فتح القبول للطلبة في الجامعات دون الحصر على المنطقة الإدارية    «مسام» يشارك في ندوة جهود نزع الألغام في جنيف    زوار المسجد النبوي يغرسون أشجار الإيتكس وكف مريم    22.7 % نمو قطاع التأمين في المملكة خلال 2023    أمير جازان يرعى فعاليات مهرجان الحريد في النسخة 20    نائب أمير مكة يقف على غرفة المتابعة الأمنية لمحافظات المنطقة والمشاعر    إيقاف نشاط تطبيق لنقل الركاب لعدم التزامه بالأنظمة والاشتراطات    إطلاق اختبارات "نافس" في المدارس الابتدائية والمتوسطة    «الجوازات»: 41 مليون عملية إلكترونية لخدمة المستفيدين داخل السعودية وخارجها.. في 2023    مناقشة أثر بدائل العقوبات السالبة للحرية على ظاهرتي الاكتظاظ السجني    جراحة ناجحة تٌعيد الحركة لطفل مُصاب بالشلل الرباعي ببريدة    سعود بن طلال يرعى الاحتفال بانضمام الأحساء للشبكة العالمية لمدن التعلم باليونسكو    هيئة تطوير محمية الملك سلمان بن عبدالعزيز الملكية بحائل تنظم حملة للإصحاح البيئي    أمير تبوك يستقبل أبناء علي بن رفاده البلوي    نائب أمير حائل يزور "مركز انتماء"للرعاية النهارية ويطلع على تقارير أعمال الأمانة    إيقاف 166 متهماً بقضايا فساد في 7 وزارات    حظر تكبيل المتهم عند القبض عليه    أمطار الرياض تروي أراضيها لليوم الثاني    ارتفاع أرباح مصرف الإنماء إلى 1.3 مليار    الذهبان الأصفر والأسود يواصلان التراجع    سمو محافظ الخرج يكرم المعلمة الدليمي بمناسبة فوزها بجائزة الأمير فيصل بن بندر للتميز والإبداع في دورتها الثانية 1445ه    «العالم الإسلامي»: بيان «كبار العلماء» يؤصل شرعاً لمعالجة سلوكيات مؤسفة    النصر والخليج.. صراع على بطاقة نهائي كأس الملك    سعود عبدالحميد: الطرد زاد من دوافعنا.. وهذا سر احتفالي    تغريم ترامب لازدرائه المحكمة والقاضي يهدّد بسجنه إن لم يرتدع    مصر: استدعاء داعية بعد اتهامه الفنانة ميار الببلاوي ب«الزنا»    نائب أمير مكة: مضامين بيان «كبار العلماء» تعظيم لاحترام الأنظمة    انهيار صفقة الاستحواذ على «التلغراف» و«سبيكتاتور»    5 فواكه تمنع انسداد الشرايين    خسرت 400 كلغ .. فأصبحت «عروسة بحر»    النشاط البدني يقلل خطر الاكتئاب بنسبة 23 %    أمير الرياض يستقبل ممثل الجامعات السعودية في سيجما    الأمم المتحدة تشيد بالدعم السعودي لمكافحة الإرهاب    فيصل بن نواف: دعم القيادة وراء كل نجاح    حق التعويض عن التسمّم الغذائي    نتانياهو: سندخل رفح «مع أو بدون» هدنة    طلاب تعليم جازان يستكشفون الأطباق الوطنية السعودية في معرض الطهي المتنقل    مجلس الوزراء: التحول الاقتصادي التاريخي رسخ مكانة المملكة كوجهة عالمية للاستثمار    في موسم واحد.. الهلال يُقصي الاتحاد من 4 بطولات    جيسوس يعلن سر غياب سلمان الفرج    بحث مع عباس وبلينكن تطورات غزة.. ولي العهد يؤكد وقوف المملكة الدائم إلى جانب الشعب الفلسطيني    في ختام الجولة من دوري" يلو".. ديربي ساخن في الشمال.. والباطن يستضيف النجمة    مرسم حر في «أسبوع البيئة»    الأساطير الحديثة.. نظريات المؤامرة    الانتماء والتعايش.. والوطن الذي يجمعنا    محمد عبده الأول.. فمن العاشر؟    