سفارة المملكة في قرغيزستان تحذر المواطنين بأخذ الحيطة والحذر والابتعاد عن أماكن التجمعات    دراسة: الشركات الألمانية لا تسوق للسيارات الكهربائية بشكل جيد    توطين تقنية "الجينوم السعودي" ب 140 باحث سعودي    بسبب الجوال.. صدمة كهربائية كادت أن تودي بحياة مراهق أمريكي    سان جيرمان يسعى لفوز شرفي لتوديع مبابي    «المركزي الروسي» يرفع الدولار ويخفض اليورو واليوان أمام الروبل    استمرار هطول أمطار على جازان وعسير والباحة ومكة والمدينة    نيفيز: الهلال لا يستسلم أبدًا    تيليس: ركلة جزاء الهلال مشكوك في صحتها    "تيك توك" تزيد مدة الفيديو لساعة كاملة    آلية الإبلاغ عن الاحتيال المالي عبر "أبشر"    الحج تحذر: تأشيرة العمرة لا تصلح لأداء الحج    "الذكاء" ينقل مبادرة طريق مكة إلى عالم الرقمية    جيرارد: فخور بلاعبي الاتفاق    السمنة والسكر يزيدان اعتلال الصحة    مهارة اللغة الإنجليزية تزيد الرواتب 90 %    الهلال يتعادل مع النصر في الوقت القاتل في دوري روشن    رئيس جمهورية موريتانيا يغادر جدة    رقم جديد للهلال بعد التعادل مع النصر    موعد والقناة الناقلة لمباراة الأهلي والترجي اليوم في نهائي دوري أبطال إفريقيا    ضمك يتعادل مع الفيحاء إيجابياً في دوري روشن    العلماء يعثرون على الكوكب "المحروق"    «الدفاع المدني» محذراً: ابتعدوا عن أماكن تجمُّع السيول والمستنقعات المائية والأودية    المنتخب السعودي للعلوم والهندسة يحصد 27 جائزة في «آيسف 2024»    الصين تستعرض جيش "الكلاب الآلية" القاتلة    الأمير سلمان بن سلطان يرعى حفل تخرج طلاب وطالبات البرامج الصحية بتجمع المدينة المنورة الصحي    مستقبلا.. البشر قد يدخلون في علاقات "عميقة" مع الروبوتات    طريقة عمل مافن كب البسبوسة    طريقة عمل زبدة القريدس بالأعشاب    طريقة عمل وربات البقلاوة بحشو الكريمة    تأكيد مصري وأممي على ضرورة توفير الظروف الآمنة لدخول المساعدات الإنسانية من معبر رفح إلى غزة    الأمن العام يطلق خدمة الإبلاغ عن عمليات الاحتيال المالي على البطاقات المصرفية (مدى) عبر منصة "أبشر"    القبض على مقيم ووافد لترويجهما حملات حج وهمية بغرض النصب في مكة المكرمة    ولي العهد في المنطقة الشرقية.. تلاحم بين القيادة والشعب    تدشين أول مهرجان "للماعز الدهم" في المملكة بمنطقة عسير    «هيئة النقل» تعلن رفع مستوى الجاهزية لخدمات نقل الحجاج بالحافلات    السالم يلتقي رواد صناعة إعادة التدوير في العالم    «تعليم جدة» يتوج الطلبة الفائزين والفائزات في مسابقة المهارات الثقافية    المملكة تتسلم رئاسة المؤتمر العام لمنظمة الألكسو حتى 2026    خادم الحرمين الشريفين يصدر أمرًا ملكيًا بترقية 26 قاضيًا بديوان المظالم    الإعلام الخارجي يشيد بمبادرة طريق مكة    ‫ وزير الشؤون الإسلامية يفتتح جامعين في عرعر    النفط يرتفع والذهب يلمع بنهاية الأسبوع    قرضان سعوديان ب150 مليون دولار للمالديف.. لتطوير مطار فيلانا.. والقطاع الصحي    بوتين: هدفنا إقامة «منطقة عازلة» في خاركيف    «الأحوال»: قرار وزاري بفقدان امرأة «لبنانية الأصل» للجنسية السعودية    رئيس الوزراء الإيطالي السابق: ولي العهد السعودي يعزز السلام العالمي    محافظ الزلفي يلتقي مدير عام فرع هيئة الأمر بالمعروف بالرياض    الكليجا والتمر تجذب زوار "آيسف 2024"    جامعة الملك خالد تدفع 11 ألف خريج لسوق العمل        مدير عام مكتب سمو أمير منطقة عسير ينال الدكتوراة    حراك شامل    الشريك الأدبي وتعزيز الهوية    صالح بن غصون.. العِلم والتواضع    العام والخاص.. ذَنْبَك على جنبك    أمير تبوك يرعى حفل جامعة فهد بن سلطان    خادم الحرمين الشريفين يصدر عدداً من الأوامر الملكية.. إعفاءات وتعيينات جديدة في عدد من القطاعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لست محايدا في الكتابة وأستغل شخصيات الرواية في تمرير أفكاري
نشر في عكاظ يوم 18 - 07 - 2013

رأى المبدع والروائي عبده خال أن تسليط الضوء على الرواية أغرى أعدادا كبيرة من الكتاب بمحاولة كتابتها ظنا منهم أن إنتاج عمل واحد كفيل بتحقيق الشهرة، لكن لأن الكتابة على تلك الشاكلة ليست عشقا، فقد توقف الجميع وهجروا كتابتها تماما.
