معلمة من جنسية عربية قدمت إلى المملكة بغرض التدريس مستعينة بشهادة عليا مزورة منسوب صدورها إلى إحدى الجامعات في دولة عربية مجاورة وقدمتها إلى لجنة التعاقد في بلدها ووزارة التربية والتعليم في المملكة، مامكنها من العمل بموجبها، لكنها كشفت بعدما رفعت هيئة الرقابة والتحقيق في المنطقة الشرقية القضية إلى المحكمة الإدارية والتي حكمت عليها بتعزيرها بالسجن عاما وتغريمها 10 آلاف ريال مع إيقاف عقوبة السجن المقضي بها، حيث حكمت هيئة التدقيق بعدم قبول الاعتراض المقدم من زوجها شكلا وأصبح حكم الدائرة الجزائية واجب النفاذ ،وأيدت محكمة الاستئناف الإدارية في المنطقة الشرقية حكم المحكمة الإدارية، واستندت المحكمة في الحكم على القضية إلى المادتين الخامسة والسادسة من نظام مكافحة التزوير وقرار مجلس الوزراء رقم 222. 1399ه حيث اعترفت المعلمة بما نسب إليها وقدمت التماسا بأنها مريضة بالالتهاب وقدمت تقارير طبية تثبت ذلك إضافة إلى أنها تعول أسرة مكونة من ثلاثة أطفال معلنة ندمها الشديد على فعلتها. هذه القصص تكررت مررارا وتكرارا وكما سمعنا عن اكتشاف كوادر تمارس التدريس بعد سنوات عديدة من الغش والخداع . في المقابل يقف محمد حائرا بعدما علم أن أمواله ذهبت سدى وكذا سنتين من عمره بعد اكتشافه أن الشهادة التي حصل عليها من إحدى الجامعات غير معترف بها لأن الجامعة ببساطة غير موصى بها من قبل وزارة التعليم العالي رغم أن الجامعة معترف بها في بلدها. وعلى الطرف الآخر لايجد أحد المدرسين في إحدى مدارس وزارة التربية والتعليم حرجا في شراء شهادة دكتوراة من أحد الدكاكين لينضم لركب اللاهثين وراء الألقاب العلمية لشرائها والتزين بها في وسائل الإعلام والمجالس والأندية الأدبية والثقافية دون تقديم أي جهد علمي معتبر وذلك مقابل حفنة قليلة من الريالات ليحصل اللاهث على شهادة علمية مزينة بأكبر الأختام وأجملها عربية وأعجمية. بين الحالات الثلاث نظرة مجتمعية واحدة أن هذا الشخص قد حصل على شهادته دون وجه حق رغم أن الحالة الوسطى درست وتعبت وفي المقابل فإن الحالة الأولى والثالثة تدخل في دائرة الغش والتدليس والخداع. تفشي قضية شراء وتزوير الشهادات الجامعية تحولت إلى ظاهرة سلبية رغم عدم وجود أرقام تدل عليها مما دفع الدولة لمحاربتها خصوصا أنها تؤثر ضمنا على مستوى الثقافة الوطنية والمكانة الأكاديمية والإساءة للسمعة التربوية. فكانت أولى الخطوات من قبل وزارة التعليم العالي عندما حذرت من هذه الجامعات وطالبت بضرورة التأكد من حقيقة البرامج الخاصة بالدراسات العليا و الحصول على الشهادات الأكاديمية عن بعد قبل الالتحاق بها، مشيرة إلى أن دراسة أجراها وفريق عمل من الوزارة توصلت إلى دخول متاجرين يبيعون الوهم للدارسين، وطالبت بالبحث عن خلفيات هذه الجامعات الأجنبية الخاصة والبرامج التي تطرحها ومدى الاعتراف بها، مشيرة إلى وجود صفحة صممت خصيصا لهذا الغرض على موقع وزارة التعليم العالي ، وأضافت أن العديد من الجامعات الغربية والتي تحمل أسماء براقة ما زالت مستمرة في نشاطها بتسويق برامجها الجامعية دون ترخيص من الجهات المختصة، ولفتت الوزارة إلى أن الأمر بلغ حدا غريبا من الاستغلال بحيث أصبح بعض هذه الجامعات يبعث برسائل بريد إلكتروني لمن يرغب في شهادات مزيفة من جامعة وهمية وأختام براقة وأسماء لامعة تقترب من أسماء بعض الجامعات