استبشر أهالي الباحة خيرا حين افتتحت جامعة الإمام محمد بن سعود معهدا علميا في منطقتهم، وفي تلك الأثناء كان مدير تحرير مجلة حقوق أحمد الحوت متخرجا من المرحلة الابتدائية، إلا أنه كان يشعر أنه على أعتاب عهد جديد، لأن من يتجاوز هذه المرحلة يكون قد انفتحت له فرص الحياة. دخل الحوت المعهد الذي حمله إلى كلية الشريعة بالرياض، حيث اختلاف القرية عن المدينة، فهاله ما رأى من تقدم حضاري قياسا بذلك الزمن، فالسيارات كانت تعبر الشوارع على مدار الساعة، فضلا عن العمران الذي ينتشر في العاصمة، وتفتقده القرية، ومناخ لا يشبه بأي حال مناخ قريته التي تتلحف بالغيوم طوال أيام الشتاء وبعض أيام الصيف، وكانت وسائل الاتصال شبه معدومة بين مدينة الرياضوالباحة، إذ لا مجال للتواصل إلا عبر الرسائل المكتوبة، التي يضعون عليها الطابع البريدي. وقال الحوت: «يتسارع نمو الرياض ومعها وسائل الاتصالات، وتمر الأيام والسنين بعضها يمتطي صهوة بعض، في تدافع محموم، وإذا بي على أعتاب التخرج في كلية الشريعة، فتم تعييني بوزارة الإعلام حينذاك مراقبا للمطبوعات، حيث وجدت ضالتي، إذ أشم عبير أوراق الكتب، وأحبار مطابع الصحف والمجلات، وأتنقل بين أفكار الكتاب، وأشاهد إبداع المبدعين»، إلا أنه بعد فترة ليست بالقصيرة أدرك أن الرقابة لا تعني حجب المعلومة بالضرورة، وأن الأصل هو الفسح لما يتم عرضه على المراقب، وأن المنع والحجب أمر طارئ. واستمر عمله في وزارة الثقافة والإعلام 38 عاما يصعب اختصارها في عجالة من القول، حيث تغيرت أمور كثيرة، وتعدلت بعض أنظمة المطبوعات والنشر، بما يتوافق والظروف والأحوال، فارتفع سقف حرية الكلمة إلى مدى لا نجده في بلدان تتشدق بالحريات ليلا نهارا، وتوسعت معارض الكتب، وأبصرت الصحف الإلكترونية النور، وملأت الفضائيات سماء الأرض. مر الحوت بمراحل متغيرة منذ بدايات عمله مراقبا للمطبوعات، ومديرا عاما للتراخيص الإعلامية، ثم مديرا لجريدة أم القرى، فمشرفا عاما على المطبوعات، حتى تم تكليفه وكيلا مساعدا للإعلام الداخلي، مرت تلك المراحل ليست على نسق واحد، حيث كان السباق محموما للتماهي مع التطور الكبير والسريع في شتى المجالات التنموية بالمملكة، ومنها قطاع الثقافة والإعلام، وتقنية المعلومات. ومع الانفتاح الواسع في وسائل التواصل الاجتماعي الذي أثرى المعارف ووسع المدارك، كان لا بد من تنظيم هذا النشاط الهام، لحفظ الحقوق الفكرية، ممن امتهن أسلوب القص واللصق، وحفظ حقوق الآخرين من الانتهاكات كالتشهير، والإشاعات المغرضة، التي راج سوقها قبل إنشاء اللجان الناظرة في مخالفات النشر الإلكتروني، فكان الحوت أول من بدأ الترخيص للصحف الإلكترونية، والسماح بتسجيل المنتديات والمدونات، وذلك ليس تقييدا للحريات، بل منعا للفوضى، التي تؤدي إلى شق الصف، وإثارة النعرات، وإشاعة الخوف بين الناس، كما أن في ذلك التنظيم تنمية وتشجيعا وحماية لتلك الأوعية الإعلامية. وأضاف: «حين أستجلب الماضي، قبل أن يدخل الإنترنت حياتنا، أتذكر البساطة التي كان الناس عليها، حيث الاستمتاع بالقراءة عبر الصحف المطبوعة، فكانت هناك صحيفة المسائية، غير الصحف المعروفة الآن، وكانت الكتب رفيقة طلبة العلم، والباحثين عن المعرفة، وأشاهد اليوم وقد انكب الناس كبيرهم وصغيرهم على الأجهزة الذكية المحمولة بين أيديهم، يشغلون جل وقتهم في تصفح ما يتدفق إلى أجهزتهم من رسائل وصور ومقاطع فيديو بعضها فيه إثراء وبعضها يحمل التدليس والافتراء.