في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا.. حلم باريس سان جيرمان يصطدم بقوة دورتموند    السعودية تنضم للتحالف العالمي للذكاء الاصطناعي    ازدواجية الغرب مرة أخرى    «جوجل» تطلق شبكة تعقب الهواتف    نائب أمير منطقة مكة المكرمة يرأس اجتماع اللجنة التنفيذية للجنة الحج    ينجو من فكي دب بفضل احترافه الكاراتيه    تعزيز الأمن المائي والغذائي    وزير الدفاع يرعى حفل تخريج الدفعة "37 بحرية"    الهلال والأهلي في قمة مبكرة والاتحاد يلتقي الابتسام    إنقاذ حياة معتمر عراقي من جلطة قلبية حادة    أمير منطقة الباحة يشهد اتفاقية تعاون بين تجمع الباحة الصحي والجمعية السعودية الخيرية لمرضى ( كبدك )    وزير الدفاع يحتفي بخريجي كلية الملك فهد البحرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تجفيف مصادر دعم الإرهاب وتأمين سلامة المنطقة أولا
نشر في عكاظ يوم 31 - 08 - 2014

تشكل زيارة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع إلى فرنسا اليوم.. أول وأهم تحرك سعودي رفيع المستوى باتجاه دول العالم لإبلاغ رسالة خادم الحرمين الشريفين لكافة زعماء العالم وشعوبه بخطورة ما يحدث الآن في المنطقة من إرهاب غير مسبوق نموذجه عدد من التنظيمات الموجودة الآن في العراق وسوريا وأماكن أخرى وفي مقدمتها تنظيم «داعش» وتنظيم «النصرة» وتنظيم الإخوان المسلمين.. و«حزب الله» في لبنان وسوريا..
فقد جاءت كلمة خادم الحرمين الشريفين مساء أمس الأول بحضور سفراء «36» دولة معتمدين جدد بمثابة رسالة إلى زعماء وقادة العالم تحذيرا من مغبة ما يجري الآن في منطقة الشرق الأوسط وتأكيد الملك على أنه سيطال كافة دول العالم في فترة وجيزة وفي مقدمتها أوروبا والولايات المتحدة..
وبكل تأكيد فإنها ستكون على رأس أولويات مباحثات الأمير سلمان مع الرئيس الفرنسي «فرانسوا هولاند» وكبار أركان حكومته.. وبالذات لأن خادم الحرمين الشريفين ينظر إلى فرنسا على أنها بوابة العبور الأولى إلى تحرك دولي ملائم.. جنبا إلى جنب بريطانيا التي رفعت حالة التأهب منذ يومين لديها بمواجهة الإرهاب إلى الدرجة الثانية تأكيدا على أن المجتمع الدولي بدأ يدرك مدى خطورة الإرهاب على الجميع.
لذلك فإن هذه الزيارة تكتسب أهمية قصوى لأنها تأتي من حيث التوقيت في ظروف بالغة الدقة والحساسية يتحدد معها مصير الإقليم بدرجة أساسية.. ثم مستقبل العالم كله بالقدر الذي تسارع فيه دوله إلى التحرك السريع للقضاء على هذا الخطر الحقيقي الداهم..
وانطلاقا من ذلك.. فإن الزيارة ستركز على (5) ملفات رئيسية هي:
(1) الوضع الأمني في كل من العراق وسوريا وليبيا.
(2) خطر التنظيمات الإرهاربية الموجودة في المنطقة ومنها تنظيم داعش والنصرة والقاعدة والإخوان المسلمين.
(3) مستقبل لبنان.
(4) التهديدات الإيرانية المتواصلة للمنطقة والعالم.
(5) الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على غزة ومستقبل العملية السلمية في المنطقة.
هذه القضايا وسواها متفرقة أو مجتمعة هي مصدر حالة عدم الاستقرار الراهنة في المنطقة.. بفعل الفوضى العارمة في أرجائها.. وهي الفوضى التي شخصها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز مؤخرا عندما قال «إن الفوضى التي أسماها البعض ممن قصر بصره عن استشراف المستقبل بالفوضى الخلاقة لا تعدو في حقيقة أمرها إلا أن تكون فوضى الضياع والمصير الغامض الذي استهدف ويستهدف مقدرات الشعوب وأمنها واستقرارها» كاشفا بذلك الدوافع التي تؤدي اليها وتقود المنطقة بسببها إلى انهيارات متوالية ستضر في النهاية بمصالح الجميع ولن تستثني أحدا على الإطلاق..