وكشف ل«عكاظ» عن أنه يخطط لأفكار الرواية قبل اختيار الشخصيات، ثم يوزع الأفكار على شخوص الرواية، معتبرا أن الرواية إذا لم تحمل أفكارا تصبح حكاية، وبرر عدم إقدامه على نقل أسرار الكتابة الإبداعية إلى الشباب بأن المجتمع لم ينجح بعد في الوصول إلى ثقافة التلقي من خلال الورش، «عكاظ» ارتادت جانبا من عوالم خال الإبداعية في ثنايا الحوار التالي:
• أبطال رواياتك مثل «لوعة الغاوية» نموذج للإنسان المحبط المكبل بمأساة عجزه.. فهل يكشف ذلك عن حقيقة نظرتك لإنسان هذا العصر؟
كل إنسان في أي مكان وزمان مكبل بشيء ما يختلف باختلاف شخصيته، ولا يمكن القول أن التكبيل مقتصر على الفئات المسحوقة دون الفئات التي تحتل أعلى السلم الاجتماعي، فلكل شخصية قيدها، وبناء على ذلك يتحتم على الروائي فهم طبيعة الشخصية وتحديد أزمتها الداخلية، ومن هذه العقدة الداخلية يحدد نوعية القيد الذي يسيطر على الشخصية التي يستوحيها في الكتابة، وشخصيات «لوعة الغاوية» على سبيل المثال أوقفها فضاؤها الروائي في فترة زمنية محددة، وكانت تعاني قيودا تاريخية عديدة وضمن هذه القيود مارست حركتها، ولكي أخرج من أزمة الرواية إلى أزمة الواقع أعود وأقول لك أن لكل شخصية قيدها الذي يمكن أن تعبر عنه، إما بالأنين، أو بالشكوى، لكن داخل الفضاء الروائي أنت تستبطن هذه الشخصية دون أن تبوح بالقيد وبقدر ضيق القيد يكون الألم.
حركية الحياة
• هل تعتبر إنسان هذا العصر، في إطار ما ذكرت، محبطا لأنه لم يحقق حلمه؟
الإحباط ليس مقتصرا على زمن بعينه أيضا، فالإحباط صاحب الإنسان منذ أن وجد، الحياة في الأصل عبارة عن فخاخ متعددة، كلما أردت أن تخرج من فخ وقعت في فخ آخر، وبهذه الصياغة الحياتية إذا أرجعتها إلى الدين يقول لك القرآن الكريم إن الإنسان خلق في كبد، فالحياة في طبيعتها مكابدة، وبالتالي فالإحباط أو الحزن أو الفرح أو السعادة ليس مقتصرا على زمن محدد دون زمن آخر، لكن مع حركية الزمن وحركية الحياة تتولد قيود إضافية، تتولد حياة أكثر صعوبة في البحث عن الاكتفاء الذاتي، تداخل وتشابك الحياة أوجد طبقيتها، ومن هذه الطبقية أصبح هناك المستفيد والمستفاد منه، وجل الناس تقع في طبقة غير قادرة على الحصول على حقوقها، وبالتالي ينشأ الإحباط الذي تخضع له شرائح متعددة، وباختصار عدم قدرة الإنسان على الحصول على ما يكفيه يصيبه بالإحباط، إضافة لذلك فالإحباط ليس مقترنا دائما بالطبقية، بل بالحرمان، فالفرد في الطبقات العليا قد يحرم من شيء كأن يحرم من تقلد منصب ما فيصاب نتيجة لذلك بالإحباط.