المرموقة مقابل مبلغ من المال، ولم تكتف الوزارة بذلك، بل وجهت الجامعات لتعزيز برامج الدراسات العليا لفتح المجال لعدد أكبر من الدارسين للالتحاق بها لسد النقص في الكوادر الوطنية من حملة الشهادات العليا، خاصة بعد توسع الوزارة في افتتاح الجامعات فضلا عن العديد من الكليات الجامعية في مختلف المحافظات. تعقيدات الوزارة لكن الكاتبة والأكاديمية الدكتورة ميسون الدخيل لم تقتنع بهذه الخطوات لأنها أرجعت سبب تفشي ظاهرة شراء الشهادات والحصول عليها من الدكاكين إلى صعوبة الحصول على درجة الماجستير والدكتوراة من الجامعات المحلية ووصولها إلى مرحلة التعقيد مما يؤدي إلى تراخي البعض ويندفع أصحاب النفوس الضعيفة إلى هذه (الدكاكين) للحصول على اللقب العلمي المنشود بغض النظر عن وضع الجامعة، مطالبة المؤسسات التعليمية بتسهيل برنامج الماجستير والدكتوراة وفتح الدراسة فيها لكل الأشخاص وبكل المستويات وفي أوقات مختلفة حتى في عطل نهاية الأسبوع أو الإجازات السنوية للتسهيل على من يتحملون مسؤولية كبيرة في الدراسات العليا والتخفيف عنهم، مفيدة أن هذا النظام مطبق في معظم جامعات العالم، وشددت الدخيل على أن بقاء النظام بتعقيداته يدفع اللاهثين وراء الدال للذهاب إلى هذه الدكاكين وهذا في حد ذاته خيانة للأمانة العلمية وخيانة للأمة والمجتمع والوطن. وأيد نائب رئيس لجنة الشؤون التعليمية والبحث العلمي في مجلس الشورى الدكتور أحمد آل مفرح رأي الدخيل حينما طرح تساؤلا مفاده «لماذا لا تتيح الجامعات السعودية للسعوديين مواصلة الدراسات العليا في الجامعات بشكل كبير مع وجود 24 جامعة ؟!» وتمنى آل مفرح أن تتاح الفرصة سواء للسعوديين أو لغير السعوديين للدراسة في جامعاتنا برسوم ممن لاتسمح لهم معدلاتهم، مبينا أن هذه القضية نوقشت في المجلس وهناك توجه بالأخذ بهذه التوصية لردم الفجوة، معللا ذلك بإغلاق الباب على من يريد الحصول على الشهادات العليا، ولفت آل مفرح إلى أن هناك معلمين بحاجة للحصول على شهادات عليا خصوصا أن مهنة التدريس بحاجة لتأهيل القائمين عليها حتى يكون عطاؤه أوسع وأشمل . وطالب آل مفرح بالتفريق بين من اشترى الشهادة وبعض من درسوا على حسابهم بشكل وقتي وجزئي، مرجعا سبب عدم اعتراف وزارة التعليم العالي ببعض الجامعات خصوصا البريطانية لأن الطالب البريطاني يعد إعدادا جيدا كباحث في مرحلة البكالوريوس ولايتطلب أن يدرس والطالب السعودي لايعد وهي تدرك هذه الفروق فتطلب حضورا وانتظاما جزئيا وهذا موضوع شائق وصعب . ووقف المستشار في وزارة التعليم العالي عضو هيئة التدريس في جامعة الملك سعود الدكتور محمد الحربي بشدة ضد رأي الدخيل وآل مفرح ،موضحا أن الجامعات منحت فرصا عديدة لإكمال الدرسات العليا من خلال نظام التعليم الموازي، لافتا إلى أن الجامعات بدأت تقبل في برامج الدراسات العليا من كان تقديره جيدا بعد أن كانت محصورة على تقدير الامتياز، مشيدا بدعم الدولة لنظام التعليم الموزاي بعدما تكفلت بمصاريف الدراسة للطلاب المنتسبين لخمس سنوات مقبلة، وأفاد أن الجامعات بدأت تقبل أعدادا كبيرة في الدراسات العليا بعد أن كانت الأعداد قليلة ومحصورة . إقفال الدكاكين وأمام الكم الكبير من حالات شراء الشهادات من قبل الدكاكين حذرت وزارة الداخلية من إعلانات تصدرها بعض الجهات للطلاب والخريجين والموظفين حول إمكانية حصولهم على درجات علمية في