هذه الزيارة إذن تكتسب بعدين هامين هما البعد الأمني والبعد السياسي.. لكنها سوف لن تتجاهل البعد الاقتصادي تجسيدا للشراكة الكاملة التي أرساها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في لقاءاته المتكررة بالزعماء الفرنسيين في كل من باريس والرياض، والتي كان آخرها زيارة الرئيس الفرنسي «فرانسوا هولاند» للمملكة في 25/2/1435ه الموافق 29/12/2013م وكذلك لقاؤه بسمو ولي العهد خلال هذه الزيارة وتباحثهما حول آفاق التعاون العسكري والتجاري والأمني الجديدة واتفاقهما على محاور أساسية تتم متابعتها في الزيارة الحالية لسموه إلى باريس اليوم بعناية فائقة..
■ تحذيرات الملك في قمة اهتمامات الزيارة
وتأتي أهمية هذه الزيارة في الوقت الراهن لباريس في أعقاب تحذيرات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز المتكررة وآخرها مساء أمس الأول من مغبة استمرار السياسات المتراخية في التعامل مع الأخطار التي تتهدد المنطقة بفعل تفشي «إرهاب الدولة» من خلال الأدوات الموجودة على الأرض.. وبصورة أكثر تحديدا ممثلة في كل من داعش والنصرة والقاعدة وغيرها من الأدوات الأخرى مثل حزب الله في لبنان وسوريا.. و«تنظيم بوكوحرام» في نيجيريا والقاعدة في اليمن.. والإخوان المسلمين في مصر وخارج مصر..
صحيح أن هناك سلسلة من التصورات الحالية المطروحة للتعامل مع هذه التنظيمات والأحزاب والتكتلات وكذلك مع الدول التي تقف وراءها وتستخدمها لتحقيق أهدافها وسياساتها في الإقليم.. ومنها الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي.. بكل ما قد يؤدي إليه من إقامة تحالف دولي يتصدى لهذه التنظيمات بجدية كافية ويحول دون تمددها تحت أي ظرف من الظروف..
لكن الأكثر صحة هو: أنه وقبل أن نمضي في هذا الاتجاه.. وهو بالمناسبة حل عملي وفعال ومطلوب.. إلا أنه لابد أن يُتفق على تفاصيل تحقيقه من قبل جميع الشركاء الرئيسيين في المنطقة والعالم وأن لا نستثني منه الدول التي صنعت هذه الأدوات الخطيرة وتستخدمها لزلزلة استقرار المنطقة والدفع بها إلى حالة الانهيار الكلية.. وإلا فأي تحالف هذا يشارك فيه من تقوم سياساتهم على أسس التدخل في الشؤون الداخلية للمنطقة.. وإثارة الفتن والقلاقل الطائفية والمذهبية داخل كل دولة.. وتغليب سياسة وجود دولة داخل كل دولة للتحكم في مستقبل المنطقة وتسيير أمورها وفقا لحساباتهم الخاصة.. وهي حسابات بالغة الخطورة على أمن واستقرار المنطقة..
وعندما تلتقي المملكة وفرنسا في هذا الوقت بالذات وتفتحان الملفات الخمسة الساخنة وتتفقان على خطوات عملية في التعاطي مع كل ملف.. فإن البلدين يترجمان سياسة الشراكة الحقيقية وفقا لما تمليه مصالحهما المشتركة وتوجبه سياسة تأمين المنطقة وإعادة الاستقرار إلى ربوعها واستبعاد أي مخططات تهدف إلى التغيير القسري فيها لما في ذلك من إضرار بمصالح جميع الشركاء..
■ خطر داعش على العراق وسوريا والمنطقة
فبالنسبة للملفات الثلاثة، الأول: الوضع في العراق وسوريا وليبيا.. وخطر التنظيمات الإهاربية على المنطقة ومستقبل لبنان الذي تتعرض هويته وسيادته.. ووجوده لأخطار حقيقية.. فإن المملكة وفرنسا تستطيعان عمل الكثير في هذا الشأن ومن ذلك ما يأتي:
أولا:
الاتفاق على أهمية القضاء على كل مهددات الأمن والاستقرار في المنطقة عن طريق:
(1) استخدام القوتين العسكرية والإعلامية لاستئصال جميع التنظيمات الإرهابية من الجذور ليس فقط من خلال وجودها في العراق وسوريا وليبيا واليمن والصومال ونيجيريا فحسب وإنما من خلال مشاريعهم المستقبلية للتمدد على حساب الكيانات السياسية القائمة وفرض نظام وحشي دموي وبربري على مجتمعات المنطقة أيضا.. والعبور فيها إلى كل دول العالم وفي مقدمتها أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.. كما قال خادم الحرمين الشريفين يوم أمس الأول..
