حين يفوز أي شخص طبيعي بجائزة ثقافية فذلك اعتراف وتكريم من الجهة الطبيعية أو الاعتبارية التي تمنحه اياها لإضافة مميزة أو جملة إضافات للثقافة التي هي أصل الحضارة ومعيار رفعة الأمم، ولكن حين يفوز زعيم أو قائد أمة بنفس الجائزة تأخذ المسألة أبعادا أخرى لأن الجائزة هنا تعني الاعتراف بإنجازات ثقافية تنعكس ايجابا على قطاعات كبيرة من الناس وتستحق التكريم. وفوز خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله بجائزة شخصية العام الثقافية للعام 2014م، التي تمنحها جائزة الشيخ زايد للكتاب هو اعتراف بإنجازاته الثقافية التي تجاوزت شخصه الكريم إلى انجازاته الثقافية التي انعكست على ابناء شعبه جميعا. أو ليس هو من نسف المفاهيم الثقافية البالية التي عطلت نصف المجتمع السعودي من القيام بدوره الإنساني والاجتماعي على مدى أجيال وعقود وذلك بإصداره للمراسيم والأوامر والأنظمة لصيانة حقوق المرأة في مختلف المجالات، ومنها إعطاؤها الحق بالتقاضي في الأحوال الشخصية أمام المحاكم الشرعية في بلد إقامتها حتى وإن غير خصمها مقر الإقامة ؟ أو ليس هو من فتح الآفاق أمامها وأصدر التشريعات الحمائية والمنظمة لمشاركتها في ما يتناسب مع طبيعتها من أعمال جارية لتعيل نفسها وأسرتها، أو ليس هو من أتاح للمرأة أيضا فرصة المشاركة لأول مرة في مجلس الشورى فيما اعتبر في الأوساط الدولية تطورا نوعيا استثنائيا في مجتمع كان يعتبر صوتها عورة حتى عهد قريب ؟ أما على المستوى المؤسساتي للحواضن الثقافية فتأتي زيادة عدد الجامعات الحكومية من 7 في بداية عهده بالحكم إلى 28 جامعة كانت آخرها ثلاثا صدر الأمر بها منذ عدة أيام، ناهيك، عن التوسع في منح الرخص لإنشاء الجامعات والكليات والمدارس الأهلية العالمية التي يدرس بعضها بلغات أجنبية. ولم يكتف خادم الحرمين الشريفين بذلك بل أسس برنامجا خاصا للابتعاث الخارجي لمختلف دول العالم استفاد منه حتى الان ما لا يقل عن 250 ألف طالب وطالبة لتوسيع آفاقهم وتنمية الإحساس بالكون واتساعه واختلافاته ولتقبل الاخرين والاستفادة من علومهم في بناء النفس والوطن على قاعدة ثقافية متنوعة صلبة بعيدة عن التعصب والنظرة المتشككة الضيقة للأمور الجديدة وللأشخاص الغرباء. ولقد عزز خادم الحرمين الشريفين انفتاح عهده ثقافيا على العالم باعتماد الحوار كمنهج وأسلوب للتوصل إلى حلول وتوافق وانسجام مع الآخرين من خلال مراكز متخصصة على مستويين، أحدهما محلي لإشاعة ثقافة الحوار وتجاوز التعصب الفكري والمناطقي وكل ما من شأنه أن يوجد شرخا أو يعمق خلافا بين المواطنين، والآخر عالمي لإيجاد قاعدة مشتركة للتفاهم بين الأديان والثقافات ولإعادة تصحيح المفاهيم والتركيز على نواحي الالتقاء والتطابق في بعض الأحيان، وتنقية الدين الإسلامي مما علق به من شوائب وتهم ظالمة أسهمت في تشويه صورته وخوفت الآخرين من مجرد الحديث عنه ناهيك عن تقبله أو قبوله. وفي هذا السياق لا يمكن للعين أو للفكر الناقد تجاوز جهود خادم الحرمين الشريفين في التركيز على توحيد مرجعية الدين الإسلامي والحد من فوضى الفتاوى التي فرقت الأمة وذهبت بها كل مذهب على مدى عقود، فكان حصر الفتوى المحلية العامة بهيئة كبار العلماء، والفتوى على مستوى العالم الإسلامي بمجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة، وتعزيز دور الجامع الأزهر وعلمائه في مصر مع اعلان بعض التنظيمات التي حاولت اختطاف الإسلام وتسخيره مطية لتحقيق مارب سياسية بعيدة عن الدين تنظيمات إرهابية مخالفة بعضا من هذه الجهود المشكورة التي حظيت بالارتياح والقبول في العالم الإسلامي الذي عانى الأمرين من الفرقة والتحريض. ويتوج هذا التوجه الواضح لخادم الحرمين الشريفين نحو التنوع الثقافي تأسيسه لجائزة خادم الحرمين الشريفين العالمية للترجمة بهدف مد جسور التواصل الثقافي بين الشعوب، وتفعيل الاتصال المعرفي بين الحضارات. وتبرز قيمة حصول خادم الحرمين الشريفين على جائزة الشيخ زايد للكتاب باعتبارها درة في عقد تزيد حباته على 20 جائزة عالمية باعتبارها من أبرز الجوائز العربية التي تحمل اسم حكيم العرب ومؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة الحديثة التي تخطو الآن على دروب الحضارة والتنمية خطوات لم يشهد لها التاريخ الحديث مثيلا. ومن الدرر الأخرى في هذا العقد الثمين والمشرف من الجوائز والأوسمة الثقافية التي عبر فيها العالم عن تقديره واعترافه وعرفانه بالتأثير الثقافي العالمي لخادم الحرمين الشريفين نجد جائزة اليونسكو التي أتت كاعتراف من أكبر منظمة إنسانية في العالم بدوره في تعزيز ثقافة الحوار والسلام العالميين، ومنها تصدره لعدد من قوائم مجلات الرأي العالمية والعربية لأكثر الزعماء تأثيرا في العالم. ونحن كمواطنين حين نحتفل بحصول خادم الحرمين الشريفين على أي تقدير عربي أو عالمي لجهوده في مجال الثقافة أو التنمية أو في أي مجال آخر، إنما نحن نحتفل في الحقيقة بالزعيم الذي قادنا وما زال على دروب التنمية والحضارة بسلام وأمان في مرحلة من أدق المراحل في التاريخ الحديث، كما نحتفل باستقرار بلادنا والاطمئنان على سلامة توجهات قادتها باعتراف المراقبين العالميين وتقديرهم لإنجازاتنا مقارنة بغيرنا من الأمم، فإلى الأمام يا بلادنا يا خير بلاد وإلى الأمام يا قائدنا يا خير قائد لتحقيق المزيد من الإنجازات والأخذ بأسباب الرخاء والتقدم لشعبكم المحب الكريم.