ارتبطت الحرب في معظم أنحاء العالم بالدفاع عن الوطن والعرض والمال، وزاد على ذلك المسلمون فربطوها بالدفاع عن الدين، بهذا كله أحكم إلباس الحرب لباس المجد، اختفى الوجه القبيح للحروب، وتبدى لها وجه سام وغايات نبيلة، تستحق من أجلها أن تبذل الأرواح مجانا بلا تردد، وأن يستشعر طعمها حلوا كالعسل وأحلى مهما تشبعت بالمرارة وامتزجت بالألم. ولخوض الحرب، ليس من الضروري أن يكون هناك أمر جلل يقتضي القتال من أجله، وإنما يكفي لإشعال الحرب حادثة تافهة تعكر المزاج كي تنطلق الشرارة المرتقبة، فحرب البسوس، التي استمرت أربعين عاما تجري الدماء بسببها، كانت ثأرا لمقتل ناقة، وحرب داحس والغبراء التي ظلت ما يقارب نصف قرن تلتهم الأرواح كانت بسبب هزيمة فرس في سباق. لم يكن هذا شأن الحرب لدى الجاهليين فقط، وإنما بقيت على صفتها تلك عبر ما تلا من قرون، ففي القرن الرابع عشر الميلادي قامت حرب أهلية في إيطاليا دامت 12 عاما بسبب سرقة دلو خشبي، وقامت حرب شرسة بين بلغاريا واليونان بسبب مقتل كلب، وفي القرن العشرين اشتعلت الحرب بين السلفادور والهندوراس بسبب هزيمة أحداهما في مباراة كرة قدم!! على أي شيء يدل هذا؟ هل يدل على أن الميل إلى الحرب أصل في الفطرة البشرية؟ وأن الحروب تشتعل ليس لحتمية اشتعالها، وإنما لإشباع تلك الفطرة وإرضاء ذلك الميل؟ على مدى تاريخ البشر، لم يعرف الناس وسيلة فعالة لحسم ما ينشب بينهم من مشكلات سوى القتال، فالقتال هو ما يحسم النزاع، والنزاع يحسم بناء على القوة وليس العدل؛ لذلك من المهم الاستعداد ما أمكن بكل أشكال القوة لضمان الفوز في المعركة. ولتحقيق ذلك لا بأس إن ماتت جميع القيم الإنسانية، وعميت العيون عن كل المعايير الأخلاقية، فالغاية جليلة تستحق فعل ذلك للوصول إليها. تفنن المقاتلون في اختراع صنوف الأسلحة ومارسوا أسوأ الأساليب المنافية للإنسانية، بحثا عن الفوز في الحرب، حتى أنهم لم يتورعوا عن استخدام الحيوانات لتكون أهدافا مفخخة تحقق لهم النصر، وقد شاع في العصر الحديث استخدام الكلاب كجنود انتحاريين، حيث يجوع الكلب ويدرب على البحث عن الطعام تحت الدبابات المقاتلة، ثم يلبس حزاما ناسفا ويطلق بعد إيهامه أن الطعام موجود تحت دبابات العدو، وعند اقتراب الكلب من الدبابة المقاتلة تتحرك عصا مثبتة بالحزام الملغم فينفجر مدمرا الدبابة. في عيون المتقاتلين ما يسيل من الدماء وما يزهق من أرواح وما ينكب به الكون من دمار، كل ذلك ثمن رخيص للحرب!! فما سر الحرب الذي يغري الناس بها؟!.