أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على عبدالرحمن بن فيصل بن معمر    المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة تبرم عدداً من الاتفاقيات    وقاء الباحة" يبدأ حملة التحصين لأكثر من 350 ألف رأس ماشية ضد مرض الحمى القلاعية لعام 2024م    الفضلي: المملكة تواجه تحدي تدهور الأراضي بمنظور شمولي    أشباح رقمية    وزير الخارجية يلتقي وزير خارجية الجزائر    خادم الحرمين الشريفين يهنئ رئيس جمهورية توغو بمناسبة ذكرى يوم الإستقلال لبلاده.    أمير تبوك يواسي أبناء أحمد الغبان في وفاة والدهم    نائب أمير منطقة مكة المكرمة يستقبل الرئيس التنفيذي لبنك التنمية الاجتماعية    أمير دولة الكويت يصل إلى الرياض    مؤتمر أورام الكبد يختتم فعالياته بالخبر بتوصياتً هامة    برئاسة وزير الخارجية.. «اللجنة الوزارية»: نرفض اجتياح رفح.. يجب وقف تصدير السلاح لإسرائيل    ساعة أغنى رُكاب "تيتانيك" ب1.46 مليون دولار    النصر يؤمن مشاركته في السوبر السعودي    صدور الموافقة السامية علي تكليف الأستاذ الدكتور عبدالله بن عبد العزيز التميم رئيساً لجامعة الأمير سطام    رسمياً.. الزي الوطني إلزامي لموظفي الجهات الحكومية    11قطاعًا بالمملكة يحقق نموًا متصاعدًا خلال الربع الأول ل 2024    السعودية ترسم خارطة جديدة للسياحة الصحية العالمية    محافظ خميس مشيط يدشن مبادرة "حياة" في ثانوية الصديق بالمحافظة    وزير البيئة يفتتح أعمال منتدى المياه السعودي غدًا بالرياض    "واحة الإعلام".. ابتكار لتغطية المناسبات الكبرى    أمطار تؤدي لجريان السيول بعدد من المناطق    لرفع الوعي المجتمعي.. تدشين «أسبوع البيئة» اليوم    وزير الدفاع يرعى تخريج الدفعة (82) حربية    طابة .. قرية تاريخية على فوهة بركان    مركز الملك سلمان يواصل مساعداته الإنسانية.. استمرار الجسر الإغاثي السعودي إلى غزة    وفاة الأمير منصور بن بدر بن سعود بن عبدالعزيز آل سعود    الرياض.. عاصمة الدبلوماسية العالمية    وزير الإعلام ووزير العمل الأرمني يبحثان أوجه التعاون في المجالات الإعلامية    فريق طبي سعودي يتفوق عالمياً في مسار السرطان    برعاية الملك.. وزير التعليم يفتتح مؤتمر «دور الجامعات في تعزيز الانتماء والتعايش»    العرض الإخباري التلفزيوني    وادي الفن    هيئة كبار العلماء تؤكد على الالتزام باستخراج تصريح الحج    كبار العلماء: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    «هندوراس»: إعفاء المواطنين السعوديين من تأشيرة الدخول    مؤتمر دولي للطب المخبري في جدة    أخصائيان يكشفان ل«عكاظ».. عادات تؤدي لاضطراب النوم    وصمة عار حضارية    ألمانيا: «استراتيجية صامتة» للبحث عن طفل توحدي مفقود    الأخضر 18 يخسر مواجهة تركيا بركلات الترجيح    الهلال.. ماذا بعد آسيا؟    حكم و«فار» بين الشك والريبة !    الاتحاد يعاود تدريباته استعداداً لمواجهة الهلال في نصف النهائي بكأس الملك    استقلال دولة فلسطين.. وعضويتها بالأمم المتحدة !    زلزال بقوة 6.1 درجات يضرب جزيرة جاوة الإندونيسية    انطلاق بطولة الروبوت العربية    (911) يتلقى 30 مليون مكالمة عام 2023    تجربة سعودية نوعية    السجن لمسعف في قضية موت رجل أسود في الولايات المتحدة    أمير الرياض يوجه بسرعة رفع نتائج الإجراءات حيال حالات التسمم الغذائي    الأرصاد تنذر مخالفي النظام ولوائحه    التشهير بالمتحرشين والمتحرشات    واشنطن: إرجاء قرار حظر سجائر المنثول    المسلسل    إطلاق برنامج للإرشاد السياحي البيئي بمحميتين ملكيتين    الأمر بالمعروف في الباحة تفعِّل حملة "اعتناء" في الشوارع والميادين العامة    «كبار العلماء» تؤكد ضرورة الإلتزام باستخراج تصاريح الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا «للفوضى» ونعم للاستقرار