• في رواية «ترمي بشرر» اختلالات الواقع الاجتماعي تجتاز فضاء الواقع إلى مجال الذات الإنسانية معبرة عن طغيان المادي على الروحي، فلماذا أضحى المال في رأيك رمزا لهذه الاختلالات؟
السؤال يفترض أن الرواية تجاوزت حقيقة الواقع، في حين أن الواقع يتجاوز المتخيل في الرواية بكثير، أما بالنسبة للشق الثاني من السؤال، فليس بخافٍ عليك أن المال هو صانع الطبقات، والمال هو صانع الفجوات بين أفراد المجتمع، وهو مصدر للنزاعات ومصدر لتحقيق الرغبات أو عدم تحقيقها أيضا، وبناء على ذلك فالمال بالصيغ التي نعيشها ما لم يحقق رغبات الإنسان فهو يسعى إلى الحصول عليه إما بطرق مشروعة أو غير مشروعة، وعندما يبحث المجتمع برمته عن المال تقع الكارثة؛ لأن المجتمع في هذه الحال يريد الانتقال من التنوع والفوارق إلى التساوي والوحدة، وهذا لا يحدث أبدا في أي مجتمع من المجتمعات، فالتساوي في سلم اجتماعي واحد لا بد أن يؤدي إلى السقوط، وهذه هي التيمة الأساسية لرواية «ترمي بشرر»، التي تشير إلى أننا جميعا ساقطون بنسب متفاوتة، وأن لكل منا سقطته التي لا يعرف مستواها إلا هو، إذن فكرة تحول المجتمع كله إلى التمتع بالثراء هي التي تؤدي إلى تساقط المجتمع في الخيانة وارتكاب جميع التجاوزات التي تؤدي إلى ذلك السقوط.
المنتج الأسطوري
• أجمع النقاد على انحيازك لشرائح المعدمين، غير أنك في تعريفك للمهمش ذكرت أنه «الشخص الذي لا يستطيع التعبير عن نفسه في المجتمع بعيدا عن العلاقة بالسلطة أو الثراء».. ألا ترى أن هذه الرؤية تنتقد عجز المهمش بدلا من التعاطف مع مأساته وتتناقض مع خطابك الإبداعي؟
جرت العادة على إطلاق صفة التهميش على الطبقة المسحوقة، لكن عندما تبتعد عن حصر دلالة المصطلح في هذه الجزئية ستكتشف أن كل من لا يستطيع التعبير عن ذاته يعد مهمشا، ومن هنا فأنت لا تدافع عن الإنسان في طبقة دون سواها، وإنما أنت تدافع عن الإنسان في شروطه الإنسانية في الإطار الكامل لمفهوم الإنسانية، وبهذه النظرة لا يجب أن تكون عنصريا بانتمائك لطبقة مسحوقة بالمفهوم العام، ولكن أن تنتمي إلى كل إنسان يقع عليه ضرر إنسان آخر، فأي موقع من المواقع سواء أكان طبقته الدنيا أو طبقته العليا، فأنت مع نصرة الإنسان، وكما قلت لك هناك أمور كثيرة ومتعددة يحرم الثري منها رغم تمتعه بالثراء، لكن هذا الثري قد يكون تعيسا أو محبطا أو مهمشا في طبقته، وأنت عندما تكتب عنه في رواية تضعه داخل السلم الاجتماعي لطبقته وتعرضه من واقع تهميشه في طبقته، وبالتالي على الروائي أن يتحلى بالاتساع لأن الكتابة احتواء واتساع، فإن لم تستطع تحقيق هذا الاتساع الشامل للإنسان تصبح عنصريا أثناء الكتابة، في حين أنك مطالب أن تنتصر للحق، فهل الحق فقط مع الطبقة الدنيا، أم أنه يتحرك بفعل حركية طبقية المجتمع، وبناء على ذلك، كما يوجد مهمشون في القاع يوجد مهمشون في أعلى السلم الاجتماعي.