(2) الوقوف بقوة في وجه الدول الداعمة لتلك التنظيمات والأحزاب واتخاذ الإجراءات والعقوبات الصارمة تجاهها لمنع أي شكل من أشكال الدعم والتبني لها وإمدادها بالسلاح وبالمال وبالغطاء السياسي لتبرير وجودها واستمرارها..
(3) توفير الدعم الكامل لمؤسسات الدولة الجديدة في العراق (رئاسة الجمهورية /رئاسة الوزراء/ البرلمان) على المستويات العسكرية والمالية والاقتصادية لتمكينها من جعل الأوضاع المستقرة في البلاد على ما يجب أن تكون عليه. بدءا بتمكينهم من تشكيل حكومة وفاق وطني.. وانتهاء بالمحافظة على وحدة العراق ضد أي شكل من أشكال التجزئة والتقسيم وضمان تكاتف أبنائه على أسس وطنية بحتة بعيدا عن المذهبية والعنصرية والكتلوية التي لا تخدم العراق الموحد والقوي.
وكذلك تقديم الدعم العسكري والمالي الكافي للمعارضة السورية المعتدلة لتمكينها من تحقيق إرادة الأغلبية السورية التي انتُهكت حقوقها المشروعة في ظل استمرار نظام دموي ومستبد.
وفي هذا الشأن.. فإن البلدين سيجدان نفسيهما مطالبين بمناقشة السياسات التي اتسمت بالضعف في التعاطي مع الحالة السورية مما أدى إلى تشجيع الأسد على التجديد لفترة إضافية من جهة.. وإلى دخول حزب الله إلى سوريا ووقوفه إلى جانب النظام وضد إرادة الشعب السوري من جهة ثانية.. وكذلك إلى التمكين للتنظيمات الإرهابية (داعش والنصرة وغيرهما) من توسيع أنشطتها في أرجاء المنطقة.. كما هو مخطط لها..
أما بالنسبة للوضع الليبي.. فإن البلدين يستطيعان العمل على إعادة بناء ليبيا قوية من خلال مباركة الجهود الدولية الرامية إلى ضرب الإرهاب والعنف والتطرف في المنطقة وفي ليبيا على وجه الخصوص.. وتعزيز قدرة الدولة بمؤسساتها التشريعية والقضائية والتنفيذية على أن تستكمل تشكيلاتها بعد انتخاب برلمان وطني جديد.. وتهيؤ البلاد لاستقبال حكومة وطنية جديدة ودعمها بمختلف أنواع الدعم لتمكينها من الوقوف بوجه القوى الظلامية هناك وجمع الأسلحة من الجميع وتشكيل قوة دفاع وطني موحدة.. وذلك كله مرهون بإيقاف كل أشكال التدفق للسلاح والأموال على ليبيا من الخارج وتحديدا من قبل بعض دول الإقليم التي تناصر المنظمات الإرهابية المتشددة وتثير القلاقل في أرجاء البلاد وسواها..
ونفس الشيء تستطيع الدولتان عمله مع اليمن لتعزيز سلطة الدولة والوقوف بوجه الإرهاب الذي يتهدد أمنه وسلامته.. وبما يعيد إلى اليمن تآلفه وتوحده وتكاتف أبنائه.. وهي الجهود التي تقوم بها المملكة العربية السعودية منفردة ودول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة.. ولكنه يحتاج إلى دعم دولي إضافي يساعد على طرد كل الغرباء منه.. ويعيد إليه هدوءه واستقراره ولحمة شعبه.
ثانيا:
توفير الدعم الكافي للشعوب العربية التي غادرت أوطانها وتشردت في كل مكان.. وأخذت تشكل بهجراتها الكثيفة أعباء ثقالا على دول الجوار.
فقد تجاوز عدد السوريين النازحين (3) ملايين فرد حتى الآن.. وتحمل الأردن ولبنان نتائج هذه الهجرات بكل ما ترتب عليها من أعباء مالية.. وإنسانية.. وبكل ما قد يسفر عنها من اختلالات أمنية وسكانية كبيرة في المستقبل.
