أطلق أحدهم مقولة: المطر هو المفتش العام الذي يزورنا سنويا فيكشف سوءة البلد، وهو الكشف الذي يشمل كل أسس البنية التحتية التي صرفت من أجل إرسائها آلاف المليارات خلال خطط التنمية المتعاقبة. فالمطر كشف لنا عيوب المدن وغياب مشاريع تصريف الأمطار ورداءة المنشآت المقامة وقد يكون في مقدمتها المطارات التي تخر أسقفها أو الجامعات التي تكون تحت رحمة السيول فتخسر أجهزتها وممتلكاتها الثمينة.. والمطر يأتي ليجرف الكباري والأنفاق ويترك في الشوارع فجوات عميقة وليس مستثنى من هذا الدمار شيء.. ربما تنهض همة أي مسؤول ليقول إن ذلك الدمار هو نتاج ظواهر طبيعية ويمكن موافقته لو أن الأمطار فوق المعدلات الطبيعية أو أنها أصابت جهة دون أخرى لكن ما يحدث غير طبيعي بتاتا حتى يبادرك إحساس أن هناك من يتعمد إسقاط التنمية في كل مكان وهو خاطر يداهمك حين تقارن بين المصروفات المهولة لكل المشاريع وبين النتائج على أرض الواقع. وكنت أظن أن كارثة جدة السابقة قد (قعدت) فكرة عدم البناء في بواطن الأودية أو على ضفافها لكن هذا الظن نقضه مقطع فديو تم نشره عبر وسائل الاتصال يظهر قضبان سكة حديد على جرف السيل وقد تعرت تماما وظهرت دعائمها وأوشكت على الانجراف مع جريان السيل، وليت المعنيين في المؤسسة العامة للخطوط الحديدية يشاهدون المقطع قبل أن نسمع عن انجراف قطار بركابه ووفاة المئات أو العشرات. فإذا ثبتت صلة المقطع بأحد مشاريع قطاراتنا فإن ذلك يعني أن ثمة تهاونا وإهمالا لا يمكن تمريره إذ كيف تقام سكة حديد في بطن واد أو على ضفافه وإن لم يكن كذلك كيف استطاع السيل كسر أكتاف سكة الحديد وخلخلة قضبان السكة؟. وأعتقد أن المفتش العام السنوي يجب شكره لأنه يكشف ستر الأخطاء قبل وقوع الكوارث.