• الواقع السردي للعديد من قصص مجموعتك «الأوغاد يضحكون» ينتصر لمنطق الخرافة، أيعود ذلك إلى ولعك بتوظيف مخزون الذاكرة الشعبية، أم التعريض باستمرار الركون إلى الخرافة؟
الأسطورة وردت في بعض قصص تلك المجموعة، لكن دعني لا أقف أمام فكرتك بل أوسعها، فأنا من الناس الذين يؤمنون أننا بقايا أسطورة، أي فعل نحدثه في الوقت الراهن هو ابن حقيقي لأسطورة ما عاشت في زمن ما قبل آلاف السنوات، وما زالت تستمر معنا وما زالت الجينة الأسطورية متمكنة منا تمكنا يؤثر على سلوكياتنا وعلى معتقداتنا، ولهذا ربما تظهر عندما تورد عالما غير واقعي أو متخيلا، لكن إذا تتبعت الفعل أو السلوك أو المادة التي نعيش بها وفي هذا السياق تجد خاتم الأصبع أسطورة، والساعة أسطورة، كل الأشياء منتج أسطوري تحول من شكله القديم إلى شكله الحديث، لكنه في عمقه وفي جوهره هو أسطورة، والأسطورة شبيهة بالرحم الذي لم نستطع أن نخرج منه إلى الآن، وحتى إذا خرجنا منه فستظل المشيمة مرتبطة بيننا وبين هذا الفعل الأسطوري.
• إذا كان للأسطورة كل هذه السطوة كما تقول فمن أنتجها إذن؟
الإنسان هو من أنتج الأسطورة، وهذا الإنسان يسلم تجاربه من جيل إلى جيل آخر اعتقادا منه أنه هو الذي أنتجها بينما الفعل يعود إلى آلاف السنوات، ونحن ننظر إلى الأسطورة بالمفهوم الغربي لكلمة أسطورة، من حيث أنها تناقض الواقع، بينما الأسطورة ذكرت في القرآن تسع مرات، وجميعها يشير إلى ما سطر باليد أو كتب أو ظل محفوظا، الأساطير في القرآن الكريم لا تأتي بمفردها، وإنما ترد بتعبير أساطير الأولين، ونحن كمسلمين نؤمن بكل ما جاء به القرآن، وبناء على ذلك، فالأسطورة حقيقة وليست منافية للواقع، ولكن زمنيتها اخترقت النظام وأحدثت نوعا من المستحيل، نوعا من المعجزة، وهي المعجزة التي أتت لهذا النبي أو ذاك، ولأننا نؤمن بهذه المسألة إيمانا قطعيا أذهب إلى القول بأن كل فعل حدث سيحدث مرة أخرى وفق شرطية زمنيته الجديدة وليس بناء على شرطية زمنيته السابقة، ففي ذاك الزمن كانت معجزة وفي زمن آخر ستحدث كإنتاج فعلي للإنسان من خلال العلم، فحديثك عن الجانب الأسطوري في رواية أو قصة أمر طبيعي بالنسبة لي؛ لأنه من العناصر الثقافية والحياتية المخصبة.
• ما منهجك في توظيف الأسطورة إبداعيا؟
أثناء الكتابة الروائية تتفلت الأشياء وتخرج على شكل كتابي يقوم القارئ بإعادة إنتاجها، وكلما امتلك القارئ وعيا وثقافيا كلما كان قادرا على مقاربة الأبعاد الكامنة في الأسطورة وفهمها فهما أعمق، والبعض يذهب إلى أن التلقي يقتصر على عملية القراءة، في حين أرى أن الأفعال اليومية تمثل مجالا واسعا للتلقي أيضا، وبناء على ذلك عندما يعيد الروائي كتابة هذه الأفعال يقوم بإعادتها إلى الأسطورة.