وفي هذا الصدد فإن البلدين يستطيعان بفعل جهود الدول المانحة من أصدقاء سوريا واليمن ولبنان والعراق لمضاعفة المساعي الرامية إلى زيادة مساعداتها الإنسانية وخدماتها الطبية والرعائية لهذه الشعوب وللدول التي تحملت أعباء هجراتها إليها بأعداد تفوق قدراتها المالية والأمنية والاجتماعية بكل المقاييس.
■ مستقبل لبنان في خطر
أما بالنسبة للوضع في لبنان.. فإنه ومن الناحية التاريخية فإن المملكة وفرنسا توليان لبنان اهتماما خاصا يفوق اهتمام اي دولة أخرى بالشأن اللبناني وذلك يشكل قاسما مشتركا اعظم بين البلدين..
وكما هو معروف.. فإن مشكلة لبنان الأولى والأبرز هي «حزب الله» فهو دولة داخل الدولة اللبنانية .. ليس هذا فحسب بل إن خروجه من لبنان إلى سوريا رغم إرادة الدولة اللبنانية التي اختارت سياسة النأي بالنفس عن الانغماس في الشأن السوري.. شكل سابقة خطيرة على حساب إرادة الشعبين السوري واللبناني..
وما يتعرض له لبنان من تهديدات وضغوط وابتزاز يكاد يوصله إلى مرحلة الذوبان والتلاشي في حالة استمرار هذا الوضع بدليل الفراغ الدستوري الذي أعقب خلو منصب رئيس الجمهورية منذ انتهاء فترة رئاسة الرئيس السابق «ميشال سليمان» وحتى الآن.. نتيجة رفض تكتل (8 آذار) الذي يلعب فيه حزب الله دورا رئيسيا بارزا.. لكل الخيارات المطروحة لاختيار شخصية معتدلة وتوافقية.. من جهة.. وكذلك بالتعاون والتضامن مع تنظيمي داعش والنصرة والسماح لهما بالتسلل إلى لبنان والاحتراب مع الجيش اللبناني بهدف إضعافه لحساب حزب الله.. هذا الواقع اللبناني هو الذي جعل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يصدر أوامره بتاريخ 29/12/2013م بدعم الجيش اللبناني بما قيمته (3) مليارات دولار.. لتطوير مستوى تسليحه.. ثم صدور أمره الكريم الثاني بتاريخ 6/8/2014م بصرف (مليار دولار) إضافية لدعم الجيش والأمن اللبنانيين بمواجهة الانتهاكات التي تعرض لها لبنان وسيادة لبنان في الآونة الأخيرة.. وفقا لما أعلنه مؤخرا رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سعد الحريري من جدة وبيروت..
فعلت هذا المملكة لأنها تدرك أن لبنان يتعرض لأخطار حقيقية وأن المسؤولية تحتم تقوية مؤسساته العسكرية والأمنية والاقتصادية.. وأن هذا الدعم يجب أن يوجه بدرجة أساسية لتقوية جيشه وأمنه للدفاع عن سيادته وهويته الوطنية..
وقد اختارت السلطة في لبنان فرنسا بمحض إرادتها لكي تبرم معها اتفاقات التسليح الجديدة ودخل المسؤولون فيه في نقاشات جادة مع الفرنسيين مباشرة..
وبكل تأكيد.. فإن المملكة تدعم وتشجع هذا التعاون بينهما لأن تسليح الجيش اللبناني فرنسي في الأصل بنسبة عالية.. ولأن أهم ما يهمنا هو أن يبقى لبنان حرا.. وقويا.. وتظل السيطرة فيه للدولة اللبنانية وحدها.. لأن لبنان ظل نقطة حضارية متميزة ويجب أن يستمر كذلك إلى أبد الآبدين..
إيران سبب عدم الاستقرار
وفي هذا الملف الخطير.. فإن المملكة وفرنسا متفقتان منذ وقت بعيد على أن سياسات إيران تشكل خطرا حقيقيا على المنطقة بأسرها لأنها ترمي إلى تحقيق هدف رئيسي هو: تسلم قيادة المنطقة والتعامل مع القوى الكبرى في هذا العالم على أنها الطرف الأوحد الذي يتحدث باسم دولها وشعوبها في أي مفاوضات تحت أي حسابات لإعادة رسم خارطة المنطقة حتى وإن جاءت على حساب كياناتها السياسية الحالية وتوحد أراضيها وتلاحم شعوبها.
