يصف مقربو ومحبو فقيد الوطن عبدالمحسن بن عبدالعزيز العكاس وزير الشؤون الاجتماعية السابق، بأنه كان إداريا محنكا وصديقا للفقراء والمحتاجين، ورمزا من رموز الوطن التي لا تنسى، ويستشهدون في ذلك بأن الوزارة في عهده خطت خطوات كبيرة للأمام. يقول أقارب وأصدقاء الفقيد إنه كان معروفا بحرصه على السؤال عن كل أفراد العائلة، ومشهودا له بالإحسان والشفقة والأخلاق الفاضلة والتواضع الرفيع، وكانت له بصمة واضحة في العمل الإنساني والخيري في المملكة. وإن رحل جسدا، إلا أنه مقيم في وجدان وذاكرة أعمال الخير، ويعد أنموذجا للوفاء والإخلاص والصدق.. والفقيد له من الأبناء أربعة أولاد وبنت. عبدالمحسن العكاس (يرحمه الله) من مواليد الأحساء بالمنطقة الشرقية، كان قد عين وزيرا للشؤون الاجتماعية خلال الفترة من 1425ه إلى 1429ه، وسبق أن تولى مناصب عدة، منها: عضو في مجلس الشورى منذ 1422ه، ونائب رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، عضو هيئة التدريس في جامعة الملك سعود، ومناصب في شركات عدة، بينها «أرامكو»، كما شغل العضو المنتدب للمجموعة السعودية للابحاث والتسويق ابتداء من عام 1991، إضافة إلى مساعد رئيس مجلس إدارة المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق، وشغل كذلك منصب الأمين العام المساعد بغرفة التجارة والصناعة بالرياض .. للفقيد عدد من الكتابات المتفرقة في الصحافة وفي مجالات السياسة والاقتصاد. مخطط للسياسات بدأ الفقيد حياته العملية مخططا لسياسات أرامكو، ومنها ذاعت سيرته ونشاطه، وقد استقطبته شركة «ستاندرد أوبل» في سان فرانسيسكو لمدة عام لإدارة السياسات والتخطيط، حتى توالت عليه المناصب والعروض ما بين جامعة الملك سعود التي عمل فيها أستاذا بكلية العلوم الإدارية، وعدد من الشركات والجهات الحكومية التي تنقّل بينها باحثا ومخططا وإداريا، حتى أصبح عضوا لمجلس الشورى، ثم وزيرا للشؤون الاجتماعية. وتنوعت وتعددت خبرات عبدالمحسن بن عبدالعزيز العكاس، نتيجة لتحصيله العلمي المميز، إذ حصل على شهادة البكالوريوس من جامعة واشنطن سياتل، التي تعد من أعرق الجامعات الأميركية في مجال الاقتصاد والعلوم السياسية، ليواصل فيها بقية المراحل العلمية، حتى حصل من الجامعة ذاتها على درجتي الماجستير والدكتوراه في العلوم السياسية، لتتولد لديه مكانة علمية امتزجت بخبرة عملية تمخض عنها مشوار حافل بالنجاح والحنكة وحسن الإدارة وتميزها. بعد إنساني امتزجت السيرة الذاتية للفقيد بالبعد الإنساني وانعكست عليه في أعماله، فلم تشغله المناصب عن تجاهل هذا الجانب المهم الذي ظهر حرصه عليه، فكان له حضوره كنائب لرئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، وتلا ذلك منصبه كوزير للشؤون الاجتماعية الذي شكل حقبة مهمة في حياته العملية. عين عبدالمحسن العكاس وزيرا للشؤون الاجتماعية خلال الفترة من 1425ه 1429 ه، وشهدت فترة عمله قرارات خلقت أسلوبا جديدا أسهم في تسريع عجلة النمو في الوزارة، ليؤكد حسن إدارته لهذا القطاع الذي يمس حياة الكثيرين من أبناء الوطن. إنجازات عديدة والراصد لحياة وسيرة الفقيد الراحل الوزير العكاس، لن تغيب عن ذاكرة رصده إنجازاته العديدة، ففي عهده أنشأت الوزارة وحدات للحماية الاجتماعية بمناطق عدة في المملكة، تتولى حماية النساء والأطفال الذين يتعرضون للاستغلال والتهديد والعنف، وحظيت موازنة الوزارة بزيادة مهولة للجمعيات، إذ بلغت 300 مليون سنويا، وكان العكاس على رأس الهرم في الوزارة ويعمل حينها على تشكيل المجلس