نشر في عكاظ يوم 07 - 06 - 2014

تتخذ العلاقات السعودية المصرية (3) مسارات هامة في المرحلة القادمة هي:
المسار الخليجي/المصري
المسار العربي/المصري
المسار الدولي/المصري
لكن الهدف الأبرز والأقوى الذي يجمع هذه المسارات هو: قيادة المنطقة نحو الاستقرار الحقيقي والأمان والدائم تمهيدا للانتقال القوي إلى مرحلة تنموية شاملة يلعب فيها الاقتصاد دورا بارزا ويشارك فيها التحرك السياسي الفعال عاملا أساسيا وهاما.. بمواجهة الإرهاب والتشدد والعنف وما تؤدي إليه من فوضى لها دوافعها وأجنداتها المعروفة.. وما يرتبط بها أو يصاحبها من تدخلات سافرة في الشؤون الداخلية لدولنا كان لها ومازال الأثر الأكبر في تفتيت الأواصر.. وتمزيق المجتمعات.. وتقسيمها على أسس فئوية ومذهبية وعقائدية..
■ طي صفحة الفوضى للأبد
وبكل تأكيد فإن الرؤية المشتركة للبلدين.. المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية.. والتي تبلورت بعد الثلاثين من يونيو الماضي 2013م.. من خلال كلمة خادم الحرمين الشريفين بتاريخ 16/8/2013 والتي جاءت مجسدة لمدى الإدراك لأهمية العمل الموحد في مواجهة طوفان التدمير الذي شهدته المنطقة بصورة منتظمة ومدروسة.. انطلاقا من تونس وانتهاء بالعزيزة مصر العربية.
ورغم انزعاجنا جميعا مما دار ويدور في الساحة العربية لما يسمى ب«الفوضى الخلاقة».. ورغم رفضنا جميع الأعمال التي أدت إلى إلحاق الأضرار بالشعوب والأوطان العربية.. بفعل حالة الفوضى التي أوجدتها حروب أهلية مفتعلة.. إلا أن الأمر اختلف كثيرا عندما أخذت تلك الموجة تطال مصر العربية.. كأكبر قوة على الساحة إثر مجيء الإخوان المسلمين إلى الحكم وممارستهم للسلطة بصورة خاطئة ووضح أن هناك خطة للسيطرة على المنطقة عبر آيدولوجيا تقوم أساسا على إلغاء مبدأ وروح المواطنة والانتماء إلى الأرض وإلى الثقافة المحلية وإلى وحدة المصير بين قوى الأمة.
عندها أدركت المملكة العربية السعودية بحسها الثقافي القائم على الوسطية والتوازن والعدل والانفتاح كما هي مبادئ الإسلام الحنيف.. وكذلك بخبرتها الأمنية المتراكمة في تحليل وتفسير الظواهر الموجودة على الأرض لعملية وضح أنها تهدف إلى تدمير البنية الأساسية لثقافة المجتمعات العربية والإسلامية الأصيلة وإضعاف روابطها الأساسية.. وكذلك بقراءتها الماعنة للتاريخ وأحداثه وتطوراته.
■ إسقاط مصر.. ماذا كان يعني؟
عندها أدركت المملكة أن استهداف مصر.. كان يعني استهداف المصير العربي المشترك.. فإذا سقطت مصر لا سمح الله سقطت بعدها دول مركزية كبرى ثانية وفي مقدمتها المملكة.. باعتبارها القوة الحقيقية التي تتصدر المنظومتين العربية والإسلامية من موقعها الروحي المطلق.
وكان المحسوب لذلك المخطط.. أنه إذا سقطت مصر.. وتعرضت المملكة لهذا المصير (لا سمح الله) فإن الأمة كلها ستنتهي وتتلاشى.. وتدخل المنطقة كلها في حالة ضياع شامل.. يتم بعدها تنفيذ خطة «شرق أوسط جديد» على النحو المرسوم لها.
