الأمير خالد الفيصل يهنئ خادم الحرمين وولي العهد بحلول عيد الأضحى المبارك    تركي بن محمد: أدام الله على الوطن الازدهار في ظل قيادته الرشيدة    وزير الدفاع يهنئ القيادة بمناسبة عيد الأضحى    أمير الكويت يهنئ الأمير محمد بن سلمان بعيد الأضحى المبارك    القيادة تهنئ رئيس جنوب أفريقيا بإعادة انتخابه مدة رئاسية جديدة    «حرس الحدود» بجازان يحبط تهريب 160 كيلوغراماً من نبات القات    أمراء المناطق والمحافظون يتقدمون المصلين في صلاة عيد الأضحى    إضاءات ومجسمات جمالية تزين المنطقة الشرقية    «الداخلية» : اكتمال عمليات نقل الحجاج في رحلة المشاعر المقدسة بنجاح    معسكرات الخدمة العامة تغرس روح العمل التطوعي في الشباب    كيف تقبل «مبابي» القرار    أمريكا.. توقعات بزيادة استهلاك الكهرباء ومشكلات في النقل بالقطارات    اليويفا يبدأ إجراءات تأديبية ضد ألبانيا بعد اقتحام مشجعيها للملعب أمام إيطاليا    هزة أرضية بقوة 6,3 درجات تضرب جنوب البيرو    وكيل إمارة منطقة الباحة يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك مع جموع المصلين    أمير منطقة تبوك يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك مع جموع المصلين    5.61 ألف تيرابايت استهلاك البيانات يوم عرفة    التجارة: تصعيد أكثر من 36 مليون سلعة تموينية للحجاج في مشعر منى أول أيام عيد الأضحى    الملك: تقبل الله طاعة الحجاج وأدام الأمن لوطننا    قمة سويسرا تدعو إلى الحوار لإنهاء حرب أوكرانيا    سامسونج تكشف عن هواتفها الجديدة في يوليو    السجن والغرامة والترحيل ل18 مخالفًا لأنظمة الحج    ارتفاع عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 37337 شهيداً    "الصحة" توضح كيفية تجنب الإجهاد العضلي في الحج    حجاج بيت الله الحرام يؤدون طواف الإفاضة وسط منظومة خدمات متميزة    الدفاع المدني يدعو ضيوف الرحمن إلى اتباع تعليمات السلامة في قطار المشاعر    وكيل محافظة بيش يتقدم المصلين لأداء صلاة عيد الأضحى المبارك ويستقبل المهنئين    محاولة أخيرة من الاتحاد لضم محمد صلاح..وتحديد البديل    سمو محافظ الخرج يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك مع جموع المصلين    رئيس مجلس الشورى يهنئ القيادة الرشيدة بعيد الأضحى المبارك    الرئيس المصري: لمست في الحج حسن التنظيم والخدمات.. شكرا للملك سلمان وولي العهد    "روبوتات المطاعم " هل تهدد وظائف البشر ؟    أمطار رعدية المرتفعات الجنوبية    عروض مسرحية وفلكلور شعبي في احتفالات الشرقية بعيد الأضحى    الكشافة تواصل جهودها بإرشاد الحجاج التائهين في مشعر عرفات    الذكاء الاصطناعي يتحكم بالقرارات الشرائية لحوالي 80 %    القبض على بلوغر إماراتية بعد تصويرها مقطعا في مكان محظور    اكتشاف النهر المفقود في القطب الجنوبي منذ 34 مليون سنة    بياض الحجيج يكسو جبل الرحمة    «الدرون» العين الثاقبة في المناطق الوعرة    وزير الخارجية يرأس وفد المملكة في قمة (السّلام في أوكرانيا) بمدينة لوتسيرن السويسرية    «الكانفاس» نجمة الموضة النسائية    الأهلي وصفقات الصيف    ... «مت فارغاً»..!    