** لم نعد بحاجة للمزيد من تأكيدات الحياة على أنها لن تكون أبدا رحيمة بنا. وأنها متمادية وممعنة في شراسة مفاجآتها. لا تمهلنا حتى بهدنة قصيرة تفصل بين صدمة وأخرى كي نرمم بعض الدمار. وأقسى ما تصدمنا به عندما تخاتلنا وتتخير الذين نستعين بهم على احتمالها. ترتب جدولهم ثم تصطادهم واحدا تلو الآخر، وليس بأيدينا شيء سوى الحزن على الورد الذي يتناقص، والقناديل التي تذوي، وكأنها لا تريد أن يبقى في الحديقة غير الشوك والعتمة. يتساقط الجميلون وهم في أوج الجمال. نتركهم ذات لحظة وضحكاتهم تؤكد موعد اللقاء القادم، فإما لا نراهم أبدا أو نراهم وقد باغتهم التعب الثقيل على أرواحهم الرقيقة الشفافة، فنتعب أكثر منهم. ** ودعتك يا أبا بدر آخر مرة، وأنت كما أنت، ساخرا بالحياة ومفارقاتها وتناقضاتها التي لم نعد قادرين على استيعابها، وأيضا كما أنت بإصرارك المستمر على مناورتها لاقتناص لحظة فرح شاردة منها. أتذكر جيدا تلك اللحظة وأنت توصيني بعدم الاكتراث بأشياء كثيرة أو تحميلها أكثر مما تستحق، لأنه «ما فيه سيستم» من الأساس، حسب نظريتك. كنا على موعد قريب، لكنني قبل لحظات فقدت الإحساس بكل الأشياء حولي عندما عرفت أن المرض داهمك وأثقل عليك. لا أستطيع أبدا أن أتخيلك مغلوبا في مواجهة، فكيف إذا عرفت أنها حدثت وبهذه السرعة. ** أعرف أنك تختزن كما هائلا من مرارة التعب المتراكم، لكنك كنت قادرا على تحييده لتكون دائما أيقونة الفرح والغناء العذب. تعب الناس الذين اخترت أن تكون صوتهم هو الذي لم تكن قادرا على تحييده. الناس الذين شرخ أرواحهم البحث عن أبسط ما يليق بحياة البشر هم القضية التي لم تفكر يوما بأي تنازل عنها أو خيانة لها؛ لأنك تعرف أن «رزقك على الله» مهما واجهت وعانيت في سبيلها. هؤلاء الناس هم الذين ستعينك دعواتهم على تجاوز المحنة المؤقتة إن شاء الله. ** أخي ثامر.. لا يليق بفارس مثلك أن يستسلم. ربما شاء الله أن يمتحن مزيدا من صبرك ولكن بطريقة أخرى، إنه رحمن رحيم، سيعينك بحوله وقوته على النهوض لتعود كما كنت. ذلك الإنسان الذي يعشق مقارعة الحياة من أجل الآخرين. وذلك الإنسان الذي لن يجد أصدقاؤه نسخة مكررة رائعة تشبهه. [email protected]