أصبح التسلل عبر الحدود اليمنية ظاهرة لا يمكن التغاضي عنها أو إغفالها لآثارها الاجتماعية والأمنية والاقتصادية ونتائجها المستقبلية. وقد تقود ظاهرة التسلل إلى مشاكل أكثر تعقيدا إذا علمنا أن أعداد المتسللين عبر الحدود تقدر بالآلاف سنويا، حيث ترحل جوازات منطقة عسير أكثر من مائة ألف مخالف سنويا، ورغم كثرة الأعداد المرحلة منهم، إلا أنهم سرعان ما يعودون مجددا إلى المنطقة. ويتعاظم خطر المتسللين ويتعدى ترويج المخدرات والمسكر إلى حد القتل والسرقة، حيث ازدادت جرائمهم في الفترة الأخيرة في القرى والهجر والمناطق النائية، مما سبب قلقا للكثير من المواطنين والمقيمين، حيث لوحظ تكاثر العصابات الأفريقية وقيامها بأكبر الجرائم الجنائية من سطو وسرقة واغتصاب وقتل، أبرزها عصابة «خنق المسنين» التي تم القبض على أفرادها قبل عامين في ست جرائم قتل ارتكبت في أنحاء متفرقة من منطقة عسير، مثلما شاهدنا ذلك في الحلقة الأولى من هذه القضية، فيما ترصد الحلقة الثانية تكاثر أعداد الأفارقة واليمنيين من خلال هجرتهم الجماعية إلى المنطقة؛ بحثا عن المال ولو أدى الأمر لاستخدام العنف مما يشكل تهديدا أمنيا خطيرا ما لم توضع الحلول التي توقف زحف هؤلاء. ينتشر أغلب المجهولين في القرى النائية والقديمة، متخذين من منازل المواطنين مساكن لهم بعد أن هجرها أصحابها أو يتوزعون على القرى الواقعة في أعالي الجبال، كمرتفعات السودة وجبال النماص والقرى المطلة على الأجزاء التهامية في سراة عبيدة، حيث يتواجد في كل قرية من هذه القرى عشرات الأشخاص من مجهولي الإقامة من مختلف الجنسيات، متخذين من المواقع القريبة من أماكن رمي النفايات مقرا لهم نظرا لما توفره من ملابس، فضلا عن توفير دخل لهم من بيع بعض ما يجدونه فيها من حديد وأخشاب، فيما يتسلح هؤلاء بأسلحة من قطع من الحديد لحماية أنفسهم من الآخرين وربما استخدموها في أعمال السطو والسلب والنهب. ورغم المخاطر المترتبة على التعامل معهم، يلجأ إليهم الكثير من المواطنين للقيام بمختلف الأعمال مقابل أجور متدنية. سكان قرى ريدة التابع لمركز السودة في عسير يشتكون من كثرة السرقات التي تتعرض لها منازلهم من قبل فئة المتسللين، خاصة حينما يكونون بعيدين عنها بسبب أعمالهم وتواجدهم مع أبنائهم في جامعات ومدارس أبها. وفي مراكز تنومة وبني عمر والسرح في شمال منطقة عسير، اتخذ مجهولو الهوية مواقع لهم وشكلوا عصابات لسرقة المنازل والمطاعم والسيارات وتهديد الأرامل والضعفاء الذين يسكنون في أطراف البلدات والقرى البعيدة. ويعاني سكان مدينة تنومة شمال مدينة أبها من كثرة انتشار العمالة المجهولة من الجنسيتين الأثيوبية والإرترية والذين اتخذوا من الجبال مأوى لهم، مستغلين وعورة المنطقة وبعدها عن الرقابة للاختباء فيها، الأمر الذي جعل سكان تلك القرى يعيشون حالة من الرعب نتيجة تواجد هذه الفئة التي تبحث عن الكسب المادي بأية طريقة ثم تلوذ بالفرار قبل أن تتمكن فرق المداهمة من القبض عليها، وفي حال ألقت الشرطة أو الجوازات القبض على أحد منهم، فإن الهاربين والمختبئين يبقون أكثر بكثير من المقبوض عليهم. وفي حين سجلت العديد من القضايا ضد مجموعة كبيرة من مجهولي الهوية كانوا خلف سرقة بعض المنازل والأغنام، وصل الحال بهؤلاء حد التعدي على أصحاب المحلات التجارية في حال رفضهم البيع لهم أو التعامل معهم من منطلق وطني للحد من تكاثرهم، حيث سجلت اعتداءات على محال تجارية في مدينة تنومة نتيجة رفض أصحابها السماح لهؤلاء