة يلتقى المسؤولين والأهالي خلال جلسته الأسبوعية    جهود القيادة سهّلت للمعتمرين أداء مناسكهم    .. و يستقبل العلماء والمشايخ    أمير الجوف يؤكد على تعزيز دور المجتمع في مسيرة التنمية    «طب العيون» بمجمع الدكتور سليمان الحبيب بالعليا يحصل على شهادة SRC الأمريكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النصف الثالث
نشر في عكاظ يوم 28 - 04 - 2015

إذا لم يكن التاريخ مدرسة لتحضر الشعوب، فهو أكوام من الخراب والأطلال وحقول ألغام لم تنفجر في حينها. وإذا لم يكن القانون سقفا للحقوق وأرضية للمساواة، فليس أمام المذهبيين والطائفيين والعنصريين ودعاة الكراهية، إلا الاستمرار بلعبة التجربة والخطأ إلى ما لا نهاية، فالبطولة لديهم دائما فردية، أما المؤسسات فهي للبكاء والنواح والعويل ليس إلا. لذلك يستمرون في البحث عن حضارة تحت ركام التاريخ ومجد بين أشلاء البطولات الوهمية.
إن القوانين التي تحكم الإنسان في عصرنا الحاضر لم تكن وليدة حضارة واحدة أو زمن واحد، إنها نتاج تجارب الإنسان ومحاولاته التي تنجح أحيانا وتخطئ حينا، لكنها قوانين أفرزتها تجارب البشرية على اختلاف جذورها وتعدد فروعها، قوانين لم نعد بحاجة لتكرار التجارب لنثبت ما هو مثبت بعد التأكد منها، فالإنسان هو الإنسان بتطلعاته ومخاوفه.
فإذا كان التاريخ حاصل جمع الخسائر والمكاسب، النجاحات والانكسارات، فإن محاكاة هذا التاريخ واستنطاق أحداثه بعصر غير عصره وبأدوات غير أدواته، هي المآسي والقتل والتشريد والدمار والخراب، وهي العبث والفوضى، إنما التاريخ بقيمته الحقيقية هو حاصل جمع الدروس والعبر والقناعات والتجارب المستخلصة، والخطأ كل الخطأ هو تسليم التاريخ بمادته الخام لأطراف صراعات الحاضر. إنما التاريخ فن صناعة الشعوب والأمم حقوقيا حضاريا.
قد أصبح تاريخنا للأسف عبئا بل خطرا علينا وعلى أمتنا ومستقبل أجيالنا، على أيدي حفنة من المذهبيين والطائفيين والعنصريين وتجار الكراهية، استطاعوا أن يستقطبوا خلفهم بعض ذوي الطموحات وبعض ذوي المخاوف.
إن التاريخ مهما بلغ سموه ورقيه لا يمكن أن يتحول إلى حضارة إلا عن طريق المؤسسات والقوانين والقيم الإنسانية النبيلة، وهذا ما يميز أمما وثقافات وشعوبا عن غيرها، وهذا الوعي والمعرفة التي أصبحت يوما بعد يوم، تتشكل وتتكون فيما يسمى بالعولمة، حيث العالم برمته يقترب من فهم بعضه بعضا على أساس الاحترام وتبادل المصالح، والتنافس السلمي.
إن الذين يحتكرون التاريخ قصصا وشخوصا إنما هم لا يكترثون بالتاريخ بقدر ما ينزعون إلى الماضي فيقيمون مع الماضي جسورا أكثر وأمتن من الجسور مع المستقبل فضلا عن قطيعتهم للحاضر. ولذلك هم يحتكرون الإنجازات والبطولات والمكتسبات التاريخية فيتنازعونها فيما بينهم، فدهش العالم أمام عروضهم المسرحية لأن الكثير من التاريخ والآثار بقي مادة في يد الأفراد ولم يترجم إلى قوانين حضارية ومؤسسات مدنية بديلا عن تلك البطولات الفردية التي يتم التحزب وراءها والاقتتال من أجلها. هؤلاء استوطنوا مناطق حدودية بين الحاضر والماضي وتعذرهم الحاضر الذي يمضي إلى المستقبل، فهم لا ينتمون للحاضر إلا كمستهلكين، لذلك هم لا يشعرون بأي انتماء لهذا الحاضر ولا يتفاعلون معه، ويسهل توظيفهم وتجنيدهم ضد كل قيم هذا الحاضر وكل جذور القيم التي استمد قيمته منها كالآثار والمتاحف. إن البقاء على الحافة بين الماضي والحاضر هي ليست غربة أو اغترابا إنما هي بالتجربة والخطأ، انسلاخ من الإنسانية تماما وهي بالتالي المشروع الأبرز ضد العولمة في ظل تنامي وتقدم مشروع العولمة. فالتاريخ والقانون والتعايش لا تقرها النسخ الحديثة من المذهبية والطائفية والعنصرية ودعاة الكراهية وتجارها، خاصة وهم يشعرون بأنهم يسقطون جدران التاريخ أمام مشروعهم الافتراضي.
إن الاقتصاد وحده والتقنية وحدها والسياسة وحدها والعلوم وحدها لا تقيم أمة من دون أن تتفاعل هذه كلها ضمن منظومة إدارية وقانونية في نسق وانسجام وفي تصالح تام مع التاريخ وإلا أصبح العلم والاقتصاد والتقنية ليست عامل توازن بين كل تلك الجزر.
إنما ثورة حقوق الإنسان خير دليل وهي تقود الحضارات إلى مستقبل الأمم، وهذا على النقيض التام من قافلة المذهبيين والطائفيين والعنصريين ودعاة الكراهية الذين يدفعون الإنسانية إلى الماضي بحروبه وعداواته وكهوفه المظلمة.
أخيرا، من لا يملك أدوات قراءة التاريخ وأدوات إدارة الحضارة، فعليه أن يقطع صلته بالتاريخ لأن التاريخ سلاح ذو حدين، نحن نقدر ونجل ونفخر بتاريخنا، لكن لا يمكن أن نصنع من هذا التاريخ سكينا نقطع به أوصال أوطاننا ورؤوس شعوبنا، فتعم الفوضى والخراب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.