لإيجاد تفسير لحالة الفوضى النظامية التي تسود عددا من المجتمعات العربية، أرى من الضروري النظر إلى البيئة الاجتماعية التي ساعدت على فرض واقع السلوكيات السلبية. فكثير من القوانين والأنظمة المسيرة لحياة الناس ومعاشهم، كتبت بعناية وتفصيل، بيد أنها أودعت الأدراج، وظلت حبيسة المجلدات، أو لم يتم تفعيلها بشكل يفرض احترامها ويضمن متابعة أدائها في تلك المجتمعات. فبعض الأنظمة الحياتية، التي ترتبط بسلوكيات الناس اليومية، يتم اختراقها وتجاهلها ممن يكرسون ثقافة «أنا فوق القانون»، فيزعمون أن الأنظمة أداة لقمع الآخرين، وإظهار الفوارق بين أطياف الناس. ولأن بعض تلك القوانين «ضبابية» الوصف، اخترقها بعض المتنفذين لصالحهم ومن يحبون، ونفذوا بعض بنودها على من أرادوا، ثم أفلتوا بفعلتهم من عين الرقابة الخجولة، فتأكد لدى كثير من الناس سلطة الأفراد، وتعززت قناعاتهم بمبدأ «الواسطة» في بيئة اجتماعية خاملة، ترهلت أنظمتها، ولم تترك للإبداع متنفسا. فليس بمستغرب إذن، أن يقوم بعضهم ب«تحدي» الأنظمة المرورية في وضح النهار، ورمي النفايات في وسط الطريق، وإساءة استخدام الممتلكات العامة، وإهمال مسؤولياتهم الوظيفية، فتلك ردة فعل سلوكية على قمع بعض الأنظمة الاجتماعية والإدارية التي تعتمد الانتقاء أسلوبا، وتعبير عن سخطهم في صورة أشبه بالتشفي الاجتماعي، نتيجة لعقد أفرزها المجتمع نفسه، ضحيتها أفراده، من التزم منهم بالنظام ومن لم يلتزم. تأسيسا على ماتقدم أود طرح هذا التساؤل: هل لزاما على عدالة القانون أن تكون «عمياء»؟ هناك من يقول: نعم، حتى لا يميز القانون بين الناس، ولا يبصر ما بينهم من فروقات اجتماعية، ولا يفرق بين الأبيض منهم والأسود، ولأن الواجب أن لا يجامل أحدا على حساب الآخر، فالناس سواسية أمام الله ثم أمام القانون. أما وجهة النظر الأخرى فتقول: يجب على القانون أن يكون حاد البصر نافذ البصيرة، مراقبا لتصرفات الجميع وضابطا لها، لايفوته تقصير أحد، بل تطال عينه ويده كل الفئات الاجتماعية، بغية تحقيق العدالة دون تمييز. في رأيي، ليس من المهم أي الرؤيتين أصح، إذ يكفي للمجتمع تحقيق إحداهما على أرض الواقع، ليتحقق المزيد من أمن العباد والبلاد واسقرارهم. *استشاري الأمراض الصدرية واضطرابات النوم في مستشفى الحرس الوطني في جدة [email protected]