حققت الميزانية السعودية في عامها المنصرم فائضا تاريخيا غير مسبوق بلغ ما يقارب 386 مليار ريال، وصرح وزير المالية السعودي الدكتور إبراهيم العساف، إنه تم تخصيص جزء من فائض هذه الميزانية للنقل العام داخل المدن والباقي للاحتياطي. ولم يكشف العساف تفاصيل أخرى عن القيمة المحددة التي خصصت للنقل العام داخل المدن والأخرى المخصصة للاحتياطيات العامة. ولا نعلم بالتحديد لماذا تم اختيار «النقل» بالتحديد لصرف فائض الميزانية، وكان من الأولى تخصيص الفائض نحو الضروريات وأساسيات دخول آفاق مستقبل أكثر رحابة لهذا البلد المعطاء. وأن يوجه هذا الفائض «التاريخي» نحو قنوات ملموسة تخدم الوطن والمواطن السعودي مباشرة خاصة الفقراء والمحتاجين والعاطلين عن العمل والأرامل والأيتام والمساكين والعوانس والمعاقين وغيرهم من الفئات التي هي في حاجة ماسة. وكذلك تقديم دعم قوي لصندوق التنمية العقاري الذي يقف أمام بابه طوابير من المواطنين المحتاجين للسكن. إضافة إلى زيادة مخصصات مشاريع التعليم والصحة ومشاريع البنية التحتية التي باتت مهترئة في بعض المدن التي لم تعد تقوى على تحمل قليل من «الأمطار». ولا شك أن المال الذي توفر لنا بفضل من الله في مملكتنا الغالية ثم بفضل وحنكة قيادتنا الرشيدة هو «جزء» من معادلة التنمية الكبرى التي تحتاجها الدول وهو حتما ليس «كل شيء» بحد ذاته فهناك عناصر أخرى في نظرية ومعادلة التنمية لابد من توفرها منها اهتمام الوزراء بتنفيذ مشاريع وزاراتهم على أكمل وجه ومحاصرة «الفاسدين» ومراقبة وإدارة الأعمال على أكمل وجه والتخطيط السليم وتقديم المشورة الصحيحة. والدليل على أن المال غير قادر وحده على تنفيذ معادلة الرقي والتنمية هو إعلان بعض الدول المتطورة ميزانياتها التي لا تبتعد كثيرا عن ميزانية بلادنا ومع ذلك لديها بنى تحتية وتنمية بشرية جيدة ويشار لها بإعجاب. لذلك يبقى السؤال المهم: كيف تتمكن بعض الدول من الوصول إلى ما وصلت إليه من نجاحات وإنجازات بميزانية قريبة من ميزانية السعودية؟، وهذا يؤكد أن المال ليس كفيلا وحده بأن يقوم مقام جميع عناصر التنمية، فهناك عناصر في غاية الأهمية لا بد من توفرها، وهناك حتما بعض أمور ومهارات تنقصنا حتى نتقدم بشكل أقوى وأكثر فاعلية على طريق التنمية والنجاح وليس عيبا أن نتعلم ونستفيد من الأخطاء. نبارك لبلادنا الحبيبة أكبر ميزانية وموازنة وفائض في تاريخها، ونتمنى أن نتكاتف جميعا لصناعة تنمية حقيقية وننمي الإنسان والمكان الآن ونضيف على عنصر «المال» بقية العناصر اللازمة لصناعة «التنمية» حتى لا نندم يوما ما على ضياع الفرصة التاريخية لصناعة تنمية حقيقية لبلادنا الغالية. [email protected]