هذا المخطط المدمر.. تنبهت له المملكة العربية السعودية وأدركت أبعاده في وقت مبكر.. وجاءت اللحظة المناسبة التي تضع يدها في يد الشقيقة الكبرى «مصر العربية» لمنع تحقيقه.
ويومها قال خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في كلمة له:
«ليعلم العالم أجمع بأن المملكة شعبا وحكومة وقفت وتقف اليوم مع أشقائها في مصر ضد الإرهاب والضلال والفتنة، وتجاه كل من يحاول المساس بشؤون مصر الداخلية في عزمها وقوتها -إن شاء الله- وحقها الشرعي لردع كل عابث أو مضلل للبسطاء من الناس من أشقائنا في مصر، وليعلم كل من تدخل في شؤونها الداخلية بأنهم بذلك يوقدون نار الفتنة ويؤيدون الإرهاب الذي يدعون محاربته، آملا منهم أن يعودوا إلى رشدهم قبل فوات الأوان، فمصر الإسلام والعروبة والتاريخ المجيد لن يغيرها قول أو موقف هذا أو ذاك وأنها قادرة بحول الله وقوته على العبور إلى بر الأمان، يومها سيدرك هؤلاء بأنهم أخطأوا يوم لا ينفع الندم».
■ الدعم السعودي المفتوح لخارطة المستقبل
قال هذا الملك عبدالله آنذاك.. وتوالت الأحداث بعد ذلك.. لتؤكد أن رؤية المملكة وتقييمها الصائب للأحداث والتطورات كانت دقيقة.. بدليل أن النتائج في النهاية جاءت كذلك تبعا لما توقعنا وكنا واثقين من حدوثه كل الثقة.
فقد ذهب نظام الإخوان.. وفرض الشعب المصري إرادته في الميادين العامة بالتفافه حول مصيره.. ووضع يده في يد رجل المرحلة عبدالفتاح السيسي ودعم خارطة المستقبل التي رسمها بالتعاون مع قيادات ونخب الأمة المصرية وجاءت الخطوة الأولى بتكليف رئيس المحكمة الدستورية المستشار عدلي منصور.. بتحمل أعباء رئاسة الجمهورية.. وتشكلت خلال العام الماضي وزارتان الأولى برئاسة «حازم الببلاوي» والثانية برئاسة «إبراهيم محلب» وقد أدى كل منهما دوره على الوجه المطلوب.. كما تم تصويت الشعب المصري بأغلبية (98%) على أحدث وأشمل دستور عرفته مصر.. وبلغت الجهود ذروتها بالعمل المضني بين مؤسسات الدولة وسلطاتها المختلفة.. وبتأمين كامل من الجيش والشرطة المصرية.. لإنجاز انتخابات نزيهة وغير مسبوقة وصل معها المشير عبدالفتاح السيسي أخيرا إلى منصب رئيس الجمهورية بحصوله على نسبة ساحقة بلغت (96.91%) وسط ذهول العالم وتسليم كافة الأطراف والقوى التي وقفت منذ البداية بوجه التغيير الإيجابي أو على الأصح.. بوجه الجهود الوطنية المخلصة لإنقاذ مصر أولا ومن ورائها الأمة العربية والمنطقة بالكامل من الانهيار.
وعندما تتم مراسم تسلم السلطة غدا.. بين الرئيس المؤقت «عدلي منصور» الذي أبلى بلاء حسنا خلال عام رئاسته وقدم نموذجا مشرفا لحسن الإدارة لدولة مهددة بالكثير من الأخطار.. وبين رجل قوي بالله.. ومؤمن بوطنه.. ومقاتل عنيد أنقذ مصر من مصير المؤلم الذي أريد لها أن تنتهي إليه هو «عبدالفتاح السيسي».. فإن مصر تكون قد استردت قوتها وهيبتها ومكانتها الإقليمية والدولية.. في الوقت المناسب وفرض الشعب المصري إرادته على الجميع بمن فيهم الدول والهيئات والمنظمات التي اتخذت مواقف سلبية من حركة التغيير البناء لصالح مصر وشعب مصر..
