السعودية تحقق أكبر تحسن إقليمي في قطاع السياحة منذ 2019    سبل تطلق حملة للتحذير من التصيد الإلكتروني    إدراج نموذج علّام من سدايا ضمن منصة watsonx بشركة IBM    ريال مدريد: كروس قرر إنهاء مسيرته الكروية بعد يورو 2024    أمير المدينة يرعى ملتقى التوجيه المهني للطلاب «المسار المهني والتعليمي»    أمير منطقة مكة يلتقي مدير عام الجوازات    العالم حريص على توحيد الجهود الدولية لإيجاد حلولٍ شاملة لقضايا المياه    تاج العالمية تفتتح مكتبها في الرياض ضمن 19 موقعا عالميا    نائب أمير منطقة مكة يرأس اجتماعاً لمتابعة خطط الحج    أمير القصيم يستقبل ووفداً من أعضاء مجلس الشورى ونائب المحافظ لخدمات المساندة بالتدريب التقني    أرقاماً قياسية عالمية في انخفاض تكلفة إنتاج الكهرباء من طاقة الرياح    الربيعة يدعو لتأسيس "مجلس طيران إنساني عالمي"    وزير الإسكان يشهد توقيع "الوطنية للإسكان" 5 مذكرات تفاهم    ولي العهد يطمئن الجميع على صحة الملك    700 ألف صك عبر البورصة العقارية    النفط يتراجع والذهب في ارتفاع    أجهزة كمبيوتر من مايكروسوفت مزودة بالذكاء    إطلاق "مانجا إنترناشونال" للأسواق الدولية    سيطرة سعودية على جوائز "الفضاء مداك"    طلاب الاحساء يحصدون 173 جائزة لوزارة الثقافة    أكثر من 5.5 مليون عملية إلكترونية عبر «أبشر» في أبريل الماضي    «تبريز» تشيّع الرئيس الإيراني ومرافقيه.. الدفن «الخميس»    أمير تبوك يستقبل المواطنين في اللقاء الأسبوعي    موعد مباراة الهلال والطائي..والقنوات الناقلة    الشباب يتوصل لاتفاق مع لاعب بنفيكا رافا سيلفا    تقارير..بنزيما نادي بسبب الاتحاد    حرس الحدود يحبط تهريب 295 كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    استمرار هطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    الأمير خالد بن سطام مساء اليوم يفتتح معرض صنع في عسير    6.7 مليار دولار مساعدات سعودية ل 99 دولة    رسميًا.. الاتحاد يعلن رحيل رومارينهو وغروهي    أمير الجوف يعزّي أسرة الحموان    القوات المسلحة تواصل تمرين «الأسد المتأهب 2024»    الاتحاد بطلاً لهوكي الغربية    5 فوائد للمشي اليومي    معابر مغلقة ومجازر متواصلة    القيادة تعزي في وفاة رئيس إيران ومرافقيه    المسألةُ اليهوديةُ مجدداً    8 مواجهات في الجولة قبل الأخيرة لدوري" يلو".. " الخلود والعروبة والعربي والعدالة" للمحافظة على آمال الصعود    أنديتنا وبرنامج الاستقطاب    أمير القصيم يكرم «براعم» القرآن الكريم    إجازة لمكافحة التعاسة    ابحث عن قيمتك الحقيقية    مواجهة الظلام    مبادرة الأديب العطوي    مكعّب روبيك.. الطفل العبقري    زلة الحبيب    وقتك من ذهب    لا عذر لخائن    تسهيل وصول أمتعة الحجاج لمقار سكنهم    خادم الحرمين الشريفين يخضع لبرنامج علاجي    علاقة معقدة بين ارتفاع ضغط الدم والصحة النفسية    الحامل و الركود الصفراوي    أخصائية تغذية: وصايا لتجنب التسمم الغذائي في الحج    خرج من «البحر» وهو أصغر بعشر سنوات    أمير الرياض يرعى حفل تخرج طلبة الجامعة السعودية الإلكترونية    القيادة تعزّي دولة رئيس السلطة التنفيذية بالإنابة السيد محمد مخبر في وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ومرافقيه    أمير القصيم يرعى حفل تكريم الفائزين بمسابقة براعم القرآن الكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



null
نشر في عكاظ يوم 01 - 04 - 2011