بالدخول إليها. إيقاف مشروع صراف وفي قرية مليح (شمال مدينة تنومة)، اضطر أحد البنوك المحلية لإيقاف تغذية إحدى مكائن الصراف الآلي في أحد المجمعات التجارية؛ نظرا لتخوف البنك من أن يسطو هؤلاء المجهولون عليها وسرقة ما بداخلها، خاصة أنهم يعيشون في الجبل المقابل للمجمع، مما تسبب في حرمان الأهالي والمسافرين الذين يسلكون طريق أبها الطائف من هذه الخدمة. سرقة الكهرباء ولما كان المجهولون يستخدمون تقنيات الاتصال، أصبحوا بحاجة لمصدر للطاقة لتزويد أجهزتهم النقالة بالكهرباء، فلجأوا تحت جنح الظلام لسرقة الكهرباء من عدادات المنازل القريبة من الجبل ومد أسلاك الكهرباء المدفونة تحت الأرض إلى أقرب نقطة يمكنهم الوصول إليها، بعيدا عن أعين الدوريات.. فيما يكتشف المواطنون بين الحين والآخر الأسلاك الممتدة من عدادات منازلهم فيفصلونها عنهم ولكنهم سرعان ما يعودون لسرقة الكهرباء من مصادر أخرى كالمساجد. كلاب الحراسة وحرصا من هؤلاء المجهولين على توفير أجواء آمنة لهم من مداهمات الشرطة المفاجئة، استخدموا كلابا للحراسة وسط الجبال والتي باتت أشبه ما تكون بمستعمرة، فبمجرد اقتراب أي شخص غريب من الجبل تهاجمه الكلاب فيتمكن المجهولون من الاختباء والفرار قبل وصول الفرق الأمنية، فيما تطور الحال بهم وسط الجبال من الرعي والفلاحة إلى تصنيع وترويج الخمور. معاناةالأهالي عدد من الأهالي تحدثوا ل «عكاظ» عن معاناتهم من تكدس مجهولي الهوية في قراهم، وما يشكله ذلك من مخاطر أمنية، كما أشار إلى ذلك كل من محمد القحطاني وعلي هذال وناصر الحواشي، لافتين أنه من الصعب رصد هؤلاء المجهولين لأنهم يسكنون في غرف صغيرة مصنوعة من الشبك، فيما يتناوبون من مكان مرتفع على مراقبة القادمين إلى مواقعهم، ومن ثم إرسال إشارة معروفه بينهم حتى يتمكنوا من الهرب داخل الجبال والعودة مرة أخرى خلال فترات المساء، فيما تقع المسؤولية الكاملة في بقاء تلك العمالة وتحذير المواطنين من تشغيلهم وإيوائهم على الجهات الأمنية وشيوخ القبائل، كما يرى ذلك غيثان سعد العمري (أحد أعيان قبيلة الشق)، فيما ألمح محمد مانع الشهري (رجل أعمال ) إلى أن بقاء تلك العمالة بالقرب من منازل المواطنين والأسواق، يشكل خطرا كبيرا على مستقبل النشء واستغلال صغار السن منهم في ترويج المسكر، حيث أصبح ترويجها أمرا طبيعيا بين معظم الشباب في المقاهي وعلى الطرقات. ويتساءل علي زهير العمري (الموظف في مدرسة سعد بن معاذ) عن دور مكافحة المخدرات في منع المجهولين من ممارسة شتى أنواع المخالفات والحصول على مبالغ مادية بكل يسر وسهولة، ثم يتوارون عن الأنظار عندما يقترب أحد المواطنين منهم لشكهم في تعاونه مع رجال الأمن، مذكرا في هذا السياق بحادثة القتل التي حدثت لامرأة مسنة على يد مجهولين في بلدة العدوة في مركز السرح قبل عامين كدليل على خطورتهم وما يسببونه من قلق لسكان شمالي محافظة النماص، حيث التضاريس التي تساعدهم على القدوم إلى قراها المترامية الأطراف والاختفاء عن أعين الرقابة، إضافة لوجود طرق تربط بين ساحل تهامة والسراة تسهل تنقلاتهم. كذلك يشكل تواجد أعداد كبيرة من العمالة في جبال بني عمرو خطرا على أمن المواطن، كما يرى ذلك رئيس مركز إمارة بني عمرو ظافر بن خلوفة الشهري، فأكد «أن طبيعة المنطقة وتضاريسها تحول دون السيطرة على تلك الأعداد أو الحد من تصرفاتهم المزعجة، ويتوقف الأمر على إيجاد قوة أمنية تسيطر على الوضع الذي يشكل هاجسا أمنيا واجتماعيا لمركزي بني عمرو والسرح».