البكالوريوس والماجستير والدكتوراة من الخارج عن طريق الانتساب والتعليم عن بعد دون حاجة للسفر إلى الخارج، وأوضح التعميم أن الانتساب والتعليم عن بعد باحتساب الخبرات العلمية والعملية يتعارض مع ضوابط وشروط لجنة المعادلات في وزارة التعليم العالي ومنها الانتظام في الدراسة والتفرغ في بلد الدراسة، وطالب التعميم بإغلاق هذه المؤسسات والمكاتب التي تغرر بالمواطنين والمقيمين بحصولهم على شهادات لا يستفيدون منها، وضياع أموالهم وجهدهم ووقتهم، مع أخذ الضمانات اللازمة على القائمين بعدم الإعلان أو العودة لمزاولة هذا النشاط الأكاديمي، من جانب آخر أصدر وزير التربية والتعليم الأمير فيصل بن عبدالله أخيرا قرارا يمنع استخدام الألقاب العلمية في المخاطبات الرسمية إلا لحاملي الشهادات المعترف بها، وقد حرم هذا القرار مديري تعليم وستة قيادات إدارية في الوزارة وأكثر من 50 مشرفا تربويا وعددا غير معروف من المساعدين ومشرفي المراكز التربوية على مستوى المملكة من استخدام لقب (الدكتور) في كل المخاطبات الرسمية التي تصدر داخل الوزارة. وأشار القرار بأن استخدام الألقاب العلمية سوف يعرضهم للمساءلة القانونية، ما لم يثبتوا حصولهم على الشهادات العلمية وفقا لمعايير وزارة التعليم العالي. تضليل الناس لكن البعض تعذروا بأنهم وقعوا فريسة لهذه الجامعات وهو ماأكده رئيس جامعة أم القرى الأسبق الدكتور سهيل بن حسن قاضي بأنه لايمكن أن نجمع الكل في إطار واحد لأن من يذهب لمثل هذه الجامعات إما أناس مضللون لايعرفون حقيقة هذه الجامعات وهذه الفئة هي التي يجب أن نخشى عليها وأن تحمى، مطالبا الإعلام بكشف ألاعيب هذه الجامعات وطرف تحايلها، وأشار إلى أن الفئة الثانية يعرفون هذه الجامعات ولكنهم يريدون الحصول فقط على شهادة جامعية أو لقب أكاديمي بغض النظر عن أحقيته بهذه الشهادة وطريقة الحصول عليها بحثا عن المباهاة والبرستيج فقط مشددا على أنها تعتبر جريمة علمية وأن من يقدم عليها يبحث عن إرضاء الغرور في داخله. رئيس المحكمة الجزئية في الرياض الدكتور صالح آل الشيخ بين أنه إذا حصل للشخص تلاعب وغش وتدليس من قبل الجامعة التي يتعامل معها أو يدرس فيها فإنه يحق له أن يقاضيها في المحكمة الجزئية ويطالب بالتعويض على الضرر الذي يحصل له إذا أخلت الجامعة بالشروط المتفق عليها، موضحا أن لكل قضية ملابساتها الخاصة فينظر القاضي فإذا تبين له أنه ضلل وضحك عليه فإنه يحكم له باسترداد المبلغ . ورأى آل الشيخ أن هذه المسألة أكبر من التضليل لأن الرجل إذا وصل لدرجة الدكتوراة يجب أن يكون له وعي وإدراك ويفرق بين الغث والسمين، مشددا على أن الإنسان الذي يريد مواصلة تعليمه لابد أن يختار الجامعة الصحيحية، موضحا أن الشهادة ليست مطلوبة لذاتها وإنما زيادة التعلم والمعرفة، مبينا أن وزارة التعليم العالي لديها ضوابط محددة وواضحة تقي الناس من الوقوع في شرك هذه الجامعات. ضوابط قوية واتفق نائب رئيس اللجنة التعليمية في مجلس الشورى الدكتور أحمد آل مفرح مع طرح آل الشيخ بأن ضوابط وزارة التعليم العالي محددة وواضحة، مبينا أن مجلس الشورى سبق وناقش هذا الموضوع عندما تمت مناقشة تقرير وزارة التعليم العالي، مؤكدا أن الوزارة لديها نظام وضوابط واضحة ومعلنة وقوية تمنع وقوع الناس في تضليل هذه الجامعات، وبالتالي لايمكن لمجلس الشورى أن يصدر قرارا في ظل وجود تنظيم صارم