قد يطرح الجدليون لمجرد الجدل سؤالا حول ما يبدو لهم تناقضا بين الدعوة إلى مزيد من حرية التعبير عن الرأي والمطالبة بإعادة النظر في السماح لبعض الآراء بالاستمرار. وهم حين يطرحون هذا السؤال ويريدون تحويله إلى قضية يطول فيها الحديث إنما يهدفون إلى صرف نظر المجتمع عن الحقيقة وإشغاله بمماحكات على هوامش الحقيقة التي يعرفونها جيدا.. خلال اليومين الماضيين، قامت الجهات المسؤولة بإغلاق موقعين على شبكة الإنترنت، أحدهما تخصص في غريب الآراء وشاذ الفتاوى منذ فترة طويلة، ورغم ما واجهه الموقع من استغراب واستنكار لكثير مما يحتويه إلا أنه ظل مستمرا، ولم تتعرض له جهات الرقابة حتى عندما بلغ طرحه حدا لا يمكن استيعابه من الغرابة والشذوذ، وأصبح مثار التندر والسخرية لوسائل الإعلام الأجنبية وتوظيفها لمحتوياته في وصم مجتمع بأكمله بالغلو والتخلف واستثارة الآخرين.. ولعل عدم التدخل في وقت سابق رغم كل ما حدث جعل الموقع يتمادى في منح ذاته الحق في التدخل في أمور سيادية بإثارة اللغط حولها والتشويش على مفاهيم بعض البسطاء تجاهها.. هنا لا يصبح التسامح محمودا؛ لأن المسألة لم تعد حرية تعبير إيجابية بل سلبية وضارة ومتجاوزة للحدود التي يجب أن تحترمها.. أما الموقع الثاني، فللأسف الشديد، كان في ظاهره يمثل شريحة لها تقدير كبير وتأثير مهم في المجتمع، لكن تبين أنه يدار بطريقة مريبة أكدتها طروحاته وآراؤه وأفكاره التي لا يمكن منحها حسن الظن بأي حال، بعد أن كشفت عن أهدافها التي تعارض التوجهات الإصلاحية التنظيمية والتطويرية لمرفق القضاء وغيره من الشؤون الهامة التي وضعتها الدولة في برنامجها بعد دراسات متأنية وعميقة قام عليها ذوو العلم والخبرة والكفاءة.. اتضح أن عددا محدودا جدا من المناوئين لهذه التوجهات أباحوا لأنفسهم التخفي تحت واجهة القضاء ليسيؤوا له ولمنسوبيه بتلك الآراء التي لا تخفى أهدافها.. وهنا أيضا يصبح ضارا توظيف المساحة الهائلة التي أتاحتها التقنية للتعبير عن الرأي بهذا الشكل، ويكون عدم ضبطها سببا لفوضى التجاوزات.. البعض يعتقد أن حرية التعبير عن الرأي في كل أمر، حتى مع الجهل بكثير من جوانبه أو انطلاقا من نزعة مؤدلجة، يعتقد أن ذلك حق مشروع له حتى لو لم يختلف اثنان على ضرره البالغ على المجتمع، وتجاوزه لحدود الرأي الشخصي إلى منطقة لا تبت فيها سوى مؤسسات الدولة.. هناك فرق بين الحرية والفوضى.. وهناك فرق بين استخدام الحق المشروع في التعبير عن الرأي بحثا عما يفيد، واستخدامه لتحقيق نوايا مشبوهة وأهداف ضارة.. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 259 مسافة ثم الرسالة