أعلم أن كثيرا من الأكاديميين يمثلون فعلا قادة رأي ويؤثرون في طلابهم ومحيطهم الجامعي والمجتمع بشكل عام. لكنني، أيضا، أعلم أن رسالة وصلتني من دكتور جامعي، أثناء عملي في إحدى الصحف، لم أستطع تبين ما يريد قوله، فهي خالية تماما من اللغة والإملاء الصحيح، فضلا عن خلوها من الأسلوب والفكرة التي يمكن أن أعيد على أساسها بناء المقال ومن ثم أنشره لرفع الحرج. وبعد صراع طويل مع ضميري انتصر علي فقررت ألا أنشرها حتى لو غضب أو أخذته، كعادة بعض الأكاديميين، العزة بالإثم. وحين أناقش أحيانا بعض الأكاديميين تفاجؤني ضحالتهم ويزعجني تماهيهم الساذج مع الأفكار السائدة وما اتفق عليه اجتماعيا. أي أنهم لا يفرقون عن العوام في شيء، فهم يرددون نفس الأقوال ويحاجون بنفس الطريقة التي يخاطبك بها طالب ابتدائية أو بالكثير طالب مرحلة ثانوية. وقد كنت ومازلت، في مثل هذه الحالات، أسأل ماذا كسبنا كوطن ومؤسسات ومجتمع من حامل الماجستير أو الدكتوراه الذي صرفنا عليه جزءا كبيرا من ميزانيات التعليم العالي ليخرج لنا ببضائعه الفكرية العادية أو الأقل من عادية في كثير من الأحيان. ما نفهمه أن مهمة الأكاديمي الأولى، حين يقف أمام طلابه أو يخاطب الناس، هي أن يفتح طريقا جديدا للتغيير ويرسم خطوات حقيقية للتطوير الاجتماعي بشكل عام، لا أن يقف بالمرصاد لأية فكرة أو رأي يؤدي إلى هذا التغيير، ويمارس، مثل غيره، وصاية تقليدية على أفكار الناس واختياراتهم. فضلا عن أن يكتب أو يتحدث بطريقة البسطاء الذين يسمعون فينقلون ما سمعوا دون تدبر وتمحيص. بطبيعة الحال نحن لدينا الكثير من هؤلاء الأكاديميين الذين لا لزوم لهم إلا بقدر ما تفرضه شهاداتهم العليا من وجود قسري في حواضننا التعليمية والاجتماعية. وحين أقول لا لزوم لهم أعني أنهم لا يقدمون بقدر ما يؤخرون في مسيرتنا الفكرية والتنموية بخلاف ما نتوقعه منهم. ولذلك إما أن نضع لهم اختبارات قياس فكرية وعلمية جديدة، كما نفعل للمعلمين، لنكتشف جدارتهم في التعليم الجامعي ومن ثم نحدد، على أساس هذه الاختبارات، من يصلح منهم ومن لا يصلح. وإما أن نعجل بتقاعد كثير ممن حملوا هذه الشهادات في (طفرة الدكترة) التي عشناها منذ الثمانينيات ليحل محلهم أكاديمون جدد أثبتوا، فكريا وعلميا، أنهم كفؤ للوقوف في قاعات التدريس وتسنم المنابر الإعلامية وغيرها.. ومن المؤكد أنه ليس لدينا المزيد من الوقت، لا الوقت الفكري ولا التنموي، لنضيعه خلف هؤلاء الدكاترة الذين إن تحدثوا أو كتبوا قلنا ليتهم سكتوا. على الأقل في سكوتهم منجاة من إحداث أثر مضاعف سلبي لدى الناس الذين يبحثون لأولادهم عن حياة متقدمة سوية ومستقبل واضح مزدهر.