أكد عدد من المسؤولين والمختصين على أن ارتفاع أسعار السلع والخدمات من شأنه أن يفاقم من معاناة شريحة ذوي الدخل المحدود وقد يدفع بكثيرين منهم إلى مستوى الفقر، مشيرين إلى أن أهم الحلول لمواجهة ذلك يتمثل في التدخل الحكومي من خلال تكثيف الرقابة على الأسواق وتفعيل العقوبات على المتلاعبين بأسعار السلع والخدمات بالإضافة إلى تفعيل نظام الجمعيات التعاونية الاستهلاكية. هاجس الفقر في البداية، يرى عضو مجلس الشورى الدكتور صدقة فاضل أن من أهم القضايا التي تشغل المسؤولين في المملكة، بما في ذلك رئيس وأعضاء مجلس الشورى قضية الفقر النسبي الذي تعاني منه شرحية كبيرة من المجتمع، مشيرا إلى أن مكافحة هذه الآفة تعد الهاجس الأول لهؤلاء المسوؤلين. وقال إن من أهم مكونات الفقر ارتفاع الأسعار لاسيما أسعار السلع والخدمات الأساسية، لذا تأتي مكافحة الفقر عبر مكافحة الارتفاع غير المعقول في أسعار السلع والخدمات، باعتبار أن الارتفاع الجنوني للأسعار يزيد من تفاقم آفة الفقر، حيث تفقد الدخول قيمتها الشرائية مع مرور الوقت. وأضاف: لابد من مكافحة الارتفاعات غير المبررة في الأسعار والتي أصبحت تشترك فيها جميع أشهر السنة بما في ذلك شهرا رمضان والحج، فهناك من التجار من يستغل جميع الظروف لرفع الأسعار، سواء في السلع أو الخدمات وحتى قيمة العقار لاسيما إيجارات المساكن. فهذه المواجهة لا تكون بتحميل رجل الأعمال أي خسائر، وإنما بتدخل حكومي يضمن مصلحة التاجر والمستهلك على حد سواء، ويحول دون وجود ارتفاع غير معقول في الأسعار. ومن هنا لا زال مجلس الشورى يوصي وزارة التجارة بضرورة وجود مراقبين للأسعار في المدن الرئيسية في المملكة للحيلولة دون ارتفاع الأسعار، وكلنا يتذكر أن من ضمن القرارات الملكية التي صدرت أخيرا والتي سميت بقرارات الرفاه الاجتماعي، كان من ضمنها قرار بتوظيف عدد من المواطنين كمراقبين تابعين لوزارة التجارة لمراقبة الأسعار في الأسواق المحلية. ونوه عضو مجلس الشورى بتعزيز الوازع الديني لمحاربة ظاهرة ارتفاع الأسعار حيث لا يعد الكسب المبالغ فيه حلالا شرعا، وبسرعة التحرك لحماية شريحة ذوي الدخول المحدودة التي تعد أكثر شرائح المجتمع تأثرا بارتفاع الأسعار، وهو ماقد يؤدي إلى تحولهم لشريحة الفقر النسبي بفعل ذلك، فالفقر سيؤدي بالتأكيد إلى مشكلات لا حصر لها، لا تطال الفئة الفقيرة فقط بل كافة فئات المجتمع وتهدد استقراره، ولذا فإن مسألة وقف ارتفاع الأسعار يمكن أن يسهم في أمن واستقرار ورفاه الوطن والعكس صحيح، ولذا آمل أن تتخذ الإجراءات العاجلة لمواجهتها. غلاء مستورد ومن جهته قال الكاتب الاقتصادي الدكتور علي التواتي إن مسألة ارتفاع الأسعار تدخل فيها عوامل عدة منها أسعار العملات وجهات الاستيراد ووفرة الإنتاج ومدى سيطرة الأجهزة المختصة على الأسواق وتأكدها من ملاءمة نسب الربح للتكاليف. إضافة إلى جشع التجار، لاسيما وأن تجارة التجزئة في المملكة في معظمها ليست خاضعة للعرض والطلب وإنما في أيد محتكرة لاسيما الأيدي الأجنبية التي تسعى إلى الثراء السريع في أقصر وقت ممكن للعودة إلى وطنها. وأضاف التواتي: عندما نتحدث عن الغلاء في الأسعار يجب أن نتحدث عن تلك العوامل، وإذا أردنا الحد من هذه المسألة يجب أن نسعى إلى توطين قطاع التجزئة، باعتبار أن البائع السعودي لديه وزاع أخلاقي وديني ووطني، وليس في عجلة من أمره لتحقيق أرباح طالما أنه يتقاسم الوطن مع جميع أبنائه، وإعادة العمل بنظام الجمعيات الاستهلاكية التعاونية وهو ما كان معمولا به في فترة الستينات تحت مسمى جمعيات موظفي الدولة، فمعظم دول الخليج العربي كانت ولا تزال تعمل وفق هذا النظام، بل حتى وزارة التعليم كانت إلى وقت قريب تأخذ بنظام الجمعيات التعاونية من خلال توفير وجبات الطعام في المدارس الحكومية، إلا أن هذا النظام بحاجة إلى دعم من قبل الحكومة وتفعيله من قبل وزارة التجارة، كأن تمكن الوزارة من الاستيراد والوصول إلى الأسواق، وتخصيص مواقع لها لإنشاء الجمعيات، خاصة في الأحياء متوسطة الخدمات ودعوة المواطنين للمساهمة في تلك الجمعيات. تفعيل البرامج وطالب أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبدالعزيز في جدة الدكتور حبيب الله تركستاني، بضرورة وجود برامج وخطط واضحة لمواجهة ارتفاعات الأسعار المتلاحقة، وقال: إن هناك قرارا ملكيا بمضاعفة أعداد المراقبين في الأسواق وإيجاد وظائف في هذا المجال لقرابة 500 مراقب، لكن ذلك يتطلب أيضا إيضاح الخطط والبرامج للحد من ارتفاعات الأسعار، وتفعيل دور المجتمع والمتسهلك وباقي الجهات المختلفة المعنيه بمراقبة الأسعار. وقال تركستاني: هناك أحيانا استغلال من بعض التجار للسياسة الاقتصادية المنفتحة في المملكة، كعدم وجود رقابة على تسعيرة السلع والخدمات، لكن لا بد من الاستجابة للمناشدة الملكية الكريمة للتجار بضرورة تفعيل مسؤوليتهم الاجتماعية والمساهمة في تخفيض تكاليف السلع على المستهلك، وقد وجدت المناشدة صدى كبيرا في أوسط رجال الأعمال، لكن ذلك يجب ألا ينسينا أن ارتفاع الأسعار قد يأتي من الخارج، لذا لا بد أن تكون هناك خطة للحد من تصاعد أسعار السلع المستوردة، وكما قلت إن مسؤولية ذلك يتقاسمها التجار والمستهلكون والجهات الرقابية.