كانت صعبة تلك الليلة. منذ «عصاريها» غادرت ميناءها وأعلنت تعامد أوقاتها.. وتركتني أهوي لبئر سحيقة من غير دراية أشلاء من حوادث متواصلة ومقطوعة، بدأت بوجه الدكتور معجب الزهراني متحسرا على آلاف السنوات أهدرت في زمن داعشي كان الحضور منتشيا لزمن الوصل بتكبيرات وأجساد تحتل القاعة.. لم يكن الزمن حاضرا .. ولم أكن ملما بتفاصيل أي تعايش قادم.. كانت المدينة تودع شوارعها وتغلق الأبواب على نفسها لتنعم بليل معافى.. وجدت نفسي معلق الروح أحمل وجدا غائرا وقد ارتحل الزمن إلى الأعشى: ودّعْ هريرة َ إنْ الركبَ مرتحلُ، وهلْ تطيقُ وداعاً أيها الرّجلُ؟ أي هريرة أرخت على نفسها صمت البيوت. هي، الساعة الربعة فجرا والرياض تبحر نحو ضفة المغيب. كيف تغيب هذه المدينة في هذا الوقت؟ نهايتي بدأت مبكرة، أنهيت سهرتي على غيرة العادة، كان «لوبي» الفندق يضج بالمدعوين لمعرض الكتاب، ولم أكن راغبا في مغادرة جلستي لولا أني شعرت بتوعك صعدت إلى غرفتي، فجأة خارت قواي وكنت أحس بأن كل شيء ينهار ولم أستطع الصمود أمام هذا الانهيار وكلما أغمضت عيني وكأني في مجرى سيل يجرفني للمصب، كنت ألوذ بما يعصمني مما أنا فيه. كنت أتمنى النوم، إلا أن درجات صعود الصداع تقف بين رغبتي وبين الانهيار. هاتفني الصديق علي بافقيه - أين أنت؟ نريد السهر معك. ماذا أقول له وأنا أشعر بأني راحل، كنت أتمنى أن أقول: يا علي الحياة تودعني فلا تستمهلني وقتا. تحملت على نفسي وأنا أردد - أشعر بإنهاك شديد لم أشعر بالرغبة في مواصلة الكلام، إذ أني كنت مشغولا بالبحث عن منفذ أنفذ منه. ربما كانت إفاقة أو ربما كانت إغماءة، واستيقظت بعد فترة وجيزة، لأجد أني أخسر كينونتي ها أنا أسفح الكلمات .. ولا مجيب للأعشى عمن يودع هريرة أن الركب مرتحل..