ولذلك فإن هذه الزيارة تأتي بمثابة تأكيد على الاستمرار في سياسة رفض كل شكل من أشكال التدخل في شؤون دول المنطقة الداخلية.. لأن ما يحدث هو.. أن ايران موجودة في لبنان من خلال حزب الله.. وفي سوريا من خلال استخدامها لهذا الحزب من جهة ولتحالفها الاستراتيجي مع نظام الأسد من جهة ثانية ولمشاركتها في تبني التنظيمات المتطرفة فيه لإقناع العالم بالقبول بنظام الأسد عوضا عن تسليم البلاد لتلك الأطراف الظلامية التي صنعاها معا.. ونجحا في إقناع بعض دول العالم بأن يختار الأسد وظلمه بدلا من اختيار هؤلاء الطغاة الجدد.. وجاء كل ذلك على حساب الشعب السوري وكذلك على حساب المعارضة المعتدلة التي تطالب بحقوقه وتسعى للتخلص من النظام.. لكن المجتمع الدولي خذلها في آخر لحظة..
■ أطراف أخرى تشجع الإهارب
والحقيقة أن إيران ليست هي الطرف الإقليمي الوحيد الذي تجب مواجهته وإيقاف تدخلاته في شؤون المنطقة من ليبيا وحتى اليمن بالإضافة إلى لبنان وسوريا والعراق والصومال..
هذه الأطراف بعضها إقليمي وبعضها دولي وبعضها من داخل هذه الدول.. ومن المصلحة أن يتوقف البلدان عند ذلك طويلا للتفكير وتبادل المعلومات والاتفاق على خطوات عملية جادة لتطبيق أنظمة الأمم المتحدة الرامية إلى تجريم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وذلك بإجبارها على التوقف عن ممارسة هذه السياسة فورا.. وإيقاف المساعدات السرية التي تقدمها للجيوب والأحزاب والتكتلات التي أقامتها داخل كل دولة.. وقيامها بتدريب الكوادر.. واستضافة وتبني التنظيمات المناوئة للدول المستهدفة ورسم الأدوار المطلوبة من تلك الأدوات.. هذه السياسات تعرفها المملكة كما تعرفها فرنسا.. وتملكان الوثائق والمعلومات والحقائق التي تدين تلك الأطراف.. وجاء الوقت الذي توقف فيه عند حدها سواء على مستوى الدول.. أو التحالفات الدولية المقبولة دوليا.
وإيران على وجه التحديد.. تماطل كثيرا في مفاوضاتها مع الدول (5 + 1) حول ترسانتها النووية.. ليس لأنها لا تستطيع الاستغناء عنها والدخول في اتفاقات واضحة المعالم مع هذه الدول ومنها فرنسا.. وإنما لأنها في النهاية تريد أن تقايظ هذه الدول بتقديم ضمانات مقبولة دوليا بعدم استخدامها في أغراض غير سلمية.. مقابل إطلاق يدها في المنطقة وضمان مساهمتها في تنفيذ خارطة الشرق الأوسط الجديد كقوة رئيسية بالمنطقة..
تفعل هذا إيران لأنها تعرف أن هناك دولا كبرى راغبة في تنفيذ هذه الخارطة الجديدة وأنها ترحب بأي طرف يمكن أن يساعدها على تسريع تنفيذها بأقل التكاليف..
كل ذلك تعرفه المملكة كما تعرفه فرنسا.. وتعرفان في الوقت نفسه أن الخليج على وجه التحديد لا يجب أن يكون ساحة مبارزة.. أو محط عروض من أي نوع كان.. لأن في ذلك تلاعبا بمصائر شعوب العالم كله وليس شعوب منطقة الخليج وحدهم.. وإذا سمح لإيران بأن تتمادى أكثر فإن مصالح الغرب وأمريكا هي أول ما سوف يتضرر بهذا التهاون معها.. أو القبول بطروحاتها تلك..
وحتى الدول الأخرى الطامعة في المنطقة أو بالقيام بدور رئيسي وقيادي فيها في المستقبل فإنها لابد أن تدرك أن دول المنطقة وشعوبها لن تقبل بهذا.. ولن تنتظر حتى تعقد صفقات سرية من نوع أو آخر على حسابها..