الأعلى للإعاقة، وكانت هذه الزيادة ملموسة بوضوح، إذ استطاعت الوزارة إعطاء التراخيص اللازمة ل 479 جمعية لدعم مؤسسات المجتمع المدني. وشهد عهد العكاس افتتاح أول مكتب نسائي للضمان الاجتماعي، إضافة إلى ذلك ارتفعت القروض من الصندوق الخيري لمساعدة الأسر الفقيرة في الإنتاج وأيضا المنح التعليمية للمحتاجين إلى 80 مليون ريال. أبرز الإنجازات وكان من أبرز إنجازات الفقيد العمل على تخصيص سيارات لذوي الإعاقة، بالرغم من أن عدد ذوي الاحتياجات الخاصة في المملكة ممن تنطبق عليهم الشروط يصل إلى 20 ألفا في 37 مركز تأهيل شامل. ويؤكد محبوه والمقربون منه أنه رحل عن هذه الدنيا وأعماله لا تزال تعيش في وجدان الكثيرين، خاصة شريحتي الأيتام والأرامل، وكل من له صلة بالشؤون الاجتماعية. خدمات جليلة وقال وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية محمد عبدالله العقلا «إن الفقيد يعتبر من الشخصيات البارزة ويعد بحق من المخلصين الذين قدموا خدمات جليلة لبلادهم طوال فترة عمله في الوزارة، حيث ساهم في النقلة التي شهدها الضمان الاجتماعي على مستوى المملكة، التي منها البرامج المساندة أو برامج التقنية، التي أحدثت نقلة نوعية في عمليات الضمان الاجتماعي». وقال رئيس مجلس إدارة غرفة الشرقية عبدالرحمن الراشد «إن الفقيد كان صديقا قريبا مني، وكنت أشعر بما يحمله داخل قلبه من حبه لعمل الخير، إضافة الى إسهاماته السابقة في العمل الخيري، وهو ما جعله محل ثقة ولاة الأمر، فأسندت له وزارة الشؤون الاجتماعية والتي جل عملها مخصص للاهتمام بشرائح الأيتام والفقراء والمساكين». محب للخير ويؤكد شقيق الفقيد، اللواء أحمد عبدالعزيز العكاس، أن الراحل كان طوال حياته يقدم ما يشفع له إن شاء الله من عمل طيب، سواء أثناء فترة عمله أو بعد تقاعده، مشيرا إلى أن الفقيد كان محبا للخير عطوفا واجتماعيا. وقال أمين عام جمعية البر الخيرية الدكتور عبدالله القاضي «إن الفقيد كان داعما لعمل الجمعيات الخيرية في أداء عملها، حيث شهدت الجمعيات قفزة كبيرة إبان توليه وزارة الشؤون الاجتماعية، وهو مكمل لمن كان قبله». وأضاف: «إن المواقف التي جمعتني بالفقيد في مجال العمل الخيري عديدة، حيث كنا في جمعية البر الخيرية نقف على ما كان يحمله الفقيد في ثناياه من هم تطوير العمل الخيري في المملكة، وذلك من خلال الجمعيات الخيرية، وهو ما تحقق فعلا بفضل دعمه وتفويضه لكل ما فيه مصلحة للعمل الخيري». بصمة حقيقية وأضاف العكاس: إنه من المحزن والمؤلم أن يتناول الإنسان في سيرة شخصية فقدها كشخصية عبدالمحسن العكاس، وفي العادة عندما يتحدث الإنسان عن شخصية فقدها فهو يتحدث عن أعماله وإنجازاته، ولكن في الوقت نفسه نعلم أن فقده فاجعة على الجميع، فقد كانت للفقيد بصمة حقيقية قبل أن يترك الوزارة وبعد أن تركها، وتابع قائلا: لقد جمعتني مناسبات وملتقيات عديدة مع الوزير الراحل، كان آخرها توقيع اتفاقية بين أمير المنطقة الشرقية والوزير العكاس يرحمه الله تتعلق بالتدريب والتأهيل والتوظيف، من خلال الصندوق الوطني الاجتماعي، وقبلها تشرفنا بحضوره في مناسبات عديدة، وكانت الأولى لي معه، عندما تقلد الوزارة وحضر جائزة الأمير محمد بن فهد لخدمة أعمال البر، وكان في الواقع قريبا من النفس وقريبا من الجميع على مختلف المستويات بعيدا عن المناصب، وكان الأب والموجه والصديق، وقد شعرت بفراغ كبير بفقده رحمه الله فقد كان شخصية من شخصيات هذا الوطن، وكانت له بصمات متميزة على الأصعدة كافة. عفيف اليد واللسان يقول إحسان بن صالح