لا خلاف على أن مشروع كتابة الرواية يقوم على المتخيل، فالرواية بنية زمنية ومكانية وإنسانية متخيلة داخل بنية حدثية واقعية، وهي تاريخ متخيل خاص داخل التاريخ الموضوعي، ولا فكاك من التواصل أو الاتصال بين الزمنين والمكانين والتفاعل بين التاريخين، فالسرد لا ينشأ من فراغ وإنما هو ثمرة بنية واقعية وحياة اجتماعية سائدة إلا أنها ثمرة التخييل لا الاستنساخ، ولا يختلف ناقدان على أن الطفرة الروائية المحلية نتجت عن تفاقم أزمات فكرية ونفسية وأخلاقية واجتماعية بدواعي عدة أدناها التنفيس عن ذات مكبوتة وأعلاها البحث عن القيم المفقودة والمناداة بالتمسك بما يمكن التمسك به في ظل ثقافة السوق ومنهجية الاستهلاك، وبما أن الرواية حياة موازية للحياة والقاسم المشترك بينهما الطابع الحكائي فإن جمالية الرواية في احتفاظها برمزيتها وتعبيرها عن شخصياتها تعبيرا متخيلا عن حيوات متجاورة وخبرات حية ولا يستنكر على السراد إدراجه شيئا من سير شعبية وملاحم وأساطير ضمن السياق السردي مع توظيف كل ذلك لخدمة الفنية، وربما لم يتنبه بعض الروائيين السعوديين للفرق بين الأسطورة والحكاية الشعبية والملحمة والتاريخ إلا مؤخرا باعتبار الرواية فن مديني أو مدني ومجتمعاتنا رعوية وزراعية والتجار قليل ما هم حتى الطفرة الأولى، ولعل من جماليات السرد أنه يمكن أن يحتوي داخل بنيته مختلف الأشكال التعبيرية الأدبية والمعرفية من شعر وقصة ومسرح وفكر وفلسفة ومنجزات تقنية وعلمية ومكتشفات جغرافية وطبيعية وكونية ولغات وحوارات، ومؤكد أنها نجحت مؤخرا في الإفادة من السينما وحضور الصورة والانفتاح الفضائي، ومن سمات الرواية السعودية أنها عبرت عن جميع الطبقات، فالرواية في السعودية كتبها الأمير سيف الإسلام بن سعود نموذجا وكتبها الوزير القصيبي مثالا، وكتبها التكنوقراط والتجار والمهنيون والحرفيين، وإذا كانت الرواية العربية نشأت في ظروف استعمارية واشتغلت على مفهوم الهوية والقومية مقابل الآخر المستعمر، فإن الرواية السعودية لا تزال تجاهد في سبيل إثبات الذات أمام الذات وأمام الآخر القريب العربي لهدم منظومة المراكز والأطراف التي كانت سائدة ولم تزل قائمة في أذهان البعض، ولا يمكن استبعاد التأثر الواضح بالإبداع العربي عموما وهذه من طبائع الأمور، وبالعودة إلى العنوان أجدني أتساءل هل يمكن إسقاط الرواية على الواقع وإنزال السرد من التخييل إلى تفاصيل واقعية؟ هذا السؤال انقدح في الذهن بعد سهرة ثقافية مع الصديقين محمد القشعمي والروائي أحمد الدويحي عندما حاولا تسمية أبطال رواية الراحل الكبير عابد خازندار (الربع الخالي)، مؤكدين أنه حاضر في الرواية وكذلك زوجته شمس الحسيني وبعض أصدقائه وطاب لهم التفكيك ما أشعرني بأنهما يمارسان جناية لأن روائي الربع الخالي لم يسطر سيرة ذاتية ولم يرد منا أن نغوص في تقصي الشخصيات، إذ العبرة بالمضامين لا بربطها بالواقع هذه وجهة نظر قابلة للأخذ والرد، وإن كنت وقعت فيما وقع فيه الصديقان عندما كتبت عن الشاعر عبدالرحمن رفيع «رحيل آخر أبطال شقة الحرية»، مستندا في ذلك على تصريح من رفيع نفسه بأن شقة الحرية رواية واقعية مع بعض التحوير.