المربع الجديد: وجهة لمستقبل التنمية الحضرية بالمملكة    القاهرة : لاتراجع عن دعم دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل    «الحج والعمرة»: لا تصاريح عمرة ابتداء من 16 ذو القعدة وحتى 20 ذو الحجة    «تعليم الطائف»: اعتماد حركة النقل الداخلي للمعلمين والمعلمات    سفارة المملكة في قرغيزستان تحذر المواطنين بأخذ الحيطة والحذر والابتعاد عن أماكن التجمعات    دراسة: الشركات الألمانية لا تسوق للسيارات الكهربائية بشكل جيد    توطين تقنية "الجينوم السعودي" ب 140 باحث سعودي    «المركزي الروسي» يرفع الدولار ويخفض اليورو واليوان أمام الروبل    بسبب الجوال.. صدمة كهربائية كادت أن تودي بحياة مراهق أمريكي    سان جيرمان يسعى لفوز شرفي لتوديع مبابي    استمرار هطول أمطار على جازان وعسير والباحة ومكة والمدينة    "تيك توك" تزيد مدة الفيديو لساعة كاملة    جيرارد: فخور بلاعبي الاتفاق    نيفيز: الهلال لا يستسلم أبدًا    آلية الإبلاغ عن الاحتيال المالي عبر "أبشر"    "الذكاء" ينقل مبادرة طريق مكة إلى عالم الرقمية    تيليس: ركلة جزاء الهلال مشكوك في صحتها    السمنة والسكر يزيدان اعتلال الصحة    مهارة اللغة الإنجليزية تزيد الرواتب 90 %    الهلال يتعادل مع النصر في الوقت القاتل في دوري روشن    رئيس جمهورية موريتانيا يغادر جدة    موعد والقناة الناقلة لمباراة الأهلي والترجي اليوم في نهائي دوري أبطال إفريقيا    ضمك يتعادل مع الفيحاء إيجابياً في دوري روشن    رقم جديد للهلال بعد التعادل مع النصر    الصين تستعرض جيش "الكلاب الآلية" القاتلة    «الدفاع المدني» محذراً: ابتعدوا عن أماكن تجمُّع السيول والمستنقعات المائية والأودية    المنتخب السعودي للعلوم والهندسة يحصد 27 جائزة في «آيسف 2024»    الأمير سلمان بن سلطان يرعى حفل تخرج طلاب وطالبات البرامج الصحية بتجمع المدينة المنورة الصحي    مستقبلا.. البشر قد يدخلون في علاقات "عميقة" مع الروبوتات    العلماء يعثرون على الكوكب "المحروق"    طريقة عمل مافن كب البسبوسة    طريقة عمل زبدة القريدس بالأعشاب    طريقة عمل وربات البقلاوة بحشو الكريمة    ضبط مقيم ووافد بتأشيرة زيارة لترويجهما حملات حج وهمية ومضللة بتوفير سكن ونقل للحجاج    تأكيد مصري وأممي على ضرورة توفير الظروف الآمنة لدخول المساعدات الإنسانية من معبر رفح إلى غزة    تدشين أول مهرجان "للماعز الدهم" في المملكة بمنطقة عسير    ولي العهد في المنطقة الشرقية.. تلاحم بين القيادة والشعب    السالم يلتقي رواد صناعة إعادة التدوير في العالم    «تعليم جدة» يتوج الطلبة الفائزين والفائزات في مسابقة المهارات الثقافية    المملكة تتسلم رئاسة المؤتمر العام لمنظمة الألكسو حتى 2026    أمر ملكي بترقية 26 قاضيًا بديوان المظالم    الإعلام الخارجي يشيد بمبادرة طريق مكة    ‫ وزير الشؤون الإسلامية يفتتح جامعين في عرعر    النفط يرتفع والذهب يلمع بنهاية الأسبوع    قرضان سعوديان ب150 مليون دولار للمالديف.. لتطوير مطار فيلانا.. والقطاع الصحي    «الأحوال»: قرار وزاري بفقدان امرأة «لبنانية الأصل» للجنسية