■ خطاب أخوي من القلب
لقد كان الشعب المصري الكبير بإرادته ومواقفه وكذلك كان رجالات الأمة عند حسن ظن الملك عبدالله الذي خاطبهم في التاسع من شهر شوال من العام الماضي 1434ه الموافق للسادس عشر من أغسطس 2013م، قائلا:
«إنني أهيب برجال مصر والأمتين العربية والإسلامية الشرفاء من العلماء وأهل الفكر والوعي والعقل والقلم أن يقفوا وقفة رجل واحد وقلب واحد في وجه كل من يحاول أن يزعزع دولة لها في تاريخ الأمة الإسلامية والعربية مكان الصدارة مع أشقائها من الشرفاء وألا يقفوا صامتين غير آبهين لما يحدث (فالساكت عن الحق شيطان أخرس)».
عندها استجاب الجميع لهذا القول الصادق من ملك إنسان صادق.. يؤمن بالله.. ثم بأمته.. وبأهمية وحدة المصير وترابط قوى الأمة وتلاحمها.. حيث لم تكن مؤسسة الحكم في مصر.. ممثلة في سلطة الرئاسة.. أو في سلطة الجيش وقوى الأمن.. أو في السلطة القضائية الشامخة أو في السلطة التنفيذية.. لم تكن وحدها.. بل وقف خلف هؤلاء جميعا أناس شرفاء من النساء والرجال وحتى الأطفال.. بدءا بالمؤسسة الدينية.. بالأزهر والكنيسة وبرجال العلم والمعرفة والفكر والقلم والإعلام وانتهاء بإنسان الشارع.. وقفة قوية وعظيمة.
كما وقفت المملكة العربية السعودية وشقيقاتها الإمارات العربية المتحدة والكويت والبحرين والأردن.. وقفة مسؤولة وراء شقيقتهم الكبرى.. فكان هذا الثنائي (الدولة المصرية والأشقاء) بمثابة القوة القاهرة لأعداء مصر والأمة.. حتى جاء إلى سدة الحكم اليوم رجل بصير يحمل لمصر الكثير من الخير ويتجه بها إلى المستقبل الأفضل إن شاء الله تعالى..
وفي هذه المرة كانت المملكة العربية السعودية -كما كانت من قبل- عندما وقف الشعب خلف قواته المسلحة مؤيدا للرجل.. لتقول كلمتها بعد لحظات فقط من صدور الإعلان الرسمي بفوز «السيسي» بالرئاسة المصرية.. معززة للنتيجة الانتخابية الباهرة لشعب فاجأ العالم.. فجاءت كلمات الملك عبدالله بن عبدالعزيز المهنئة للرئيس الجديد بمثابة تأكيد جديد على أن المملكة مستمرة في الوقوف معه ودعم شعبه.. بالمزيد من العمل المشترك لتعزيز أمن وسلامة واستقرار وتقدم مصر المستقبل.
■ خطاب عاطفي وأخلاقي حميمي
فقد بدأ الملك رسالته بالقول: «اسمحوا لأخيكم المحب لوطنه الثاني.. الحريص على وحدة شعبه واستقرار أمنه أن يعبر لكم عن مشاعره بكل شفافية تأنف الزيف».
هذه البداية العاطفية جسدت لغة الأخوة بكل أبعادها ومعانيها الإنسانية والأخلاقية وابتعدت بها عن لغة الخطاب البروتوكولي الرسمي الجاف.. لأنها كانت نابعة من القلب مباشرة.. ودالة على أهمية الحدث القصوى في الانتصار على ما أسماه القاصرون في بصرهم عن استشراف المستقبل ب«الفوضى الخلاقة» التي لا تعدو في حقيقة أمرها إلا أن تكون فوضى الضياع والمصير الغامض الذي استهدف ويستهدف مقدرات الشعوب وأمنها واستقرارها.. هذه الفوضى الدخيلة علينا -كما وصفها الملك عبدالله- «قد حان وقت قطافها دون هوادة» وذلك ليس فقط بالفرح والاستبشار بالانتصار وحده.. وإنما بالعمل الدؤوب والمضني منذ اليوم الأول وبالتعاون الشامل مع الدولة المصرية التي سيتولى مسؤولياتها الرجل الذي اختاره الشعب.