ولذلك فإن هذا الملف الشائك فوق أنه سيحظى باهتمام كبير.. فإنه سيكون حاسما في تحديد مستقبل علاقات دول المنطقة في المرحلة القادمة مع كافة الأطراف الإقليمية منها والدولية.. وسوف يسمع العالم لا محالة شيئا من ذلك على مدى الأيام القليلة القادمة بعد أن وصلته رسالة خادم الحرمين الشريفين الأخيرة بوضوح وبالذات بعد أن توصلت دول المنطقة إلى قناعة بضرورة عدم التهاون في هذا الأمر أو الانتظار طويلا لأن عنصر الوقت ليس في صالحنا جميعا.. وفرنسا تتفهم ذلك جيدا.. وتدرك أن زيارة كهذه لابد أن تتوصل إلى بلورة رؤية واضحة تجاه هذا الملف الهام.. تمهيدا للتحرك المشترك على مستوى دولي لإغلاقه بصورة كاملة في أقرب وقت ممكن.
■ إسرائيل.. من يحقق طموحاتها؟
وإذا كان هناك ملف أخير ومهم للغاية كما سبقت الإشارة إلى ذلك في بداية هذا التحليل.. فهو ملف الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على غزة وسائر الأراضي الفلسطينية ومماطلتها في التوصل إلى سلام كامل ونهائي وفق حل الدولتين..
هذا الملف يكتسب أهميته من العناصر التالية:
(1) مراهنة إسرائيل على نجاح مخطط الفوضى الخلاقة في المنطقة للإجهاز على دولها وجعل شعوبها في حالة استسلام لما سوف يُفرض عليها في ظل أي تسويات نهائية تتم مع دول المنطقة حول الأوضاع المستقبلية.
(2) استفادتها القصوى من تعدد وتنوع التنظيمات الإرهابية في خلخلة دول المنطقة وشعوبها من الداخل وتكسير عظام أنظمتها - كما تريد وتتمنى وتخطط - لأنها تتحمل عنها تكلفة الحروب المباشرة ولا سيما في البشر والأرواح وإن مولتها وأمدتها بالأسلحة والمعدات والخطط بصورة مباشرة أو من خلال الأعوان الموجودين لها في داخل المنطقة وخارجها ممن تلتقي هذه الرغبة مع أهدافهم وسياساتهم وتطلعاتهم في المنطقة أيضا.
(3) استثمارها لحالة الانقسام الفلسطينية بين منظمة التحرير الفلسطينية وحركة حماس ومن يقف معها من المنظمات الجهادية الأخرى.. للهرب من حل الدولتين وتذرعها بأن الفلسطينيين منقسمون.. وأنهم يتصرفون من موقعهم كسلطتين مستقلتين وبالتالي يصعب التعامل مع طرف وتجاهل الطرف الثاني..
وعندما ظهرت بوادر الاتفاق بين حماس ومنظمة التحرير على تشكيل حكومة وحدة وطنية جن جنون إسرائيل وهيأت الظروف المناسبة لخطف وقتل الإسرائيليين الثلاثة لتمطر وتدمر غزة وتقضي على أكبر عدد ممكن من الأنفاق التي تمدها بالحياة وبالحيوية..
ولولا الضغط الدولي الكبير لما توقفت إسرائيل عن حربها المباشرة مع غزة..
هذا الواقع الإسرائيلي قضى على أي فرص سلام بالمنطقة من جهة.. وسوف يقوي شوكة الإرهاب والعنف بالمنطقة لمواصلة مسلسل تدمير الدول القائمة إذا لم تتحرك دول العالم لاحتوائه فورا..
وبكل تأكيد فإن المملكة لم ولن تقبل باستمرار هذا الوضع.. وبالتالي فإن تحركها على كافة المستويات يحمل في طياته دعوة إلى إنهاء العبث الإسرائيلي عن طريق:
(1) العودة إلى المبادرة العربية (سعودية الأصل) المتفق عليها في قمة بيروت عام (2002م) والعمل على تنفيذها خلال فترة عام واحد.
(2) حمل الدول الأعضاء في مجلس الأمن على إصدار قرار يجرم الحروب والاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين لإعطاء فرصة لعملية سلام جادة ومحددة بسقف زمني معين.
(3) دعم الفلسطينيين في غزة والضفة لإعادة بناء ما هدمته الحرب بجهد دولي مشترك يتم الإعلان عنه والدعوة اليه خلال هذه الزيارة.