السعودية    رئيس الوزراء الإيطالي السابق: ولي العهد السعودي يعزز السلام العالمي    محافظ الزلفي يلتقي مدير عام فرع هيئة الأمر بالمعروف بالرياض    الكليجا والتمر تجذب زوار "آيسف 2024"    جامعة الملك خالد تدفع 11 ألف خريج لسوق العمل        مدير عام مكتب سمو أمير منطقة عسير ينال الدكتوراة    حراك شامل    الشريك الأدبي وتعزيز الهوية    صالح بن غصون.. العِلم والتواضع    العام والخاص.. ذَنْبَك على جنبك    أمير تبوك يرعى حفل جامعة فهد بن سلطان    خادم الحرمين الشريفين يصدر عدداً من الأوامر الملكية.. إعفاءات وتعيينات جديدة في عدد من القطاعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أخطأت فاستقلت والأجواء ما زالت ملوثة
حوار الأسبوع تصفحت الإنترنت على مدى سنتين في الأمانة .. د. إبراهيم عالم يكشف ملابسات خروجه من الباب الضيق ل «عكاظ»:
نشر في عكاظ يوم 23 - 10 - 2009

سبع سنوات من نار الصمت لم تطفئ أو تخفِ الدخان المتصاعد من حديث الدكتور إبراهيم عالم وكيل أمين جدة السابق للخدمات، الذي استقال نتيجة كبوة جواد ارتبطت بمسؤوليته عن تقصير شركة النظافة عام 1423ه .. فالرجل، الذي كسب شهرته بعد الرحلة العلمية التي شاركه فيها الدكتور مصطفى معمر إلى القطبين الشمالي والجنوبي، وجد نفسه في لحظة الرقم الصعب في أمانة جدة، فكانت له صولات وجولات اصطدمت على مدى سنتين بفكر مختلف مع الدكتور نزيه نصيف ليخرج من دائرة الضوء إلى ركن العتمة بعد أن سحبت منه كل الصلاحيات وتحول إلى مستشار لم يجد ما يشغله على مدى سنتين إلا العودة إلى التدخين وتصفح شبكة الإنترنت.
الدكتور عالم الذي بلغ الستين من العمر أثناء إجراء هذا الحوار يجد نفسه اليوم أمام مهمة تطوعية بحتة تشغل جزءا من وقته لحماية البيئة السعودية ومشاريع شخصية تدر عليه في الوقت المتبقي عشرة أضعاف ما كان يستلمه من راتب منصبه السابق .. فتح لي جراح التلوث وهموم البيئة وتفاصيل عالقة ومعلقة على جدران الجهات المسؤولة وفي فحواها وتفاصيلها حجار تحرك الكثير من المياه الراكدة في مدينة جدة وما حولها تحديدا .. فاجأني بتفاصيل تنشر لأول مرة عن منشأه ووالده ..
ولدت في حارة الشبيكة عاشرا لأب كان يعمل طبيبا باطنيا وجراحا مع الملك عبد العزيز طيب الله ثراه ، وكان والدي حريصا على تعليمنا بشتى الوسائل، ومما قالته لي أختي الكبرى التي ناهزت الخامسة والسبعين من العمر إنها عندما ولدت جف الحليب عند والدتي، فكانت تبكي بحرقة، فسمعها الملك عبد العزيز فأمر بشراء بقرة وسيارة لنقلها حيثما يتجه الملك لكي يتوفر الحليب لأختي الكبيرة، حيث كانت والدتي تتنقل مع والدي برا في كل المناطق التي يتحرك فيها موكب الملك المؤسس رحمه الله ، وقد اعتدت على خدمة الحجاج والمعتمرين منذ الصغر، ونمت هذه المسألة لتمتد إلى خدمة المجتمع، فكنت أحد أفراد الكشافة في مواسم حج عديدة، وأسست فرقة عندما التحقت بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، ولا أنسى أن أول لعبة اشتريتها في طفولتي كانت عبارة عن معمل حقيقي لعمل التجارب الكيميائية، ويبدو أن من شب على شيء شاب عليه فعلا.