بهذا الخطاب العاطفي.. وبالدخول في النتيجة التي أسفر عنها التلاحم بين البلدين.. وبالانتصار الساحق على كافة قوى الشر.. انطلق الملك عبدالله يخاطب أخاه.. رجل مصر الأول خطاب الأخوّة والصداقة.. لشركاء المصير الواحد قائلا:
«توكل على الله في سرك وعلانيتك، إيمانا بأنه لا ناصر لك غيره ولا معين، واستعن بعد ذلك برجالات مصر الأكفاء فالمرحلة القادمة محملة بعظم المسؤولية وتستدعي بالضرورة من كل رجل وامرأة من أشقائنا شعب مصر.. أن يكونوا روحا واحدة وأن يكونوا على قدر من المسؤولية والوعي واليقظة وأن يتحلوا بالصبر، وأن يتحملوا في المرحلة القادمة كل الصعاب والعثرات، ليكونوا عونا لرئيسهم بعد الله».
هذا الخطاب «الأخوي» بكل أبعاده الإنسانية والأخلاقية كان جزءا من ملحمة الصدق والمصارحة والإحساس المتعاظم بالمسؤولية والمناشدة لشعب عزيز علينا جميعا.. بهدف تبصيره بحقيقة المصاعب والعقبات الضخمة التي تواجه بلده.. ودعوته إلى العمل والإنتاج والصبر لأن المسؤولية كبيرة.. والعبء عظيم.. والحمل ثقيل على رئيس أراد الله له واختاره لأن يأتي إلى السلطة في هذا الظرف الصعب.. في بلد تواجهه مشكلات كبيرة إن على المستوى الأمني.. وإن على المستوى الاقتصادي.. وكذلك على المستويات الاجتماعية والثقافية أيضا.
■ ترجمة المواقف إلى أفعال
إن مناشدة الملك عبدالله للشعب المصري بالصبر والتحمل إنما تنطلق من معرفته بحجم تلك الصعاب والتحديات.. وهي مناشدة تعتمد على ثقته بأن هذا الشعب على درجة قصوى من الوعي والإدراك والتحمل بدليل تحديه لكل الصعاب والأخطار ووقوفه بالملايين أمام صناديق الاقتراع على الدستور (أولا) ثم من أجل اختيار الرئيس (ثانيا).
وبكل تأكيد فإنه بإيمان القيادة المصرية الجديدة بالله.. ثم بالشعب وباستحقاقات مصر.. ومن بعد بدعم كل الإخوة والأشقاء.. سوف تتغلب مصر على تلك الأخطار والتحديات سنة بعد أخرى.. لسببين اثنين هما:
أولا: أن لدى الرئيس السيسي (كما نعرف) مشروعا إصلاحيا كبيرا ومتدرجا لإخراج مصر من الوضع الحالي أولا.. ثم بالتفرغ بعد ذلك لإعادة ترتيب الأوضاع الداخلية على كافة الأصعدة.. وبما يقود إلى بناء دولة قوية.. ووطن آمن.. ومجتمع لا مكان فيه للخوف.. أو التشرذم.. أو العوز.
وثانيا: أن المملكة العربية السعودية وشقيقاتها في الخليج وفي الدول العربية الأخرى قد آلت على نفسها أن تقف وراء أشقائها المصريين وتتقاسم معهم الصغيرة والكبيرة.. من أجل قيام دولة مصر القوية.. باعتبارها البوابة الحقيقية إلى مستقبل المنطقة الآمن والمستقر وإلى التنمية وتحقيق المزيد من الرخاء المستحق لشعوبها.
وعندما يتحدث الإخوة والأشقاء حديث القلب للقلب.. وبكل الإخلاص والصفاء فإنهم يختارون على الدوام لغة حميمية صادقة.. كما عبرت عن ذلك رسالة الملك لأخيه الرئيس السيسي عندما قال له:
«اسمحوا لي بأن أذكر نفسي وأخي بأن ميزان الحكم لا يستقيم إلا بضرب هامة الباطل بسيف عماده العدل وصلابة الحق لا ترجح فيه كفة الظلم متى ما استقام واستقر بعروة الله الوثقى، ولنحذر جميعا بطانة السوء فإنها تجمل وجه الظلم القبيح غير آبهة إلا بمصالحها الخاصة، هؤلاء هم أعوان الشيطان وجنده في الأرض»..
وتلك حقائق ومسلمات يتفق عليها الجميع ويتذاكرها أصحاب المصير الواحد والمشترك ويحدثون أنفسهم بها كلما تطلب الأمر ذلك.. وهي نفس المعاني التي تحدث عنها فخامة الرئيس السيسي في خطاباته ولقاءاته وحواراته مع رجال الثقافة والإعلام والأعمال قبل بدء الانتخابات الرئاسية وأكد الجميع أنهم متفقون عليها وحريصون على أن تخلو منها مسيرة مصر في ظل قيادته.