اختطاف الكاتب
• ما مدى إيمانك بحياد المؤلف تجاه شخوص الرواية في ضوء انتقاد البعض لك باستغلال شخوص رواياتك في تمرير آرائك الخاصة؟
من المهم التأكيد على أن الإنسان كائن غير محايد، وهذا ما أؤمن به، فالإنسان ابن بيئته وابن ثقافته وابن دينه، والمؤثرات الداخلية في تكوين الإنسان لا تجعله محايدا، كما أن شخصيات الفن الكتابي لديها القدرة على اختطاف الكاتب داخل العمل وهو يكتب لقوة حجتها، والمتلقي قد يفسر ذلك تعاطفا من جانب الكاتب مع الشخصيات، والحقيقة أنه ليس تعاطفا وإنما سيطرة للشخصيات على الكاتب، لذلك أردد في أوقات كثيرة بأنه على الروائي أن يكون ديكتاتوريا حيال شخصياته؛ لأن الديكتاتورية أثناء الكتابة تمكن الروائي من السيطرة على هذه الشخوص، وإذا لم يكن الروائي ديكتاتوريا فستتحكم فيه الشخوص وتحوله إلى مايسترو وشخص يعزف بمفرده، ومقدرة الروائي على هذه السيطرة تجعله قادرا على توزيع الأصوات داخل العمل الروائي، مرة أخرى أكرر أن الروائي لا يكون محايدا وحتى الشخصية عندما تتحدث داخل الرواية تتحول من شخصية متخيلة إلى شخصية ذات نفوذ وتبحث عن سلطتها التي تفرض بها المساحة التي تكفيها في العرض.
• لكن إذا أردنا الإجابة عن ما أثاره النقاد مباشرة.. فماذا تقول؟
الكاتب عندما يكتب يتواجد في كل الشخصيات، ويوزع ذاته على الشخصيات كلها، وفي بعض الأوقات تعبر الشخصيات عن الفكرة ونقيضها، والمسألة هي ماذا تفعل عندما تجتمع كل الأفكار، سواء التي تؤمن بها أو التي لا تؤمن بها؟ في أوقات كثيرة قد تقف شخصية ضد قناعاتك وتدفعك إلى تثبيت قناعاتك أو مراجعتها، ومن هذا المنطق أتصور أن الروائي يمارس البناء والهدم في آن واحد، وبالضرورة هو مطالب بتوزيع ذاته على شخصيات الرواية، ولكن لأن الراوية أصوات متعددة تجد الروائي مرة هنا ومرة هناك، وفي آخر الإجابة أقول لك أنت تقصد بشكل محدد الأفكار التي أريد أن أقنع بها غيري من فئات المجتمع، نعم أستغل شخصيات الرواية في تمرير الأفكار التي أؤمن بها لأنني لست محايدا.
الرواية عمل مضنٍ
• ذكرت في تغريدة لك أن «الرواية عمل مضن وليس باستطاعة الروائي الكتابة العجلة»، فما تقاليدك في كتابة الراوية؟ وهل شارفت رواية الهنداوية على الانتهاء؟
الرواية عمل مضنٍ للغاية لأن الروائي يتناول حياة متكاملة، وهذه الحياة المتكاملة مكونة من أفراد وتاريخ وسياسة واقتصاد وعلم نفس وأزياء إلى آخر حقول المعارف الإنسانية تنصهر وتنصب على شكل أقوال وأفعال تصدر عن شخوص الرواية، وهي عمل مضنٍ بالنسبة للروائي لأنه يبحث لكل شخصية عن مسوغات الأفكار التي تتواجد بها داخل الفضاء الروائي، كما تعبر أي شخصية عن ذاتها في الواقع، والرواية عمل مضنٍ لأن الروائي مطالب بأن يقنع المتلقي بهذه الشخصيات التي تتحرك مطالبة أم مانحة، وعلى الروائي أن يجهد نفسه في خلق التواصل بين هذه الشخصيات بما يعطي مشروعية أن يتواجدوا في هذا الفضاء، والرواية عمل مضن أيضا لأن الروائي مطالب بتحقيق التوازن بين شخوص وحالات الرواية حتى لا تتغلب إحداها على الأخرى، عليه أن يمسك بالشخصية من أول سطر إلى آخر سطر في الرواية محافظا على تيمتها الإنسانية، وكل هذه الصعوبات تفرض على من يقدم على كتابة الرواية أن يخلص في حبه لها، وإلا سيجرب أول عمل ويهجر عملية كتابتها بعد ذلك، وهناك شواهد كثيرة في تجارب الكتاب تؤيد ذلك، ولقد أدى تسليط الضوء على الرواية إلى إغراء أعداد كبيرة بكتابتها ظنا منهم أن كتابة عمل واحد كفيل بتحقيق الشهرة، لكن لأن الكتابة على تلك الشاكلة ليست عشقا، فقد توقف الجميع وهجروا كتابتها تماما.
