أتعاطف مع رغبات الدارسين على حسابهم في الخارج للانضمام لبرنامج الابتعاث، لكنني لا أفهم نظرتهم المتظلمة لهذه الرغبة على أنها حق مكتسب يجب على وزارة التعليم تنفيذه، كما أن موافقة الوزارة على السفر للدراسة على الحساب الخاص ليست التزاما بالضم لبرنامج الابتعاث، بل هي من متطلبات الاعتراف بالشهادة ومعادلتها عند التخرج! برنامج الابتعاث الحكومي نفسه يجب أن يخضع للمراجعة، فالهدف ليس أن يصبح جميع شباب المملكة من الدراسين في الخارج، بل أن يؤمن التخصصات النوعية التي تلبي متطلبات سوق العمل، كما أن سياسة التعليم نفسها في الداخل بحاجة لغربلة شاملة تعيد تقييم تجربتنا التعليمية بعد أن طغت معادلة الكم على الكيف، فلا يوجد بلد في العالم يجب أن يكون جميع أفراده خريجين جامعيين، فالنسبة في المجتمعات المتقدمة في الغالب هي 60% لصالح خريجي تخصصات المعاهد والكليات المهنية والتقنية والفنية والصحية مقابل 40% لصالح الأكاديميين والخريجين الجامعيين! عندنا الإشكالية ارتبطت دائما بالنظرة الدونية للمجتمع الذي ما زال بعض أفراده يقدس الوظيفة الحكومية «الميري» لمكانة الخريج المهني مقابل الخريج الجامعي، ورغم أن كل واحد منا ينحدر من آباء وأجداد عملوا ومارسوا المهن، إلا أن ترسخ هذه النظرة الدونية ساهمت في اختلال الميزان مع متطلبات سوق العمل، ومعاناته من ضعف مخرجات التعليم! وانحسار طفرة وأهمية البترول ذات يوم أكيد سيفرض واقعا جديدا طال الزمان أو قصر، وعلى المجتمع أن ينزل من عليائه قليلا حتى لا يسقط ذات يوم من علو شاهق على صخرة صلدة، وعندها لا أحلام ستنفعنا ولا ابتعاث سيجبر كسرنا!. [email protected]