• عرفك الناس عندما قمت مع زميلك الدكتور مصطفى معمر برحلة علمية للقطبين الشمالي والجنوبي ثم خبا بريقك بعد ذلك؟
الرحلة التي قمنا بها قبل عشرين عاما لم يكن هدفها تجاري، بل كانت رحلة هدفها تسخير العلم لخدمة الإنسانية، وتمت في ظل التعاون الدولي بين عدة دول، وقد نشرت نتائجها في مجلات محكمة علميا، وأعتقد أن الناس عرفوني أكثر بعد رحلة القطب الجنوبي مع أنني قمت برحلات مهمة جدا بعدها مع مجموعة يابانية لمدة ثلاث سنوات كنت فيها رئيسا للفريق العلمي للمنظمة الإقليمية لحماية البيئة البحرية، ومررنا بمراحل خطرة جدا في تحركاتنا نتيجة لوجود ألغام في مياه الخليج وخلافات سياسية، وكان لهذه الرحلات دور كبير في معرفتي على مستوى العالم أكثر من رحلة القطب الجنوبي، وكنت وما زلت أدعى لإلقاء محاضرات في أمريكا وأستراليا وأوروبا وآسيا وبعض الدول العربية.
• لم تكرم كما كان متوقعا بعد هذه الرحلة التي امتدت لثمانية أشهر؟
من سوء حظنا أن حرب الخليج اندلعت إثر الغزو العراقي للكويت، فانشغل العالم كله وليس منطقتنا فقط بأصداء ما حدث، ولكنني كرمت من قبل منظمات كثيرة في الخارج مثل المنظمة الإقليمية لحماية البيئة البحرية وكسبت جائزتهم عام 1996م مشاركة مع مركز أبحاث الكويت للعلوم والتكنولوجيا، كما كرمت من مركز التعاون الأوروبي في الاسكندرية ورشحت للعديد من الجوائز.
• ثم جاءت سنواتك التسع في الأمانة كوكيل الأمين للخدمات لتكون القشة التي قصمت ظهر البعير؟
بدايتي كانت مشجعة وممتازة مع الدكتور خالد عبد الغني، وانطلقت بكل الحماس للعمل؛ لأنني استشرت في المنصب فأبديت رغبتي وظل الدافع لدي قويا لخدمة بلدي إلى أن جاء الدكتور نزيه نصيف فحدثت المفارقة؟
• والسبب؟
الدكتور نزيه نصيف رجل فاضل، وعندما جاء إلى الأمانة ورث حملا ثقيلا، وأشكره على ما قاله في حوار سابق معكم من أننا شخصان مختلفان، وما زلت أتذكر أنه كان يقول لي إن «مطبخه حار» وعنده تغييرات شديدة، وعندما استلم العمل كانت لديه فكرة طيبة عن الأمانة، لكن التفاصيل الدقيقة لم يكن يعلمها إلا القائمون بالعمل في المطبخ الحقيقي للأمانة.
• هذا يعني أنه لم يكن بينكم مساحة التقاء للتفاهم؟
التفاهم تم عن طريق المعاملات الرسمية فقط.
• هل بينكم تراكمات سابقة أو أن للحرس القديم دورا في ذلك؟
إطلاقا لم يكن بيننا شيء، المسألة ببساطة اختلاف في طريقة العمل المهني بين شخصين مختلفين، ولم يكن للبطانة دور.
• ولكنك تقبلت الوضع ولم تستقل إلا في فترة الدكتور عبد الله المعلمي؟
أنا لا أحب الانهزام أمام المشاكل، وعندما عرض علي أن أستقيل رفضت ذلك وفضلت البقاء.
• الغريب أنك عينت وكيلا للأمين بقرار من مجلس الوزراء، وسحبت صلاحياتك من قبل الأمين؟
كتبت له ذلك على خطاب تحويلي إلى مستشار، وقلت له إن هذا الأمر غير نظامي، ثم قابلت الوزير السابق محمد بن إبراهيم الجار الله، وبعد عدة أشهر من اعتراضي جاء خطاب الوزير بأن أكون مستشارا تأييدا لموقف الأمين.
