المكان : جامع الخاذندار بحي شبرا بمدينة القاهرة بمصر. الحدث: رجل ذو بشرة سمراء يقرأ القرآن الكريم بطريقة غير معتادة تجبر كل من يمر به على التوقف للاستماع لهذا الصوت الشجي، فتخشع أقسى القلوب وتنهمر الدموع من عيون لم تعرف البكاء قط، صوت مغلف بالشجن يجعلك تسبح في رحاب الله وتتدبر في معاني الآيات والكلمات وكأنك تسمعها لأول مرة. إنه الشيخ سعيد محمد نور، صاحب الجذور السودانية أبهر المسلمين بصوته الشجي وبأسلوبه الغريب في قراءة القرآن الكريم الذي أسر القلوب وأبكي العيون حتى إنه روي عن من عاصروه أن سائقي ترام شارع شبرا يمرون بمجلسه بناء على طلب الركاب ورغبة منهم في الاستماع إلى صوته وهو يقرأ القرآن الكريم. ولعل السبب في شهرة الشيخ نور أن قراءته للقرآن الكريم لم تكن بتلك الطرق التقليدية التي اعتاد علىها المقرئون وعرفها الناس واعتادوا عليها، فكان له أسلوب خاص فريد من نوعه فكان يجذب القاصي والداني. وهي طريقة عجيبة تثير في نفوس الناس عواطف شتى، من الخشوع والإيمان، وأيضا تستدر من عيونهم الدموع الحزينة. كما كان يقرأ القرآن الكريم عن حب ورغبة في التدبر في معانيه وآياته فلم يبتغ منه المال ولا الشهرة فكانت قراءته نابعة من أعماق قلبه والدليل على ذلك أنه رفض أن يقرأ القرآن الكريم في استوديوهات الإذاعة كما رفض أن تقوم الإذاعة بالتسجيل له، وبالرغم من ذلك فإن شهرته فاقت أشهر المقرئين في الإذاعة. واستحوذ على مكانة عظيمة في قلوب المصريين ولاسيما أهالي محافظة المنوفية، ويقال إن السبب في ذلك يرجع إلى أن أغلب سكان شبرا، وهو الحي الذي يقيم به، حيث مسجد الخاذندار أغلب سكان هذا الحي ترجع أصولهم إلى قرى محافظة المنوفية الواقعة شمالي مصر وكان ذلك سببا في أن يذاع صوته في هذه المحافظة، ولم يعرف عنه أبدا أنه حدد أجرا له فكان يأخذ الأجر الذي يدفعه صاحب المناسبة دون نقاش مهما قل أو كثر. وكان يعيش حياة بسيطة في حي شبرا بالقاهرة وكانت هوايته الوحيدة سماع الاسطوانات القليلة الباقية للشيخ البربري. وقبل 50 عاما قرر أداء فريضة الحج فاتجه قاصدا الأراضي المقدسة وقبل أن تصل به الباخرة إلى ميناء جدة انتشر خبر وصوله حتى وصل إلى إذاعة جدة والتي فازت بنصيب الأسد في عدد التسجيلات التي سجلت للشيخ نور، فسجل لهم سور مريم، طه، الحديد، التكوير، ولاقت تلك التسجيلات إعجاب الكثير من المسلمين فكانت المحطة الوحيدة التي تذيع له هي المملكة العربية السعودية. حتى إن المديرية العامة للإذاعة، وزارة الثقافة والإعلام الآن، قامت بتسجيل كم هائل من النسخ من تلك التسجيلات وكانت تقدمها لضيوف الرحمن من الوزراء والرؤساء وكبار الشخصيات وأشهر الإذاعات الإسلامية. وقد هاجر الشيخ سعيد نور من مصر واستقر في الكويت في مطلع الثمانينيات الهجرية وسجلت إذاعة الكويت القرآن الكريم بصوته وقضى بقية حياته فيها حتى توفي منتصف الثمانينيات الهجرية.