أطول ممشى في العالم من «الرحمة» إلى «منى»    واجهات جدة البحرية ومرافقها العامة جاهزة لعيد الأضحى المبارك    15 خطيباً اعتلوا منبر عرفة.. أكثرهم «آل الشيخ» وآخرهم «المعيقلي»    الصين تنشئ صناديق مؤشرات للاستثمار في الأسهم السعودية    أبرز أمراض العيد وكيف يمكن الوقاية منها    5 مخاطر للأشعة فوق البنفسجية    ابتكار علاج جيني يؤخر الشيخوخة    في هذه الحالة.. ممنوع شرب القهوة    رئيس مصر يزور المتحف الدولي للسيرة النبوية    وزير الإعلام يتفقد مقار منظومة الإعلام بالمشاعر المقدسة    السعودية تتسلم علم استضافة أولمبياد الفيزياء الآسيوي 2025    2000 إعلامي من 150 دولة يتنافسون في الأداء    فيلم "نورة" من مهرجان "كان" إلى صالات السينما السعودية في رابع العيد    صحفيو مكة يشيدون بمضامين ملتقى إعلام الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خليها بيناتنا
نشر في عكاظ يوم 11 - 10 - 2012

هناك أمور يمكن أن تبقى «بيناتنا» زمنا، إن طال أو قصر، تظل تنتظر الوقت المواتي والمكان المناسب حتى تنطلق إلى الفضاء العام، أو ربما تنفجر غصبا عنا من وطأة الكبت والكتمان. لا أريد هنا تفجير قنبلة. صحيح أن ما حدث قبل سنوات شكل صدمة قوية لي حينئذ، ولكن، بعد ذلك بوقت قصير، أدركت أنني كنت أعيش في كوكب من الجمال.
كان ذلك في يومي الأول كمراقبة امتحانات الثانوية العامة.
دخلت الغرفة وشعور التوتر يلازمني. أحسست وأنا واقفة أمام الطلاب كأنني نسيت كل شيء قرأته في الكتيب الذي كان معي، وما تلقيته من إرشاد وتعليمات قبل عدة أيام فقط.
دخلَت مركزة المراقبين الى الغرفة وساعدتني في كتب ما يلزم على اللوح: التاريخ، موضوع الامتحان وما الى ذلك، ثم وزعت دفاتر الامتحان وأوراق الأسئلة.
بدأ الامتحان على وتيرة هادئة، وكان الطلاب في الغرفة معيدين للامتحان، وعددهم خمسة فقط، جلسوا يتصفحون ورقة الأسئلة، يتأملونها طويلا بكل صمت وهدوء.
بعد عدة دقائق، دخل طالب آخر الى الغرفة، والى جانبه رجل بدا وكأنه من أساتذته، سمعته يقول له مؤنبا: «كيف تتأخر هكذا على الامتحان؟ هيا ادخل واجلس بسرعة». فعل كما قال، فأعطاه ورقة الامتحان والدفتر واختفى من الغرفة.
جلست في مكاني بمواجهتهم، تأملتهم وأنا أحرص على استمرارية الهدوء والصمت بينهم. استغربت كثيرا وأنا أراقبهم. مر أكثر من ساعة ولم أر أحدا منهم يكتب حرفا واحدا في دفتره. ما بهم هؤلاء؟؟ كأنهم ينتظرون الفرج في غير مكانه؟ تعجبت.
راقبتهم بإمعان. في الجهة اليسرى من الغرفة، في الطاولة القريبة مني، جلست فتاة، ملامحها توحي بالملل واللامبالاة، جلست دون أن تكتب شيئا. نظرت الى ورقة الامتحان تارة، ثم أمامها تارة أخرى، حملقت عيناها في اللاشيء... ثم تأففت باستياء. وكلما انقضت الدقائق وهي جالسة هكذا دون عمل شيء، ازداد تأففها. أيكون الامتحان صعبا الى هذا الحد؟؟ فكرت بيني وبين نفسي، وأحسست بنوع من العطف والشفقة.
وفجأة.. دخل رجل الى الغرفة مسلما علي بنظرة، ثم على الطلاب. فردوا عليه السلام بابتهاج غريب. لم أعرف من هذا الرجل؟! وماذا يفعل هنا؟ ولكن الطلاب بدوا كأنهم يعرفونه جيدا. وفي الدقائق التالية، أحسست كأنني ضيفة غريبة في مكان غريب!