• وكيف تعاملت مع الوضع؟
كنت مقيدا في المنصب الجديد أكثر من منصبي السابق كوكيل، ومن كثرة وقت الفراغ الذي عانيت منه عدت إلى التدخين وما زلت، وحاولت أن أشغل نفسي على مدى سنتين بالبحث عن أفكار تطويرية لمدينة جدة، وتصفح الإنترنت لأطور نفسي داخليا بقراءة أنظمة الهيئة الأمريكية للبيئة، ولم يكن لدي أية إمكانية للعطاء، فبقيت على هذا الحال حتى جاء الدكتور عبد الفتاح فؤاد، فاستعدت صلاحياتي، وعاد لي المسمى الوظيفي، واستمتعت بالعمل بعد ذلك مع الدكتور عبد الله المعلمي الذي أحببته؛ لأنه كان مؤدبا ومرتب الأفكار، ولديه بعد نظر في الاتصالات بين البلديات الفرعية والتخطيط لخمس وعشر سنوات مقبلة، وطريقته في العمل مريحة جدا.
• ولكنك غادرت من الباب الضيق للأمانة باستقالة مسببة؟
استقلت لأنني شعرت بالذنب لعدم اتخاذي موقفا حازما من شركة النظافة المسؤولة عن مدينة جدة، وكانت موافقتي مشروطة بزيادة عدد السيارات والعمالة، وأعترف أنني تسامحت معهم كثيرا لمنحهم مزيدا من الوقت وأخطأت في ذلك، فيما كان زميلي المهندس هشام عابدين يحثني على التشدد معهم ومع شعوري بالحرج وتفاقم المشكلة استقلت.
• وهل يجب أن يكون الوكلاء هم شماعة الأخطاء في الأمانات؟
هكذا جرت الأمور، وشعرت في لحظة أنني يجب أن أترك هذا العمل، وكنت متضايقا بشدة مما حصل؛ لأن هفوة واحدة فقط تضيع عليك كل عطاء السنوات السابقة، فقررت أن أرتاح لأكون رئيسا لنفسي وبصلاحيات لا تحد من طموحاتي.
• كأنك تشير إلى شيء؟
الصلاحيات كانت تضع حدودا لكل شيء، وهناك مسؤولون أكبر مني، وأنا تعاملت مع كل الأمناء على أننا جميعا مجردون من المصلحة الشخصية، وأعتقد أن مثل هذه المسؤولية لاينبغي أن يقوم بها وكيل الأمين بمفرده.
• بمعنى أنهم تركوك لتذهب كبش فداء؟
لم يطلب مني أحد أو يضغط علي لأكون ضحية لهذا الموضوع، ولم أقدم الاستقالة كرها في الأمانة، ولكن الشركة ذات السمعة الكبيرة خذلتنا جميعا، وما زلت أتذكر مواقف معينة حاولت أن أحل فيها المشاكل بطريقتي الخاصة؛ لكيلا يتضرر المواطن، فقد حدث تحويل بين مقاول سابق ولاحق في جنوب جدة وما بين الاستلام والتسليم تعثر مشروع النظافة اليومي فاضطررت لدفع عشرة آلاف ريال من جيبي الخاص لأحد المتعهدين لشراء أكياس القمامة دون أن يعلم أحد بهذا الأمر، وإن كان لي من كبوة في الأمانة بسبب هذه الأزمة فإن سنوات وجودي فيها تشهد لي بشيء من الخبرة ويشهد لي بذلك سمو الأمير سعود بن عبد المحسن أمير منطقة حائل حاليا، خصوصا في مواسم الأمطار في مدينة بنيتها التحتية «تعبانة» وتحتاج إلى انتفاضة لرفع مستواها الحضاري.
• هناك من يقول إنك لم تقدم لجدة أكثر من سمعتك بعد رحلة القطبين الشمالي والجنوبي؟
أنا رجل متخصص في قضايا البيئة، وعندما عينت وكيلا للخدمات مع الدكتور خالد عبد الغني وجدت كل الدعم إلى أن غادر منصبه فعملت مشروع الكروت الصحية وتدوير النفايات وتنقية المياه الصحية وكلها أشياء جديدة لم تكن موجودة في الأمانة، بالإضافة إلى نقل التقنية، فوكالة الخدمات عندما استلمتها عام 1994م كانت مهملة والعاملون فيها يعملون على الآلة الكاتبة، فأدخلنا الكمبيوتر، وطورنا مستوى العاملين، وأنا لا ألوم أي أمين على هذا الوضع، فالعملية تراكمية وإرث يتحمله لاحق من سابق.