■ اتفاق على الأسس والمبادئ المشتركة
وبنفس الروح.. وبنفس الشعور بالمسؤولية العربية والأخوية المشتركة التي تميز أحاديث الأخوة والأشقاء مضى الملك عبدالله يخاطب أخاه السيسي قائلا:
«أخي الكريم..
ليكن صدرك رحبا فسيحا لتقبل الرأي الآخر مهما كان توجهه وفق حوار وطني مع كل فئة لم تلوث يدها بسفك دماء الأبرياء وترهيب الآمنين، فالحوار متى ما التقى على هدف واحد نبيل وحسنت فيه النوايا فإن النفس لا تأنف منه ولا تكبر عليه».
تلك حقيقة يتفق عليها الجميع.. ويسلم بها الكل.. والرئيس السيسي شخصيا عبر عن ذلك في كلمته إلى الشعب المصري وكذلك إلى الأمة بعد إعلان نتائج الانتخابات.. وجسد بذلك رؤية مشتركة يتشاطرها مع حكيم هذه الأمة.. الملك عبدالله بن عبدالعزيز.. وذلك توجه يتفق بكل تأكيد مع شخصية الرجل وتركيبته الثقافية والإنسانية والأخلاقية.. فهو حاكم مصر.. ورئيس كل المصريين ويهمه أكثر من غيره أن يجمع أبناء الشعب على الخير والمحبة والمصالح الوطنية العليا.. وذلك ما عزز ويعزز ثقة أبناء الأمة فيه وفي رجاحة عقله.. وبعد نظره.. وبالغ حكمته.
وهو ما يجعلنا نثق بأن كل مشكلات مصر في طريقها إلى الحل بمقاييس العدالة والمساواة وحقوق المواطنة الموحدة التي أكد على التمسك بها.. وخطف معها عقولنا وقلوبنا ونال ثقة المصريين به فمنحه شعبه أكثر من (24) مليون مصري أصواتهم بكل ارتياح.. وتهافتت دول العالم عليه وعلى بلده بعد أن نال ثقة الجميع وتقديرهم البالغ له.
■ الدعم السياسي بعد الاقتصادي
ذلك هو الجانب الأخلاقي والانساني والعاطفي في الخطاب الذي انطوى عليه حديث النفس بين الملك والرئيس المصري الجديد.
أما الجانب الآخر الذي ركز عليه الخطاب.. فهو الجانب السياسي المحض.. بكل تفاصيله وجزئياته ودلالاته.
فقد جاء ذلك في عدة صور.. على النحو التالي:
أولا: حاجة مصر «العروبة والإسلام» إلى كل الأشقاء والأصدقاء في هذا العالم أكثر من أي وقت مضى حتى تتمكن من الخروج من نفق المجهول إلى واقع يشد من أزرها وقوتها وصلابتها في كل المجالات.. ودعوته للجميع إلى مؤتمر الأشقاء وأصدقاء مصر للمانحين لمساعدتها في تجاوز أزمتها الاقتصادية.
والملك عبدالله بهذه الدعوة يدفع دول المنطقة والعالم إلى الانتقال بنفس القوة والسرعة والثبات التي انتقلت بها مصر.. للاجتماع فورا وترجمة مواقفهم الإيجابية منها إلى أفعال.. توفيرا للدعم المالي والاقتصادي الكافي والوافي بمتطلبات مصر.. منذ اللحظة الأولى التي يضع فيها الرئيس السيسي لبنة بناء الدولة المصرية القوية ابتداء من يوم غدٍ إن شاء الله تعالى.
ذلك أن مشروع السيسي الكبير لإعادة الأمن إلى بلاده بصورة أساسية.. وبدء عجلة التنمية والإصلاح والإنتاج والتطوير في الدوران من اليوم الأول.. تتطلب ضخا هائلا لأموال ومساعدات ودعوم مختلفة تلبي متطلبات تنفيذ مشروعه المتعدد الوجوه والمراحل والخطوات.
