لا ينبغي للمؤتمرات والمنتديات العلمية البحتة أن تتحول جلساتها إلى خطب إنشائية لا تفتقر إلى رصانة لغة العلم القائمة على الدقة والموضوعية فحسب بل تتعارض مع الحقائق وتتجاهل الإشكالات التي تقع في صلب اهتمام مثل تلك المؤتمرات والمنتديات والتي ينبغي عليها مواجهتها ووضع الحلول لما تحمله من تحديات. ولا ينبغي للمتحدثين والمشاركين في مثل تلك المؤتمرات والمنتديات التي من المفترض أن تكون علمية الاستغراق في خطابات وتصريحات لا تحمل غير المجاملة التي يدرك المتحدثون والمستمعون أنها لا تعبر عن شيء غير الرغبة في مجاملة الجهات المستضيفة لتلك المؤتمرات والمنتديات، ولا يمكن لها حين تتجاوز دائرة المستمعين لها لتبلغ أسماع الجمهور إلا أن تنزع الثقة من أولئك الذين اجتمعوا وتناقشوا وتدارسوا وأوصوا، ذلك أن الجمهور إنما يريد من هؤلاء المجتمعين أن يكونوا علماء صادقين يزنون كلماتهم بميزان الحقيقة ولا يتنكرون أو يتجاهلون واقعا يعرفه ذلك الجمهور حق المعرفة حتى وإن جاءت كلمات المجاملة على هامش تلك المؤتمرات وفي هيئة تصريحات لا يكاد من يصرحون بها يلقون بالا لما يقولون. من ذلك ما أشارت إليه الصحف يوم أمس من اعتبار أطباء خليجيين المملكة من الدول الرائدة إقليميا في مجال طب الطوارئ، حيث تتوفر كافة الإمكانات الطبية لذلك المجال ووفقا للمقاييس العالمية وذلك خلال جلسة التكريم التي أقيمت على هامش مؤتمر طب الطوارئ الدولي الأول المقام في المدينةالمنورة. وإذا كان أولئك الأطباء قد اعتبروا كلمات المجاملة تلك تكريما مقابل ما وجدوه من تكريم وحسن ضيافة فإن من حق من يقرأ تلك الكلمات أن يتساءل عن المقاييس العالمية التي استند إليها المتحدثون فمنحوا المملكة الريادة في هذا المجال وأن يتساءل كذلك عن واقع طب الطوارئ إقليميا لكي تكون المملكة رائدة فيه. وإذا كان الحق لا يسمح لنا أن نتنكر لما يتم إنجازه في مجال الخدمات الصحية فإن الحقيقة لا تسمح لنا كذلك بتجاهل نواحي القصور التي تكشف عنها الأجهزة المعطلة والمشاريع المؤجلة والأسرة التي لا تستوعب ضحايا الحوادث والكفاءات العلمية الكثيرة التي تفتقر لها أقسام الطوارئ في مستشفياتنا. وتلك هي الحقائق التي لا ينبغي لها أن تغيب عن بال القائمين على طب الطوارئ لدينا وألا تشكل كلمات المجاملة ستارا بينهم وبينها.