• المشكلة في الأكاديميين الذين امتلأت بهم الأمانة؟
أنا أكاديمي في الأساس، وكانت لي هفوات بحسن نية، ولكن هذا لا يلغي ما قمت به من أعمال أهمها نقل سوق الأنعام من مكانه السابق حماية للبيئة بعد ان تكررت شكاوى سكان الأحياء المجاورة ومشروع تدوير النفايات.
• السؤال الأهم .. لماذا تغير جدة أمناءها؟ وهل تكفي أربع سنوات ليقدم الأمين شيئا لمدينة مشاكلها متجذرة؟
أي أمين إذا لم تكن لديه إمكانيات وصلاحيات فلن تكفيه عشر سنوات للعطاء، وفي فترات سابقة ظلت الحاجة دائمة للتقنين لوجود مستخلصات لبعض الشركات التي توقف عمالها عن العمل لعدم دفع رواتبهم على خلاف الفترة الحالية التي تتوافر فيها الموارد والإمكانيات.
• ولكنك كلفت بالعمل أمينا لمدينة جدة أكثر من مرة؟
على فترات قصيرة لا تتجاوز الأسبوع، وظللت بعيدا في تأدية عملي عن ملف المنح تحديدا لما له من مشاكل يومية.
• البعض يعتبره نفقا مظلما لأي أمين؟
والله كنت حريصا على البعد عن هذا الملف لدرجة أن المنح التي جاءتني من الجامعة أو التي قدمت لي بعد الرحلة العلمية تم تطبيقها مثل أراضي جميع المواطنين في الرحيلي ومخطط (505) وأبعد من ذلك ولم أميز نفسي بشيء كما يفعل البعض.
• إذن المشكلة في تخصيص التطبيق لناس دون آخرين؟
تطبيق المنح في أماكن ذات قيمة تجارية عالية أمر له أهميته، وقد تجنبت هذا الأمر لعدم معرفتي بتفاصيله.
• من الناحية البيئية، فإن تصريحك قبل تسعة أشهر بأن جدة تأتي في المرتبة الرابعة بين مدن العالم في نسبة التلوث أثار مخاوف الناس؟
هل هي الرابعة أم الأولى، أنا لا أريد أن أخيف الناس؛ لأن هناك جهازا حكوميا تحت مسمى رئاسة الأرصاد وحماية البيئة، وقد صدر نظام حماية البيئة في عهد الملك فهد رحمه الله ، كما صدرت لائحته التنفيذية في عهد الملك عبد الله حفظه الله ؛ ولكنه يحتاج إلى آليات لتنفيذه على الطبيعة من خلال أفراد وكفاءات ومعدات، وما يتوافر حاليا لايكفي لحجم المملكة، كما أن المشكلة عالمية وليست محلية فقط، والشرق الأوسط كله متخلف في التعامل مع التلوث، فنحن ننفق أموالا طائلة على علاج نتائج الملوثات بدلا من دفع أموال مقننة للوقاية منها.
• والمشكلة تكمن في اليابسة أم في المياه أيضا؟
في الاتجاهين، والمفروض أن اليابسة لا ترمي بمخلفاتها في البحار، وأتذكر عندما قررنا أن نقفل مصادر تلوث الكورنيش في جدة مع رئاسة الأرصاد وحماية البيئة وجدنا أن هناك 360 مجرى للتلوث من المنشآت الموجودة على الكورنيش وما حولها، وهذا أمر خطير وممنوع عالميا، وظلت الأمانة عاجزة عن إقفالها.
• لماذا؟
لأنه ينطبق على الوضع مقولة الشاعر «فيك الخصام وأنت الخصم والحكم»، ولا أدري هل حدث تطور إيجابي حاليا أم لا.
• وهل مسؤولية حماية الشواطئ مقتصرة على الأمانة فقط؟
تشترك فيها مع الأمانة رئاسة الأرصاد وحماية البيئة وحرس الحدود، وما بينهم تتشتت الجهود، وللعلم.. فالضرر الذي يصيب البحار من مجاري المياه أخطر من ضرر البقع الزيتية البترولية التي يراها البعض أمرا مهولا.