وما صدر من عدد من عواصم المنطقة والعالم من تجاوب مشجع وكبير مع دعوة الملك عبدالله يضاعف الشعور بالتفاؤل بمستقبل مصر الواعد ويمكن مشروع السيسي الإصلاحي المصري الكبير من البدء في التنفيذ لأنه ليس لدى مصر وقيادتها وقت طويل تضيعه بعد اليوم.
يدرك هذا المجتمع الدولي.. وينتظره المصريون منا جميعا ويهيئون أنفسهم للمشاركة فيه بروح جديدة ورؤية عصرية مختلفة.
ولا أظن أنه سيمضي أكثر من أسب عين أو ثلاثة أسابيع من الآن وتحديدا في شهر رمضان المبارك لترتيب مثل هذا اللقاء الذي استعدت له الرياض بكل ما عرف عنها من حرص ومن مبادرات جادة ومن حسن الإعداد لمثل هذه الأعمال المعززة لمسيرة الاستقرار في المنطقة والعالم.
■ الشعب المصري فرض التغيير للمواقف على الغير
ثانيا: تحديد الموقف بوضوح تام من كل دولة أو طرف أو جهة لا تتجاوب مع هذا التوجه وتشارك فيه.
وفي هذا الصدد فإن الملك عبدالله قالها صراحة «إن من يتخاذل اليوم عن تلبية هذا الواجب وهو قادر مقتدر -بفضل من الله- فإنه لا مكان له غدا بيننا إذا ما ألمت به المحن وأحاطت به الأزمات».. وهذا موقف سياسي مكمل للموقف السابق الداعم لمصر اقتصاديا.. وهو موقف ينطلق من تطلع المملكة إلى التغيير الجذري للمواقف السلبية لبعض الدول والأطراف نحو مصر منذ التغيير وحتى انتخاب الرجل القوي السيسي.. فقد حان الوقت لكي تتبدل تلك المواقف.. وقد تبدلت فعلا خلال اليومين الماضيين بدرجات مختلفة.. ويتوقع أن تتغير بصورة جذرية وكبيرة بعد فترة قصيرة من الوقت قد لا تتجاوز (3) أشهر نتيجة للاتصالات الجارية الآن بين الرياض وعواصم العالم المختلفة.. وهي اتصالات نثق بأنها ستؤتي ثمارا حقيقية تعزز موقف السلطة المصرية وتمكنها من تحقيق خططها وبرامجها نحو المستقبل الأفضل وتغيير حياة المصريين بالتدريج إلى ما هو مأمول ومتوقع.
ثالثا: التأكيد على حق مصر.. وكذلك حق جميع دول المنطقة في احترام سيادتها الكاملة بمناشدة الملك عبدالله لكل الأشقاء والأصدقاء (داخل وخارج الإقليم) بالابتعاد والنأي بأنفسهم عن شؤون مصر الداخلية بأي شكل من الأشكال.. لماذا؟!
لأن مصر عانت الشيء الكثير من تلك التدخلات في الفترة السابقة.. وقد حاولت المملكة أن تقف إلى جانب شقيقتها الكبرى لتمنع تلك التدخلات وأن تنقل الصورة الحقيقية للدول الأخرى عن الواقع المعاش فيها.. بعيدا عن التشويه والمزايدة والابتزاز وحملات التضليل والتخويف والتزييف للحقائق.. وجاء الوقت الذي تؤكد فيه المملكة أيضا على أهمية وضرورة توقف تلك التدخلات.. لماذا «لأن المساس بمصر يعد مساسا بالإسلام والعروبة وهو في ذات الوقت مساس بالمملكة العربية السعودية، وهو مبدأ لا نقبل المساومة عليه أو النقاش حوله تحت أي ظرف كان»، كما قال خادم الحرمين الشريفين.. في أقوى وأوضح موقف سياسي لدعم فخامة الرئيس المصري الجديد ولجمهورية مصر العربية الشقيقة.. وضع أمامه هدفا واحدا هو استقرار مصر.. وصولا إلى الاستقرار الشامل في المنطقة.. وداعيا في نفس الوقت إلى إسقاط جميع المخططات «الواهمة» بإحداث تغييرات قسرية في المنطقة لا تتفق مع مصالح شعوبها وتطلعاتها في الأمن وفي التنمية والإصلاح الشامل بإرادة شعوبها المستقلة وضمن استحقاقات الأوطان التي ترسمها لنفسها بنفسها ولا تسمح بأن تملي عليها أطراف أخرى خارجية ما لا تريده ولا تقبل به.