وقوي . ولفت آل مفرح إلى أن وزارة الخدمة المدنية لديها كذلك ضوابط وشروط للحصول على وظيفة بالشهادة التي يحملها منها الاعتراف الأكاديمي والتفرغ في الدراسة والبقاء بنسبة معينة في البلد التي يدرس فيها حتى نضمن خريجا جديرا بحمل اللقب ومعرفيا بتدريس المادة لغيره، مشيدا بتحرك وزارة التربية والتعليم في الحد من هذه الظاهرة خوصصا أن ميدان التعليم حساس وهو وظيفة حكومية تختلف عن القطاع الخاص. لكن الكاتب والإعلامي عبدالله الكعيد قلل من الضوابط بقوله «سبب جماهيرية هذه الجامعات أننا دفعنا بعض ضعاف النفوس إليها بقصد أوبغير قصد عبر توزيع المناصب العليا في وظائفنا على أصحاب الشهادات العلمية العليا والألقاب الرنانة بغض النظر عن الكفاءة وجودة الأداء مما دفع الكثيرين من الحالمين واللاهثين وراء منصب رفيع لشراء شهادة علمية عليا من أجل الحصول على المنصب المزعوم». هذا الرأي دحض قبل أيام عندما وضع وزير التربية والتعليم الأمير فيصل بن عبد الله في بيان شديد اللهجة حدا لتجاوزات مسؤولي الوزارة ومديري التربية في حصول بعضهم على شهادات دكتوراة غير معترف بها، مشددا على عدم اعتماد الشهادات العلمية دون ابتعاث أو الاستفادة من الألقاب الأكاديمية، ما لم تكن الجامعة معترفا بها من وزارتي التعليم العالي والخدمة المدنية، ولفت الوزير إلى أن عدم الالتزام سيكون سببا للنظر في موقع المسؤول عن تلك الجهة، وكانت «عكاظ» قبلها قد رصدت بعض الحالات لمديري تعليم ومشرفين يحملون شهادات فاقدة الاعتراف . جريمة تزوير ووصف الباحثان الشرعيان الدكتور محمد بن موسى الشريف والدكتور محمد بن سعد العصيمي الحصول على هذه الشهادات بعملية التزوير وهي جريمة يؤاخذ عليها الشرع مؤاخذة شديدة لأنها أولا شهادة زور والنبي صلى الله عليه وسلم شدد كثيرا على جرم هذه الشهادة، وهذا يكفي في تجريمها وتدخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم (المتشبع بمالم يعط كلابس ثوبي زور) يعني أن الذي يزعم ماليس عنده فهو كلابس ثوبي زور كأنه متلبس بأمري زور. وبين الشريف أن النظام يعاقب من يفعل ذلك لأنه محرم، وأفاد الشريف أن من اشترى شهادة يريد بها وظيفة فماله حرام يمحق الله بركته، إضافة لفضيحته في المجالس إذا درس بها في الجامعات أو في المعاهد أو تصدر في مكان ما لأن هشاشته ستظهر أنه لايملك شيئا أو أنه فارغ. وبين الشريف أن المزور يجمع بين آثام كثيرة منها الإضرار بالمستحقين للوظيفة التي تولاها وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة). وقسم أستاذ الفقه الدكتور محمد بن سعد العصيمي الحاصل على الشهادات الوهمية إلى قسمين: الأولى أن يكون الأمر الذي يعمل به مبني على شهادته فإن كانت الشهادة وهمية فإن الأجر الذي يأخذه عليها يكون حراما ، وأضاف «أما إذا كان الأجر الذي يحصله من العمل قائما على العمل لا على الشهادة التي يحصل عليها فلا حرج عليه في ذلك» وشرح وفسر العصيمي كلامه قائلا «الذي يأخذ أجرا على هذه الشهادة إما أن يترتب العمل على كامل الشهادة وتكون وهمية ويكون الأجر حراما لأنه يأخذه على أمر غير حقيقي، وإذا كان يعمل بشيء مما وفرته له الشهادة المزورة فيكون ماله حراما بحسب ما استفاد من الشهادة المزورة» . فضائح خارجية لم تعد هذه الظاهرة مقتصرة على السعوديين في الداخل، بل طالتهم في الخارج وفق مانشرته صحيفة أمريكية تدعى