كانت مقلتاه كأنهما كرتان تسبحان في بحر من الدموع وبدا صوته مختنقا، متقطعا، وشفتاه ترتجفان ورأسه يميل تارة نحو الأرض وأخرى نحو السماء، وثالثة نحو الأفق البعيد كأنه يبحث به عن سنوات عمر ضاعت أو هو يحاول جمع ذكريات قديمة، ربت على كتفه وقلت ما بك؟ ولم ينتظر طويلا فقد كان بانتظار من يسأله، فقال: بالأمس كنت أجلس بجوار أمي التي تجاوزت التسعين كما تعلم، وكانت تحدق في الجدار الفاصل بين غرفة الجلوس والمطبخ حيث لا نوافذ فيه، ثم قاربت بين جفنيها وهي تحدق في لوحتين علقتا على الجدار ثم سألت وهي لا تزال محدقة بهما: لماذا لم ينظف أحد هاتين النافذتين؟ قلت أي نافذتين يا أمي؟ قالت: هذه، قلت إنهما ليستا نافذتين بل هما لوحتان، زادت تحديقا بهما، ثم التفتت إلى وقالت: ربما لا أدري، عندها حدقت بدوري في وجهها الذي زادت تجاعيده، ووجدت نفسي أرتحل وأنا في مكاني إلى الأفق البعيد وإلى أكثر من خمس وخمسين سنة، حين كنا في تلك المدينة الصغيرة، حيث كان يصر أبي على أن لا يشتري لنا الخبز من السوق فكنت أراها قبل أن أنام في الغرفة الكبيرة التي كانت هي نفسها غرفة النوم ومكان دراستنا ومعيشتنا، تحضر إناء نحاسيا كبيرا تضع به الدقيق وتجثو على ركبتيها تخلطه بالماء ثم تعجنه، وقد أنام وهي لا تزال تعجن وأحيانا أستمر في التحديق بها وأعجب كيف يتصبب العرق من جبينها وشتاء تلك الليالي بارد جدا، فمع لحافي المحشو بصوف الغنم لا أشعر بالدفء إلا حين ألصق فخذي بصدري وكأنني جنين أجمع أجزائي إلى بعضها علها تبث الدفء في جسدي النحيل، فإن حالفني الحظ وبقيت حتى تنتهي من المهمة اليومية، أراها وهي تغطي الإناء النحاسي ببطانية صوفية لا تلبث أن ترتفع في الصباح حين يكون العجين قد تخمر وزاد حجمه على عكسي تماما فقد كان حجمي يتقلص مع البرد، وفي الصباح وأنا أجهز نفسي للذهاب للمدرسة كانت تجثو مرة أخرى على ركبتيها كي تقطع ذلك الكم الهائل من العجين إلى قطع شبه متساوية، وما إن نغادر المنزل إلى المدرسة حتى تجلس أمام الفرن كي تحيل تلك القطع الكروية بعد فردها إلى أرغفة يسيل اللعاب لرائحتها وشكلها، وكثيرا ما كانت تنتهي من الخبز حتى تبدأ بالغسيل في إناء مشابه لذلك الإناء النحاسي ولكن هذه المرة لم أرها وحيدة فقد كانت شقيقتي الوسطى تعتلي عنقها وتترك رجليها تتدليان فوق صدرها وهي تغسل، وحين كبرت قليلا احتلت مكانها شقيقتي الصغرى في حين كنت مسؤولا عن الوسطى أحملها على ظهري وأذهب بها بعيدا عن المنزل حتى تستطيع أمي أن تكمل واجباتها المنزلية، فبعد أن تنتهي من الخبز والغسيل تلتفت للطبخ؛ لأنها كانت تخشى ثورة غضب أبي الذي لا يمكن أن يغفر لها تأخرها في إعداد طعام الغداء الذي غالبا ما نتناوله قبيل العصر (موعد عودته) من عمله، وما إن ننتهي من غدائنا حتى تعود مرة أخرى لذلك المطبخ الرث الذي كنت أرى السماء من بعض فتحات سقفه في النهار وهي ذاتها من يدخل المطر منها في فصل الشتاء الذي لطالما كان طويلا وباردا وممطرا، ولن أنسى حين كانت تضعنا واحدا تلو الآخر في إناء آخر حتى تغسل لنا أجسادنا النحيلة في عتبة الغرفة الكبيرة نفسها خوفا علينا من البرد، لقد ذهبت بعيدا عنها في استدعاء ذكريات لن تنسى وها هي بجانبي بطلة كل هذه الأحداث التي استمرت سنين طويلة ظهرها انحنى وجلدها تكرمش ونظرها ضعف وسمعها بات ثقيلا وفقدت كثيرا مما كانت تعرفه، بل لقد صارت تنسى أسماءنا أحيانا، إنها هنا بجانبي كأنها كراس ذكريات عطرة خارت قواها، دمعت عيني وأنا أستعرض حياتها كيف كانت وما آلت إليه، نظرت إليها وكأني أرى نفسي بعد سنين ضعيفا هرما فاقدا للكثير من الذاكرة والقوة، وسألت نفسي: هل سأجد بجانبي ابنا أو ابنة تربت على كتفي وترحمني، لم يوقظني من سرحاني إلا دمعة حارة مشت على خدي كأنها ساقية تغسل وجنتين لطالما قبلتهما هذه العجوز، بكيت ورفعت يدي للسماء لعلمي أن فيها رحمانا رحيما دعوته أن يرحمها كما ربتني صغيرا.
للتواصل ارسل رسالة نصية sms الى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 146 مسافة ثم الرسالة
او عبر الفاكس رقم: 2841556 الهاتف: 2841552 الإيميل: [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.