• مشكلة جدة ليست في تلوث البحر فقط بل هي أعمق من ذلك؟
هذا صحيح، فملوثات المصانع والنفايات تحتل مساحة أكبر أيضا، وأتذكر أن بعض المشاريع توقفت أثناء وجودي، مثل مشروع تنقية للصرف الصحي، الذي تعثر بسبب خلاف بين الشركاء وليس بسبب تسهيلات قدمتها الأمانة، كذلك مشروع تدوير النفايات الذي تأثر بتأخر الدعم المالي من صندوق التنمية الصناعية؛ لأن مبلغ (مائتي مليون ريال) يعتبر كبيرا في تلك الفترة، فالصندوق لايلام، وكان من المفترض أن يدعم حماية للبيئة، ثم حدثت تغييرات في الشركة القائمة به أدت إلى تباطئه، وهو يحتضر الآن، وقد تعلن وفاته في أية لحظة.
• لفشله في التعامل مع المشكلة التي نجحت فيها دول فقيرة مثل البرازيل؟
نعم .. لفشله إداريا، وللأسف إننا نفرط في ثروة حقيقية بين أيدينا، ولو لم يكن لها فائدة لما نشط المتخلفون بتجميعها بشكل يومي، ولا أخفيك أن مصالح خاصة خارج الأمانة من قبل المستفيدين من الوضع العشوائي داخل المدينة ساهمت في ذلك أيضا.
• وإلى متى سنظل نعمل بنظام الحاويات في جدة؟
ناديت مسبقا بإلغاء الحاويات بشكل نهائي، ولم يتم الأخذ به، وإن كان مما ليس منه بد فلا يجب أن تكون الحاويات مفتوحة كما هي عليه الآن؛ لأنك إذا حسبت لكل حاوية خمسة قطط فقط، فستجد في جدة أكثر من مليون قطة مجتمعة على المائتي ألف حاوية المنتشرة في كل أحيائها، وهذا أمر لايليق، وخطورة التلوث البيئي تأتي من هذه الحاويات أيضا؛ لأنك ستجد فيها بعد تنظيفها من المخلفات اليومية ديدانا ويرقات ذباب وفيروسات وبكتيريا، والتخلص منها مطلب ضروري.
• يا دكتور نحن مجتمع اعتاد أفراده على خدمة الدولة لهم حتى في جمع النفايات؟
الدولة لن تستطيع أن تغير المجتمع أيضا، وأتذكر أثناء دراستي في الولايات المتحدة الأمريكية أن تجربة تدوير النفايات هناك بدأت بأن يكون لكل منزل كيسين للقمامة، أحدهما للورق والأشياء الجافة، وآخر للسوائل، واستمر تطبيق التجربة لمدة عشر سنوات حتى اعتاد عليها الناس، ثم بدأت مرحلة فصل أخرى وهكذا، وفكرنا بعد تجربة حي بلا حاويات التي طبقت في حي الشاطئ أن نقيم مسابقة بمقابل مادي، بحيث يستفيد كل منزل من تصفية مخلفاته؛ تشجيعا للناس ومنحهم حافزا للتعامل مع قضية النفايات بمسؤولية أكبر، ولكن الفكرة اصطدمت بالنظام والنواحي المالية .. وكان السؤال كيف نصرف؟ وكم نأخذ؟ .. وقد اقترحت بعد خروجي من الأمانة في دراسة سلمتها لإحدى الشركات الخاصة أن تربط الكهرباء بالنفايات؛ اعتمادا على أن البيت الكبير تكون نفاياته أكثر، فتفرض عليه رسوم لتدوير النفايات، وما زالت هذه الفكرة في مخيلتي.
• وأين دور القطاع الخاص؟
أي مشروع لتدوير النفايات، أو أي مشروع بيئي يحتاج إلى دعم الدولة؛ لأنها ليست مشاريع تجارية، وأتذكر أننا كنا نصرف 300 ألف ريال على نظافة جنوب جدة فقط، وقس مثلها على الوسط والشمال.
• إذن المشروع عاجز عن حل مشكلة نفايات جدة؟
شاركت شخصيا في وضع شروط ومواصفات هذا المشروع، ولا يستطيع أن يعالج كل مشاكل النفايات في جدة، فطاقته لا تتجاوز 500 طن يوميا، فيما ينتج في جدة من النفايات يوميا ما بين 5 آلاف إلى 6 آلاف طن، الأمر الذي يجعل من المردم مكانا بديلا للفائض الكبير من النفايات.