صحيفة سبوكسمان ريفيو (Spokesman-Review)، حيث حوت قائمة بأسماء عشرة آلاف شخص وضعتهم وزارة العدل الأمريكية في قائمتها السوداء نظرا لشرائهم شهادات دراسية مزورة من «متجر للشهادات» في العاصمة واشنطن ، وبحسب «أريبيان بزنس» تواجد على القائمة أكثر من 180 شخصا من الخليج بلغ عدد السعوديين منهم 69 بينما بلغ عدد الإماراتيين 68 شخصا بنقصان شخص واحد فقط عن السعوديين. ويتواجد أيضا على القائمة 13 عمانيا و 12 بحرينيا بالإضافة إلى أربعة قطريين. وذكرت تقارير صحفية أن قيمة الشهادات المصدرة كانت تترواح بين مئات وألوف من الدولارات بحسب نوع الشهادة. وبلغت تكلفة الحصول على شهادة الدكتوراة 8000 دولار أمريكي. هذه الأرقام والفضائح اعتبرها مدير جامعة الملك عبد العزيز الأسبق الدكتور غازي بن عبيد مدني سرقة وقلة أمانة علمية وأخلاقية وفضيحة يجب أن يقابل الحاصلون عليها بردع قوي وصارم ومتابعتهم وتجرديهم من هذه الألقاب العلمية، وشبه مدني هذه الجامعات بالخمر من حيث معاقبة شاربه وبائعه وشاريه وكل مشترك في نقله، مشددا على أن القائمين على هذه الجامعات مجرمون حقيقون يسيئون للتعليم، ورأى مدني أن شراء الشهادات الجامعية سابقة لم تحدث في التاريخ حتى قبل الجامعات حينما كان العلماء والمشايخ يمنحون الشهادات للطلبة في حلقات الذكر ،وطلب العلم حيث كان العلم نزيها وبعيدا عن التدليس والتزوير، وطالب مدني الجهات العليا التحري من صحة بعض حاملي الألقاب العلمية ومصادرتها في حالة التأكد من عدم صلاحية الجامعات التي تحصلوا منها على شهادتهم العلمية، وكشف هذه الجامعات وقفلها ومعاقبة أصحابها والتشهير بهم لأن هناك أشخاصا كثيرين يخشون من التشهير أكثر من خوفهم من العقاب . وأكد مدني أن انتشار هذه الجامعات أمر يجب عدم السكوت عليه وعدم مجاملة أحد على حساب العلم والتعليم، فهذه أمور مقدسة يجب عدم المساس بها، ومن الضروري معاقبة كل من لهم صلة بهذه الجامعات والتشهير بهم. شراء البحوث تهمة شراء الشهادات لاتشمل فقط الجامعات الوهمية أو غير الموصى بها لكنها تشمل الجامعات المحلية. وذلك من خلال شراء البحوث الجاهزة وتقديمها على أنها من صناعة الأكاديمي وهو ما أكده رئيس قسم اللغة العربية في كلية الآداب في جامعة الملك عبد العزيز الدكتور عبدالله السلمي حين أرجع أسباب انتشار مثل هذه الظاهرة المؤلمة في بلادنا إلى سببين رئيسين أولهما: الضعف العام في مستويات التعليم المختلفة، والتساهل بأي شكل مع هذه النوعية من الطلاب حتى يصلوا إلى برنامج الدراسات العليا، وبعدها يجد الباحث نفسه في مأزق حقيقي فيبحث عن الذين ينتشلونه من هذا المأزق»، مضيفا «هنا يأتي السبب الثاني والذي يتمثل في عرض بعض المكتبات والقرطاسيات خدماتها بسعر أقل وفي وقت وجيز، مما يشعر بعض الباحثين المتورطين في مثل هذا العمل بسهولة الموضوع ويسره، وسرعة إنجازه أيضا، ولا يتصور مثل هذا العبث العلمي إلا عند غياب الضمير العلمي عند الباحث، وكذا غياب دور المؤسسات الرقابية والحكومية في الحد من هذه الظاهرة» . وأوضح السلمي أن هذه الظاهرة ليست خاصة ببلادنا؛ بل هي أشبه بفيروس أصاب البلاد العربية بشكل ظاهر وواضح؛ بل وبعض جامعات أوروبا هناك من يقدم هذه الخدمات، مبينا أن جامعاتنا العربية تمتلك وسائل القدرة على النجاح والتفوق، ورأى السلمي أن الإقدام على (بحوث التيك أوى (Take