طيب المستشار الاجتماعي مدير عام الشؤون الاجتماعية بمنطقة مكةالمكرمة الأسبق: فقدت الشؤون الاجتماعية عبدالمحسن العكاس (أبو ناصر) ثاني وزير للشؤون الاجتماعية، وقد اتسمت فترة رئاسته للوزارة بأحسن الإنجازات في مجال الضمان الاجتماعي، فقد عمل (يرحمه الله) وسعى لدى قيادة هذه البلاد إلى رفع مستوى معاشات ومساعدات الضمان الاجتماعي. وقد كان (يرحمه الله) بعيد النظر في أخذ الأولوية لهذه الفئات التي تعد أكثر الفئات معاناة من الفقر. ويذكر زملاؤه المقربون منه في مكتب الوزير، أنه كان عفيف اليد واللسان، كريما حفيا بصاحبه في السفر. وهو من أسرة كريمة، ورغم أنه كان من الأثرياء إلا أنه لم يعر اهتماما لمسائل المظهر، فلم يضف لمكتبه بعد استلامه الوزارة أية إضافات، سواء في المقر الرئيسي أو في منطقة مكةالمكرمة. حسن الخاتمة وما يذكر في فضائله مع مرافقيه أنه كان يحرص على تواجدهم معه في سفرياتهم للخارج، وفي محيطه، بل وكان يدفع تكاليف إقامتهم من جيبه الخاص في بعض السفريات. رحم الله أبا ناصر وأسكنه فسيح جناته. ولعله من دلائل حسن الخاتمة وفاته في يوم فضيل، يوم الجمعة، وخالص العزاء لأخويه أحمد وعمر، وأخواته نورة، ومنيرة، وفاطمة، وللأخت الكريمة الدكتورة منيرة العكاس، وأسأل الله أن ينفعه بما قدم. ولا نملك إلا الدعاء بأن يشمله الله بواسع رحمته. دعم الأيتام أما سعيد بن سالم الأسمري مدير الخدمات الإنسانية بالمؤسسة الخيرية لرعاية الأيتام سابقا، فقال: إن الفقيد تميز بدعمه لحالات الأيتام، وذوي الاحتياجات الخاصة، من خلال موقعه رئيسا لمجلس إدارة المؤسسة الخيرية، حيث كانت له مواقف مشرفة وتواصل مباشر معهم، وكان حريصا على مجالستهم ومناقشتهم، ويوجه بتقديم الخدمات للمبتعثين من ذوي الاحتياجات الخاصة والحث على إجراء الدراسات العلمية للوقوف على أسباب المعاناة وإجراء دراسات حلول المشاكل. الجمعيات الخيرية أما مدير عام الشؤون الاجتماعية بمنطقة مكةالمكرمة عبدالله آل طاوي فقال: إن الفقيد رحمه الله له جهود كبيرة في خدمة العمل الإنساني والاجتماعي بالمملكة وقد أكمل مسيرة من سبقه في هذا المجال، مضيفا: إن للفقيد جهودا كبيرة في دور رعاية الأيتام في مناطق المملكة ومحافظاتها من حيث الاهتمام بهم، وأتذكر أن الفقيد تفقد في إحدى المرات دور الأيتام بمنطقة مكةالمكرمة، وقدم لهم العديد من المشاريع العلمية والتدريبية والنهوض بدور الأيتام من حيث تطويرها والاهتمام بها، مشيرا إلى أن له جهودا كبيرة بذلها في دعم الجمعيات الخيرية وإقرار العمل بها من خلال سن الأنظمة والتعليمات للرقي بها. قلة قليلة ويقول محمد علي العاصمي، مدير عام العلاقات العامة بوزارة الشؤون الاجتماعية، في وداع الأصدقاء يغيب الحرف، ويجف الحبر أمام جدار الذكريات التي استبقتها ذاكرة الوفاء لأصدقاء الخير والمحبة، وهم قلة قليلة جدا قد تجود رحلة العمر بنفر قليل منهم، وكم هو محظوظ من يهيأ له ذلك لأن هناك من مر عمره كاملا دون أن يجد من يستحق أن يغفو على تلك المساحة في وجدانه وقلبه. مقيم في الوجدان والأخ عبدالمحسن بن عبدالعزيز العكاس وزير الشؤون الاجتماعية سابقا (رحمه الله)، ليس إلا واحدا من أولئك الكبار الذين لا يرحلون دون أن يتركوا بصمة المحبة والصدق والنقاء تذكارا يعمر قلوب مجايليه ومزامليه ومحبيه.. كان الفقيد رجلا وطنيا غاية في النقاء والصدق لدينه ووطنه قيادة وشعبا، مع يقيني بأن أمثال فقيدنا الغالي وإن رحل جسدا إلا أنه مقيم في وجداننا وذاكرتنا أثرا وأنموذجا للوفاء والإخلاص والصدق.