هل لدينا خبراء سعوديون؟ ما هي مؤهلات الخبير؟ وهل هو متخصص أكاديمي أم هو ممارس مهنيا أم هو مهتم بشأن من الشؤون؟ كم عدد السنوات المطلوبة ليكون الخبير خبيرا؟ كم عدد اللغات التي يجب أن يتقنها الخبير ليكون خبيرا؟ وكم عدد الدراسات والبحوث التي يفترض أن يجريها وكم من المؤتمرات يجب أن يشارك بها الخبير؟ وهل يشترط أن يكون للخبير زيارات ميدانية إذا كان خبيرا في شؤون دولة أو إقليم أو أقليات؟ هل لدينا مرجعية مهنية تمنح الخبير مسمى خبير وتحدد له مجال خبرته؟ أتذكر أن جدلا واسعا دار إبان حرب الخليج الثانية على محطة تلفزيون CNN حول عدد خبراء الشرق الأوسط، الذين يحللون ويعلقون على أحداث المنطقة ومجتمعاتها وثقافاتها، فكانت الظاهرة المثيرة للجدل هو أن أغلب أولئك الخبراء تربطهم بإسرائيل علاقات وزيارات متكررة لإسرائيل، مع شبه غياب في تجاربهم لعلاقات وزيارات ومؤتمرات في أي من الدول العربية. ومع ذلك يحملون صفة خبير الشرق الأوسط وليسوا خبراء في الشأن الإسرائيلي. ومع كل أزمة تزف لنا المحطات التلفزيونية عددا ممن يسمون خبراء يتحدثون من خلالها في الشأن العسكري والاقتصادي والسياسي. بعضهم لم يكتب ورقة ولا تربطه بالأحداث أي معرفة أو خبرة ينطلق منها في التعليق أو التحليل أو يقرأ الأحداث من خلالها قراءة مستنيرة وعميقة. قبل أيام أطلقت هيئة تقويم التعليم العام مشروع الإطار السعودي للمؤهلات من خلال ورشة عقدت بحضور وزير العمل ووزير التعليم ومشاركة 22 مؤسسة حكومية وإقليمية وشركات محلية وإقليمية. وكان الهدف الرئيس لهذه الورشة هو إعداد وبناء الربط الفعال بين مخرجات التعليم ومتطلبات التنمية وسوق العمل، وتوحيد المؤهلات التي يحصل عليها المتعلم، بهدف رفع جودة التعليم وتحسين مخرجاته. والعمل على توحيد معايير التعليم والتدريب والارتقاء بها لزيادة التوافق في المنظومة التعليمية والتدريبية، من خلال وضع معيار موحد وشفاف ومحايد للمؤهلات الوطنية في المملكة، وتعزيز الاعتراف بكل أنواع المؤهلات. قد لا يكون دور هذه الهيئة مباشراً في اشكالية الخبير والخبراء لكن هذه الهيئة مهدت الطريق لثقافة علمية مهنية أخلاقية ستسهم في التأسيس لمهنة الخبير، فقد يتطلب الأمر هيئة أخرى تتجاوز سوق العمل والتنمية والتخصصات، إلى مجالات أوسع فتشمل الخبراء الاقتصاديين والعسكريين والسياسيين والقانونيين وغيرهم، في تسجيل وترخيص لمثل هؤلاء الخبراء. كلنا يعرف أن نظام الخدمة المدنية لا يعطي الخبراء حقهم بهذه الخبرة، والاستفادة من خبرتهم على المستوى الوطني، وكلنا يعرف كذلك أن الكادر الأكاديمي لا يهتم ولا يكترث بالخبراء ولديهم أثواب مفصلة للعمل الأكاديمي فحسب، وكلنا يعلم كذلك أن نظام التدريب المعمول به في معهد الإدارة ومؤسسة التعليم الفني والتدريب المهني والمعهد الدبلوماسي لا يعير أهمية للخبرات لدى المشتغلين في هذا المجال بصفتهم الفردية، والذين عملوا عشرات الإنجازات في مجالاتهم، كما أن هيئة الخبراء بمجلس الوزراء لا يمكن أن تكون مرجعية وطنية للخبراء لأنها تقتصر فقط على العمل القانوني والشأن القانوني. في المقابل، هناك مئات بل آلاف الخبراء المهدرة خبراتهم فقط لعدم وجود نظام يكترث بخبراتهم ومهاراتهم واهتماماتهم، والبالغة الأهمية للوطن وللعالم، بحاجة إلى مرجعية تعترف بخبراتهم الفردية والتي تحققت بجهودهم الفردية وبتخصصاتهم ومن صميم عملهم الذي يقومون به بأعمالهم حسب مواقعهم، يجب أن نتوقف عندها وأن نحتسبها لهم لتعم الفائدة منها وليستفيدوا هم منها، في مسار حياتهم العملية والمهنية، لأن الوظيفة الحكومية لا تفرق كثيرا بين الموظفين الذين يحضرون بأجسامهم ويقضون وقتهم بلا عمل حقيقي، وآخرين من الموظفين الذين استطاعوا أن يبدعوا ويطوروا أنفسهم ويشقوا لأنفسهم مسارا واضحا ودقيقا في مسيرتهم العملية ومعرفتهم الذاتية. لقد حان الوقت لإيجاد هيئة خبراء وطنية في مجالات الإدارة والسياسة والاستراتيجيا والاقتصاد والقانون والبيئة والتربية وغيرها، وتأخذ بالحسبان الجهود الفردية الكمية والنوعية التي يتميز بها الخبير عن نظرائه الأكاديميين والموظفين والمهتمين في الاستشارات والمؤتمرات والقراءات والكتابات والزيارات الميدانية ولا تقوم فقط على النظام الأكاديمي ولا على نظام الخدمة المدنية ولكنها تمنح الفرد الحق بأن يكون خبيرا ومهتما في مجاله وفي المجالات القريبة من مهنته أو تخصصه، بحيث تكون هذه الهيئة مرجعية وطنية للخبرات الفردية التي تراكمت في عدد من التخصصات والمهن والاهتمامات على أن تكون أولويات تلك الهيئة هي وضع قاعدة بيانات لكل الخبرات الوطنية.