Away) أو شهادات الشنطة) يعد عملا غير مشروع من الناحية الشرعية والسلوكية والعلمية، فهو عمل قائم على الغش والتدليس والتبجح العلمي، ويترتب عليه مفاسد ومضار قد أصابت العملية التعليمية بالتسوس والتآكل، حتى بات الجهل شائعا ومنتشرا بين حملة الماجستير والدكتوراة، ونبه السلمي من هذه النوعية بقوله «إنها تمثل خطرا عظيما على المجتمع في مختلف المناحي الفكرية والثقافية والسلوكية والأدبية والعلمية» ، داعيا لتجريم هذا الأمر وسحب الدرجات العلمية في الحالات التي يتبين أنها خالفت ضميرها ودينها ووطنها، وأن تطبق عليها عقوبات قاسية حتى تكون رادعة لغيرها. جواز السفر وكشف مستشار الهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأكاديمي الدكتور صالح القحطاني في تصريح سابق قيام بعض الجامعات المعترف بها إرسال بعض الدكاترة إلى بعض المكاتب والجامعات الوهمية للإشراف على هؤلاء الطلبة والتغرير بهم، مبينا أن هذه الجامعات تمنح الشهادات دون سفر أو دوام رسمي، وتصدر الشهادات مصدقة ومختومة بأكبر الأختام، مستدركا «أغلب هذه البرامج غير سعودية» . وعن طريقة تعديل الشهادة قال الدكتور صالح «يتأكّد أولا من الجامعة التي حصل منها على شهادته ويتأكّد كذلك من جواز سفره والأختام التي عليها في حالة كون الشهادة لجامعة خارجية، فالوزارة لا تقبل تعديل أي من هذه الشهادات إطلاقا». واعتبر القحطاني انتشار مثل هذه الشهادات خطرا على المجتمع؛ لأنه يصبح كل من هب ودب دكتورا، ويتساوى كل من بذل جهدا في تحصيل الدرجة العلمية ومن اشتراها بماله. اختلاط المفاهيم وفي ظل الحملة على هذه الجامعات الوهمية اختلطت المفاهيم بين التعليم المفتوح والتعليم عن بعد ونظام هذه الجامعات التي تبحث عن الخبرة فقط، مما استدعى الدكتور سهيل قاضي لإزالة هذا اللبس بقوله « نظام التعليم المفتوح المنظم يختلف كليا عن هذه الجامعات التي تعمل بلامنهجية ولانظام، فالتعليم المفتوح شهادته موثقة ومعتمدة عالميا، أما أمثال هذه الجامعات فهي أشبه بالدكاكين التي يذهب لها البعض طمعا بلقب علمي للتفاخر أو المباهاة فيه أمام المجتمع وهذا من الأمراض المنتشرة في مجتمعنا للأسف الشديد. وهو ما أوضحه الكاتب عبد الله الكعيد حين قال «هناك خلط كبير بين التعليم المفتوح والتعليم عن بعد والجامعات التي تبيع الشهادات، فهناك جامعات نظامية وجيدة ومعترف بها تطبق نظام التعليم عن بعد والتعليم المفتوح، فالتعليم اليوم ليس مدرجا في جامعة يجب على الطالب التواجد فيه وحضور المحاضرات، وإنما التعليم اليوم أصبح البحث عن المعلومة وتحليلها باستخدام طرق البحث العلمي وهذا الأمر لايتطلب حضور الطالب إلى الجامعة» . خاص وعام وفسر المحامي والمستشار القانوني الدكتور ماجد قاروب الفرق بين الحاصل على هذه الشهادة والذي يعمل في القطاع الخاص أو العام بقوله «إذا كان أخذ هذه الوظيفة في القطاع الخاص فيحق لصاحب العمل إلغاء العقد إذا كان توظيفه مبني على حصوله على الشهادة المزورة»، وأضاف أما في الجهات الحكومية فيفصل من العمل ويحال إلى الجهات المختصة ويحاكم بالتزوير في المستندات الحكومية» ، وأفاد قاروب أنه يجب أن نفرق بين التزوير في الشهادة وبين الشهادة الحقيقية، لكن من جامعات غير معترف بها، فالحصول على شهادة غير معترف بها لا إشكال فيه ولا يمثل مخالفة قانونية إذا لم يتقدم إلى الوظيفة بناء عليها.