حب الشعوب لأوطانها وقيادتها لا يأتي من فراغ، ولا يمكن إجبارهم وفرض حبهم بالقوى الجبرية أو القمع القهري، وإنما هو في الحقيقة حصاد بذور المحبة في قلوب الشعوب؛ نتيجة حسن التعامل معها ورعايتها وعدم التعسف بها وتحقيق مطالبها والحد الأدنى من احتياجاتها الأساسية. ومن كان متابعا لمشاعر الحب التي عبر عنها الشعب السعودي في اليوم الوطني لبلادهم، الأسبوع الماضي، يتأكد أن مظاهر الحب والولاء للوطن وقيادته لم تكن شعارات أو إعلانات أو مشاعر زائفة أو تمثيلية مجبورين لعرضها، وإنما هي حب حقيقي وولاء متجسد في قلوبهم وتعبير صادق دفعهم للخروج طوعا من منازلهم ومكاتبهم وجامعاتهم ومدارسهم ومؤسساتهم وشركاتهم للشارع السعودي معبرين بطريقتهم وبأسلوبهم في كل قرية ومدينة ومنطقة عن حبهم وولائهم لوطنهم وقيادته. لقد رسموا لوحة جمالية في حب الوطن مؤكدين تفانيهم في الدفاع عن وطنهم ودعمهم ومساندتهم لقيادتهم في الحفاظ على وحدة وطنهم وضمان أمنه وسلامته واقفين ضد كل من يفكر في زعزعة أمن وسلامة وطنهم مجندين أنفسهم ضد الإرهاب بكل أنواعه من الداخل والخارج. لقد تابعت شخصيا مظاهر الاحتفال بمدينة جدة، وشاركت في حضور الحفل الذي أقامته إمارة منطقة مكةالمكرمة، ممثلة في أميرها الشاب الطموح مشعل بن عبدالله بن عبدالعزيز، ونفذته أمانة مدينة جدة بقيادة أمين محافظة جدة المتميز الدكتور هاني أبو راس صاحب التخطيط المبدع لجدة الجديدة، حيث شارك الآلاف من المواطنين على شاطئ جدة الشمالي مسجلين مشاركة شعبية رجالية ونسائية شيوخا وشبابا وأطفالا، وبمشاركة قيادات حكومية وخاصة رجال أعمال وموظفين من القطاع الخاص اجتمعوا ليعبروا عن حبهم لوطنهم وقيادته، وليثبتوا للعالم بأن شعب المملكة فخور كل الفخر بوطنه وإنجازات قيادته، وهي حقيقة مهما اختلفنا في وجهات النظر تجاه بعض السياسات والخطط وأساليب تنفيذها، إلا أننا متفقون على الأهداف وأهم هذه الأهداف وحدة الوطن ووحدة القيادة. إن أبناء جيلي ومن سبق جيلي يتذكرون جيدا كيف كانت بلادنا قبل تأسيسها وفي بداية تأسيسها وكيف أصبحت اليوم، والمقارنة كبيرة جدا لو شملت جميع القطاعات منها التعليمية والصحية والصناعية والنقل والبنية التحتية من كهرباء وماء واتصالات ومطارات وموانئ، وكيف كان العمران القديم وكيف أصبحت التنمية العمرانية اليوم، وأين كان اسم المملكة قبل 85 عاما وكيف أصبح اليوم ضمن مجموعة العشرين التي تخطط للسياسة والاقتصاد في العالم، وكيف كان دورنا ضمن الدول الإسلامية حتى أصبحت المملكة العربية السعودية هي الدولة الرائدة التي ترعى الإسلام والمسلمين في جميع أنحاء العالم وتنشر علومه وتحافظ على مقدساته وعلى رأسها مكةالمكرمة والمدينة المنورة، وكيف كان حجم الحرمين الشريفين في بداية تأسيس المملكة وكيف أصبح اليوم بعد التوسعات العملاقة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وكيف كانت خدمات الحجيج ومعاناة الحجاج في الماضي وكيف أصبحت اليوم تخدم ملايين الحجاج بتقنيات عالية وخدمات متطورة وتوسعات مستمرة للمشاعر، والتي كانت في الماضي لا تستوعب أكثر من بضع مئات الآلاف من الحجاج. ولن أستطيع أن أسرد جميع أوجه المقارنة في مختلف القطاعات بين ماضي التأسيس وحاضر البناء الذي نعيشه. ولكنني أستطيع وبكل فخر أن أعترف وأسجل اعترافي أن قيادتنا استطاعت أن تستخدم أكبر العوائد من البترول ومن الواردات الأخرى لتطوير بلادنا والإنفاق على توفير احتياجات شعب المملكة وسكانها وتطوير الخدمات المقدمة لهم. وهي حقيقة يثبتها الواقع. وبالمقارنة ببعض الدول المنتجة للبترول من الدول العربية، نلحظ أن سوء تصرف قيادات تلك الدول في استخدام وارداتها أدى إلى ارتفاع نسب الفقر والتخلف وتراجع الخدمات في جميع المجالات، وما زالت تعاني شعوبها من كوارث الأزمات والاضطرابات السياسية، فكانت النتيجة ثورة شعوبها على قياداتها. ومن يقرأ تاريخ الدكتاتورية في العالم العربي أجزم بأنه سيشارك في احتفال اليوم الوطني ويرفع تحية تقدير واعتزاز لمن سار بوطننا إلى بر الأمان.. فهل لشعب المملكة الحق في الاحتفال بذكرى تأسيس الوطن؟ نعم لهم كل الحق، فوطن يحظى بهذا الإنجاز جدير أن يحتفل شعبه به وبقيادته.