• وزد على ذلك مشاكل النفايات الطبية ومحطات البنزين داخل الأحياء.. وهلم جرا.؟
هناك دراسة تؤكد أن نسبة إصابة الأطفال القريبين من محطات البنزين في العالم بسرطان الدم عالية جدا، ونحن جزء من هذا العالم، أما النفايات الطبية فقد سبق لي أن أعددت دراسة لشركة (داماث) عام 1990م، وقابلت الوزير برفقة الدكتور خالد عبد الغني، وساندنا إحدى الشركات لتطبيق النظام، فأخذها مني أحد الأطباء مجانا، وعمل على ضوئها شركة متخصصة، ولم أستفد بأي شيء مادي من المشروع، فالملوثات كثيرة، والعمل لتخفيف التلوث لا يتناسب مع الضرر الذي يحدث ويتنامى بسرعة.
• هذه نتائج طبيعية لممارسة البيروقراطية؟
والأكاديمي عندما يصطدم بها يواجه مشكلة أيضا، وأتذكر أنني طالبت بان تتم الزراعة داخل المدينة بالنباتات المحلية مثل النيم والسدر والأثل وغيرها؛ لتكون بديلا للنباتات المستوردة خصوصا شجرة (البزروميا) الشيطانية التي تتمدد في الأرض وتقتل كل ما حولها من نباتات، بل تفر منها حتى الحشرات الطائرة، وهذه الشجرة أدخلت إلى جدة في نهاية الثمانينيات الميلادية؛ لتحقيق الإخضرار السريع للمدينة، وتم استيرادها من غابات الأمازون في أمريكا الجنوبية، ولم يتحقق شيء من مطالبي ثم لحقت الرياض بجدة، فأصبحت مشكلة هذه الشجرة متشعبة.
• إذن لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد؟
وهذا ما يؤلم. وللعلم فقد كنت أول من اقترح أيضا أن يكون للمنطقة التاريخية ميزانية، وألا تعتمد على التبرعات فقط، كما طرحت فكرة الكروت الصحية، وحاولت أن أنفذ فكرة أن يكون للأمانة مستشفى خاص تكون فيه مراكز للكشف على العمالة وتدريبها على الشروط الصحية خصوصا العاملين في المطاعم، ومشينا خطوات لتطبيق هذا المقترح؛ ولكننا اصطدمنا بالنظام، مع أنني أحضرت مستثمرين، وكانت لديهم الرغبة في القيام بشيء.
• فيما يخص التلوث خارج مدينة جدة.. فإن الطريق الموصل إلى ثول، ومن بعد ذلك إلى رابغ يشهد تلوثا يشتكي منه كثير من المسافرين؟
هناك تلوث هواء شديد جدا صادر عن إحدى مزارع الدواجن الموجودة على الطريق، وهناك سحابة دخان شبه دائمة، والمفترض أن تنقل من مكانها.
• الناس يشتكون من رائحة تشبه البيض الفاسد ويخشون على صحة أسرهم؟
للأسف.. إنها نتاج انتشار مادة كبريتيد الهيدروجين الناتجة من تحللات عضوية، وتحدث نتيجة اختزال للكبريت وهو مضر؛ لأنه يكون غازا حمضيا إذا كان مؤكسدا، والأسوأ منه الغاز السام .. والحقيقة أن هناك تلوثا صادرا من مصنع الإسمنت ومحطة توليد الطاقة البخارية.
• والأمراض الناتجة عنها؟
أنا لا أريد أن أخيف الناس، ولكن الحقيقة أن التلوث الهوائي إذا كان عضويا مثل احتراق الوقود غير الكامل في أماكن السيارات ينتج عنه أمراض خبيثة وفشل أعضاء مثل الفشل الكلوي وتسمم الكبد وتخلف من الرصاص في أطفال المدارس، وهذه المشكلة موجودة في كل العالم، لكن الشطارة في التحكم في احتراق الوقود، ومن الخطوات الإيجابية التي حدثت في المملكة الفحص الدوري للسيارات، وليته يستمر كل ستة أشهر إلى سنة بدلا من ربطه كل ثلاث سنوات بتجديد استمارة السيارة؛ حتى نتأكد أن السيارات التي تسير في شوارعنا تعمل بشكل أمثل في احتراق الوقود.
