بقدر ما نتطلع إلى المستقبل برؤية وأمل، وبقدر ما نفخر بالحاضر علينا أن نستمر في تجويد العمل وفي الوقت ذاته يجب علينا أن لا ننسى أجيالا سبقتنا أحسنت التخطيط وسابقت الزمن. فلو عدنا بعجلة الزمن ثمانين عاما مضت لوجدنا أن القاسم المشترك هم أولئك الرجال بهمة أذابت الصخر وتوغلت في الصحاري والقفار بحثا عن أصل ومنابع تلكم الشجرة التى أصبحت عصب الحياة وأكبر صانع – بفضل الله سبحانه – لواحات المدنية والرفاهية في كل مكان. لم تكن مصادفة أن تكون نفس تلك الأرض والتي تزينت بواحات النخيل الخضراء على مر العصور ها هي تجود منذ عشرات السنين – بأمر ربها – بشجرة الزيت وثمارها المتعددة من غاز ومنتجات مكررة وكيميائيات. وكما حافظنا على النخلة بالحب والرعاية وحميناها – بفضل الله – من الاندثار ، يجب أن نشعر بالفخر ونحن نرى شجرة الزيت بظلالها الوارفة تجلب الخير وتساهم في صناعة الإنسان والإزدهار في أنحاء بلادنا والعالم وتضئ ثمارها المعامل والمدارس لتكوين أجيال مؤهلة وتضئ أرجاء الكون. إن هذه الشجرة هي جزء من استراتيجيتنا ومعرفتنا وثقافتنا ليس في مجال المال والأعمال والبناء فقط ولكن في مجالاتنا الثقافية والمجتمعية والصحية والسلامة. وبكل فخر وقفت – ولاتزال - أرامكو السعودية كل تلك العقود حارسا أمينا ومطورا موثوقا ومستثمرا حاذقا وراعيا مبتكرا للعقول وشريكا في بناء التفوق والتميز في كل أرجاء الوطن. وستبقى الآمال معقودة – بعد الله - في أجيالنا الشابة وهي تواصل التحصيل والعمل والنجاح على كل المستويات، ألم تروهم وقد صنعوا سفينتهم وكتبوا على أشرعتها أسئلة وإجابات. قالوا «لِمَ لا؟» فانطلق بهم الخيال ليحولوا المستحيل إلى ممكن.. وقالوا «وَلِمَ لا نحن؟» فقدموا لنا العزيمة والالتزام كعقدٍ مع الجميع لمواجهة التحديات المستقبلية بإذن الله. وقالوا «ولماذا ليس الآن؟» فاستحوذوا على سر الوقود والطاقة للانطلاق.. وقبل الختام – أقول إنها سنة الحياة، وكما كنت أردد في مناسبات كثيرة «إذا كنت في أمرٍ فكن فيه محسنا، فعما قليل أنت ماضٍ وتاركه»، وكما خرج الكثيرون للتقاعد ولم يتوقفوا بعون الله، اليوم أغادر معملي متخرجا من جامعةٍ طيبة الأرومة وكم تمنيت أن تصحبني والدتي – رحمها الله تعالى – في هذا اليوم لاحتفل معها بتخرجي كما فعلت معي في كل مراحلي الدراسية والعملية السابقة. نعم .. اليوم يصادف يوم تاريخ ولادتي بالتقويم الهجري، وشاء الله أن يكون هو يوم تقاعدي المبكر. لقد عشت متيقظا بحلمٍ جميلٍ - متنقلا في العديد من مواقع هذه الشركة العملاقة ومستلهما من كل من كانوا حولي أفضل الدروس ومن ثقافتها وبيئتها أفضل الممارسات العملية والقيادية - شاركني في كل تلك الرحلة الماتعة الكثير من الناجحين ولو كتبت عنهم سيقصر الشكر والتقدير، وسأبقى فخورا بهم وبدعمهم وقبل ذلك بحبهم وتقديرهم وإنجازاتهم. وأفخر بالخصوص بكل أولئك الشباب الذين عاهدونا على التفوق والمحافظة على أرومتنا وأرومتهم وأرومتكم وأرومة الجميع «أرامكو السعودية» لتبقى في المراتب العليا بإذن الله. اليوم خرجت من أرامكو ولكن أرامكو لم تخرج مني.