■ التعاون وآفاقه الجديدة
تلك هي مجالات التعاون السياسي بين البلدين فما هي آفاق هذا التعاون البيني المباشرة؟
بكل تأكيد.. فإن ظروف المنطقة الأمنية والسياسية من جهة ومتطلبات التنمية المستدامة بالمملكة من جهة ثانية ترشحان فرنسا كلاعب مهم للتجاوب مع احتياجاتنا الرئيسية سواء فيما يتعلق بتحديث وتطوير قدراتنا العسكرية والأمنية البحرية والجوية والبرية.. أو بما يتصل باهتماماتنا الجديدة نحو استخدام الطاقة النووية في الأغراض السلمية أو في تطوير البنى التحتية في مجالات النقل والاتصال وربط مدن المملكة بشبكات حديدية ونقل بري سريع.. أو ما يتصل باستخدامات الطاقة البديلة والمتجددة أيضا.
وقد شهدت الفترة منذ زيارة رئيس الوزراء الفرنسي (فرانسوا هولاند) للمملكة في الخامس والعشرين من شهر صفر في هذا العام الموافق للتاسع والعشرين من شهر سبتمبر من العام الميلادي الماضي وحتى اليوم سلسلة اتصالات وزيارات ومباحثات على كافة المستويات لبلورة مجموعة اتفاقات لمشاريع مشتركة من شأنها أن تعزز أوجه التعاون بين بلدينا بصورة ملحوظة.
ومن المقرر أن يعقب هذه الزيارة اجتماع للجنة السعودية الفرنسية المشتركة في شهر مارس القادم لمتابعة تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في السابق وفي هذه الزيارة..
ذلك أن فرنسا أصبحت أحد أهم الشركاء الرئيسيين للمملكة في الخارج نظرا لتطوير العلاقات بصورة ملحوظة بين بلدينا خلال السنوات الأخيرة وتشعبها وشمولها لكل أوجه التعاون الاستراتيجي بين أي دولتين..
فمواقف الدولتين تجاه مختلف قضايا المنطقة تكاد تكون متطابقة ورؤيتهما للتعامل مها متقاربة جدا..
كما أن مصالح البلدين تتعاظم يوما بعد الآخر.. بدليل مساهمة عدد كبير من الشركات الفرنسية في العديد من المشاريع الحيوية بالمملكة فضلا عن توسيع دوائر التعاون الأمني بين بلدينا عبر سلسلة من الاتفاقات وتبادل المعلومات عبر القنوات المختصة وبصورة بناءة وإيجابية وتخدم كلا الطرفين في الوقت الذي تتطابق فيه رؤيتانا في مكافحة الإرهاب بأشكاله المختلفة.. وسوف تزداد رسوخا مع الأيام لأن هناك مصلحة مشتركة في ذلك للطرفين.
ولعل أفضل وصف لهذه العلاقات هو ما أطلقه الرئيس الفرنسي «هولاند» عند زيارته الأخيرة للمملكة وقال فيه «إن الهدف من التعاون الملحوظ بين البلدين على الأصعدة العسكرية والسياسية والأمنية والاقتصادية هو استقرار المنطقة» وذلك صحيح كل الصحة لأن ترك المنطقة نهبا للمغامرات والتطلعات غير المشروعة من شأنه أن يقود العالم كله إلى كارثة.. وفرنسا بصورة أكثر تحديدا تدرك حجم المملكة العربية السعودية وأهميتها ليس فقط في الخليج والمنطقة العربية وإنما في العالم الإسلامي وفي المجتمع الدولي بشكل عام.. فنحن لم نكن مجرد دولة تملك (25 %) من حجم المخزون البترولي في العالم.. ونمثل مركز الثقل في العالمين العربي والإسلامي من الناحية الثقافية والاقتصادية.. وإنما نحن شركاء حقيقيون للأسرة الدولية في الحد من أزمات العالم الاقتصادية والنقدية بحكم عضويتنا في منظومة الدول العشرين.. وكذلك في مختلف المنظمات والهيئات الدولية.. إضافة إلى ما تتجه إليه الدولة من تطوير أوجه الحياة تحقيقا للتنمية المتوازنة والمستدامة ومضاعفة الإنفاق في هذا الاتجاه وهو ما جعل فرنسا أحد أهم الشركاء لنا في هذا المسار شأنها في ذلك شأن أمريكا والصين وألمانيا وروسيا وبريطانيا وإن اتسعت دوائر التعاون معها الآن لتصبح بمثابة الشريك التجاري الأول لفرنسا في الشرق الأوسط فيما أصبحت فرنسا بمثابة المستثمر الأجنبي الثالث في المملكة كما قال «هولاند» عند زيارته الأخيرة للمملكة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.