■ أهلا بشركاء العمل من أجل استقرار مصر
هذا الواقع الجديد في المنطقة يشير إلى:
(1) أن هذا الحشد الكبير الذي سوف تشهده القاهرة غدا لتنصيب عبدالفتاح السيسي بحضور قيادات تمثل دولا وأوطانا كبيرة وكثيرة من مختلف أنحاء العالم.. قد فرض واقعا جديدا يجب التعامل معه والإذعان له.. بعد أن فرضه الشعب المصري على الجميع وأملته إرادة التغيير نحو الأفضل.
(2) أن خارطة المستقبل الجديدة التي رسمتها مصر ودعمتها المملكة العربية السعودية بكل قوة.. إلى جانب شقيقاتها الخليجيات.. ستكون مغطاة بكل أشكال الدعم المعلنة وغير المعلنة.. تكريسا للأهداف العليا التي تنشد تحقيقها مصر ونحن إلى جوارها.
(3) أن الارضية السياسية تتهيأ الآن.. بالحشد المتواصل وبالتحرك الواسع للدبلوماسية السعودية خلف مصر لتغيير بوصلة الأحداث من «الفوضى» إلى «الاستقرار» وتجنيب دول المنطقة وشعوبها دفع أثمان أخرى أكثر مما دفعت حتى الآن.. بل وأقل بكثير من أثمان باهضة كان يمكن أن تتحملها الأمة لو سكتنا على تلك المخططات الجهنمية التي وضعت للمنطقة وحددت العام 2015م لإنهاء كل شيء.. وأجهضتها مصر العربية والمملكة العربية السعودية بكل اقتدار.
■ محور قابل للتطوير والتوسع
(4) أن المحور العربي الجديد الذي بدأ بالمملكة ومصر.. وأخذ يتشكل بمشاركة دول خليجية وعربية مؤمنة بنفس الأهداف.. بات مؤهلا بعد اليوم للعب أدوار واسعة وضخمة ليس على مستوى الإقليم وإنما على مستوى العالم.. وهي الأدوار التي ستدفع بالعمل العربي الجديد بقيادة السيسي لمصر.. وبوجود الملك عبدالله بن عبدالعزيز في بلد الهداية والنور والعقلانية والحكمة.. أشواطا بعيدة ليس فقط في تنظيف المنطقة العربية من أشكال الفوضى وتبعاتها وإنما في الانتقال بدولنا وشعوبنا إلى مرحلة الاصطفاف وراء دولتين محوريتين قادرتين بإذنه تعالى على صنع الأمان لكل دول الإقليم.. بإحلال الأمان.. والانتقال إلى مرحلة البناء.. وبسياسة القلوب المفتوحة والعقول المستوعبة لكل من يريدون مشاركتنا السير في هذا الطريق.. وبروح جديدة.. وصفحة بيضاء لا مكان فيها للكراهية أو تصفية الحسابات..
وإذا ظهرت بعد اليوم أي بوادر سلبية.. مغايرة لهذا المسار سواء من داخل الإقليم أو من خارجه.. فإن إرادة الشعوب.. وحكمة القيادات المؤمنة باستحقاقات أوطانها في الأمان.. لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي أعمال غير مسؤولة وعلى أصحابها أن يتحملوا وحدهم تبعات ما يقترفونه.. وإن كنا مطمئنين إلى أن الواقع المصري الجديد كفيل بأن يدفع أولئك إلى مراجعة حساباتهم وعدم تكرار نفس الأخطاء السابقة أو الاستمرار فيها.
■ مغزى الاتصال بين الملك والسيسي
تلك هي صورة المستقبل المصري كما ترسمها ملامح خطة عبدالفتاح السيسي وتشارك في تبنيها المملكة العربية السعودية وشقيقاتها العربيات وكافة دول العالم المحبة للسلام..
وهي صورة أكدتها كلمات السيسي عند تلقيه تهنئة خادم الحرمين الشريفين مساء الخميس الماضي وعبر فيها عن شكره للملك وعن صادق مشاعره النبيلة والكريمة ومواقفه التي لن تنساها مصر وشعبها.. وجسدها رد الملك عبدالله «بأن هذا واجب يمليه علينا ديننا وأخلاقنا ومصير بلدينا المشترك».. لأنه ليس بعد هذا أي حديث أو تعليق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.