• لكن ما تقاليدك في كتابة الرواية؟
إذا كنت تقصد بالتقاليد التخطيط للرواية، فالتخطيط يكون للفكرة، فعادة ما أعمل على الأفكار قبل اختيار الشخصيات، وأهتم بكيفية توزيع الأفكار على شخوص الرواية، لكن قد يكون لدي حدث بلا أفكار، فأشرع في القراءة عن أزمة شخصية الحدث حتى أحملها بالأفكار الإنسانية وأستطيع التأسيس للرواية، فأنا أؤمن أن الرواية إذا لم تحمل أفكارا تصبح حكاية، بينما فن الرواية الحديث يحتم أن تكون هناك أغوار عميقة تحتوى على كل الحقول المعرفية، وبالتالي فالرواية هي في حقيقتها بحث قبل أن تكون رواية.
• هل شارفت رواية الهنداوية على الانتهاء؟
دائما كانت «الهنداوية» هي المنجم الذي أستمد منه أفكار الأعمال الأخرى، فكلما دخلت لكي أكمل «الهنداوية» أخطف منها فكرة وأمضي، وعلى سبيل المثال «الأيام لا تخبئ أحدا» مأخوذة من الهنداوية و«فسوق»، و«ترمي بشرر» كذلك، وفي آخر دخول لي إلى «الهنداوية» كتبت سطرا واحدا «بنت صغيرة يتحرش بها رجل كبير في السن»، لكني شعرت أن الشخصية لم توافق على الانضمام إلى شخصيات الرواية، واشترطت أن تفصح عن ذاتها في عمل مستقبل، فكانت رواية «لوعة الغاوية».
مشكلة «الهنداوية» أن شخصياتها وأحداثها متعددة، لكن إن شاء الله يكون إصداري القادم هو «الهنداوية» إن لم تطرح شخصية دكتاتورية تصر على الاستقلال برواية أخرى.
السرد القرآني
• لماذا لا تطلع الشباب على أسرار الكتابة الإبداعية من خلال لقاءات أو برامج معدة لذلك؟
هناك نوع من الحساسية الشديدة بين أن يكون الكاتب مبدعا أو غير مبدع، ولأن العالم امتلأ بغير المبدعين تستشعر بحرج شديد من تحويل ما تكتب إلى مادة لجني المال، ومن هنا تنشأ الصعوبة في إقناع ذاتك وإقناع الآخرين بأهمية أن تتحول هذه الأشياء التي تكتبها إلى برامج، الأمر الآخر أننا كمجتمع لم ننجح بعد في الوصول إلى ثقافة التلقي من خلال الورش، كأن تكون هناك ورشة لكتابة القصة أو كتابة الراوية، أو كتابة السيناريو، فما زال العمل عندنا قائما على ثنائية المرسل والمستقبل، وبالنسبة لي لم أستطع الوصول إلى قناعة التحول من باث للأفكار إلى بائع لها.
• أشرت إلى أنك عملت على ورقة قدمتها في دبي عن أساليب السرد في القرآن.. فهل تطلعنا على جانب من تجربتك في اكتشاف سمات أساليب السرد في القرآن؟
المساحة المتاحة لن تمكنني من الإجابة عن هذا السؤال، لكن باختصار الورقة حملت عدة ملاحظات ليست شاملة لكنها تكشف عن أساليب السرد في القرآن، بالنسبة لتعدد الزوايا وكسر الزمن، والحشد للحدث، وتداخل الأصوات، واختلاف الضمائر والنهاية المفتوحة، وفي اعتقادي أن الروائيين العرب والمسلمين لم يستفيدوا إلى الآن من القصص القرآني، ولو أن هناك باحثا سلط الضوء على النص القصصي في القرآن لخرج بنتائج مهمة للغاية.
• ما تأثير تواجدك على مواقع التواصل الاجتماعي على مشروعك الإبداعي؟
دائما ما أدعو المبدعين إلى هجرة مواقع التواصل الاجتماعي وإذا تواجدوا فلا يجب أن يطول ذلك أكثر من نصف ساعة كل يوم أو يومين، فالكاتب لا يستطيع أن يتواجد على هذه المواقع لست ساعات ثم يبدع في الكتابة؛ لأن المبدع مجموعة من اللحظات الانفعالية، ومتى تم بثها من خلال مواقع التواصل فقدها أثناء الكتابة، أما إذا ظلت حبيسة فستولد الإبداع لديه، لهذا يتوجب على كل صاحب مشروع إبداعي أو ثقافي أن يهجر مواقع التواصل الاجتماعي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.