كانت بيده ورقة. فتحها وأخذ يقرأ منها بصوت خفيض: «السؤال الأول... الجواب ب. السؤال الثاني... الجواب ج. السؤال الثالث... الجواب هو كذا...».
في البدء، كأنني لم أكن على وعيي، لم أحس بشيء. ماذا يجري؟ أين أنا؟ ومن هؤلاء؟ ماذا أفعل؟ وماذا يفعلون؟؟
جلست في مكاني والصمت يطوقني، كأن الصدمة جمدتني. لمحت بالمركزة لدى فتحة الباب، تراقب ما يجري في داخل الغرفة تارة، وفي خارج الغرفة تارة أخرى. وبعد دقائق، قالت للرجل: «يكفي هكذا». ثم خرج الرجل من الغرفة، وهي من ورائه. وبقيت وحدي مع المصيبة!
بدأت وشوشات بين الطلاب، نظرات قلقة، همسات. طلبت منهم السكوت أكثر من مرة. قمت من مكاني وبدأت أتجول بين الطاولات، أطالب بالصمت والسكوت بشكل متكرر، وفي داخلي أحس كأنني كركوز يضحك على نفسه!.
شعرت بالضيق والانزعاج. حاولت ألا أحدثهم بشيء ولا أرد على ملاحظاتهم وعتابهم لي، بل اتهامهم، بأنني لا أساعدهم!
«نحن معيدون، لماذا لا تساعديننا»؟ قال لي أحد الطلاب.
«هذا لا يجوز». قلت لهم.
وطبعا لم يقتنعوا بكلامي. أحسست كأنني أعيش في كوكب آخر غير كوكبهم، حتى كدت أشك في نفسي.
مرت الدقائق ومعها تضاعف التوتر في الغرفة وازداد تبادل الكلام والوشوشات.
«الواجب أن تساعدينا»، سمعت الطالبة الوحيدة التي كانت في الغرفة تقول لي، «فمن يساعد الآخرين سيكافئه الله بأجر عظيم». وكانت تضع على رأسها حجابا يغطي شعرها، واستغربت بيني وبين نفسي: كيف لا تحجب نفسها عن خطيئة الغش والخداع؟ إلا أنه كان من الواضح أنها لا ترى أي خطيئة في تصرفها، ولا حتى سمعت يوما أحدا يتحدث عن خطيئة كهذه على وجه الأرض!
وأخيرا.. انتهى وقت الامتحان.
ظهرت المركزة الى جانبي، تلملم أوراق الامتحان وتمتمت كلاما لم أتبينه من شدة توتري وانزعاجي. ثم همست في أذني: «... آمال... بالنسبة لما حصل، لا داعي لأن يعرف أحد». قالت، ثم أضافت: «خليها بيناتنا».
«ولكن ذلك لا يجوز». قلت لها بقلق بالغ.
«صحيح، ولكن، في النهاية، هؤلاء الطلاب معيدون ونحن نحاول مساعدتهم فحسب».
بعد أن عدت الى بيتي، واستعدت بذهني كل ما حصل وجرى، أحسست بمزيج من الأحاسيس بين الدهشة، والضيق، والقلق والحزن... والخوف. أحسست كأنني كنت شاهدة بل شريكة في جريمة لم أحرك ساكنا لمنعها. كيف سمحت لهذا الرجل أن يدخل غرفة الامتحان؟؟ كيف سمحت له أن يفعل ما فعل؟ لماذا لم أملك الجرأة حتى أقف بمواجهته وأقول له: «أخرج من الغرفة! مكانك ليس هنا»!
عاتبت نفسي بشدة. شعرت برغبة في أن أنفني، أن تنشقّ الأرض وتبتلعني.
في المساء، لم أقدر على كبت قلقي وحزني أكثر، فاتصلت بالمرشد الذي علمني برفقة مجموعة من المراقبين الآخرين عن قواعد المراقبة، وأخبرته بكل ما حصل. استمع الي باهتمام بالغ، ثم قال: «هذه المدرسة فيها بعض الفوضى. سأنقلك الى مدرسة أخرى أفضل ترتاحين فيها. ولكن... آمال... بالنسبة لما حصل... خلّيها بيناتنا»!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.