• المشكلة في عدم التزام الشركات بالنسب الصحية؟
أعتقد أن نموذج الهيئة الملكية في الجبيل وينبع يحتذى وكسب جوائز بيئية، لكن بقية المنشآت تحتاج إلى رقابة وجهاز فني يقوم بقياس التلوث، والاستراتيجية التي استخدمتها الهيئة بحيث يراقب كل مصنع نفسه من خلال تركيب أجهزة في المداخن والهواء المحيط ثم تأتي الهيئة من خلال زيارات تفتيشية بقياس المعدلات لمعرفة صحة قياسات كل مصنع، ونحن بحاجة لتطبيق مثل هذا النظام وتعميمه على مستوى المملكة لكوننا دولة صناعية.
• هذا يعني أن مردم النفايات الذي تشتكي منه جدة مازال بؤرة خطرة؟
بل هو قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أية لحظة، وحاولت في الأمانة أن نغيره، وأتذكر أن الباحث عبد العزيز السلمي أعد رسالة ماجستير في التخلص من النفايات والمرادم، وكانت دراسته أكثر من جيدة، واختار موقعا في طريق مكة ليكون فيها المردم الجديد .. وأعتقد أن المردم الجديد تلافى السلبيات الخاطئة التي وجدت في المردم القديم، وإن كنت أتحفظ على المرادم التي تأخذ أراضي على الفاضي .. لكن ينبغي الإشارة إلى وجود مياه جوفية تحت المردم الحالي الذي يرمى فيه زيت سيارات ومخلفات صناعية ومخلفات منزلية، فالمياه التي تذهب كلها إلى البحر تحمل معها ملوثات عضوية وحيوية وكيميائية، فيذهب كل هذا التلوث ليؤثر على الأسماك التي نأكلها.
• ومحطات المجاري الكبيرة التي أنشئت في المطار والخمرة والأربعين .. أليس لها دور؟
لها دور طيب بدون شك، والأهم أن يكون بناؤها على مراحل متزامنة مع اتساع المدن، ولكن كمية مياه الصرف الصحي التي تستقبلها أكبر من طاقتها، ويمكن أن تتعطل أو تضعف وتحتاج فترة أطول للمعالجة، وهناك مصانع تسرب المياه في المجاري العامة، والرئاسة فتحت عيونها على هذه المسألة وبدأت تراقبها.
• عملية ردم مجرى السيل هل قضت على التلوث الصادر منه؟
مجرى السيل كان مصدرا للبعوض والحشرات، وبعد تغطيته سيكون مجرى سليما، لكن خطورته تكمن في عدم وجود فتحات تهوية فيه، وأعتقد أن المقاول انتبه لهذه المسألة وإلا ستخرج منه رائحة (البيض الفاسد) لغاز كبريتيد الهيدروجين، كما يمكن أن يخرج منه (غاز الميثين) كالذي خرج اثر انفجار المجاري الحارة في المكسيك قبل سنوات نتيجة التهاب الداخل، ولو ذهبت إلى مردم النفايات فستجد دخانا صاعدا من تحت الأرض نتيجة وصول الميثان الدرجة الخامسة، حتى المرادم يفترض أن يكون فيها أنابيب عمودية على الخلايا بحيث يخرج من خلالها غاز الميثان لكيلا ينفجر المردم نتيجة التراكم.
•هناك من يقول إن أول رجل مسلم عربي ذهب إلى القطب الجنوبي كان الدكتور سيد زكريا السيد، وهناك منطقة في القطب الجنوبي ما زالت تحمل اسمه في الخرائط الدولية، وليس كما تقولون أنت والدكتور مصطفى معمر بأنكما الأوائل في ذلك؟
أتذكر أن زميلي الدكتور مصطفى معمر أجاب على هذا السؤال بعد أن قابل الدكتور سيد حينما كان معيدا في قسم علوم البحار في جامعة الملك عبد العزيز قبل أن تكون كلية، وسأله شخصيا عن هذا الأمر، فأوضح أنه التف حول قارة أنتاركتيكا من الناحية المعاكسة للجهة التي كنا فيها لكنه لم يدخل إلى قلب القارة، ولم يصل إلى الموقع الجغرافي للقطب الجنوبي، وهذا الشيء في إمكان أي شخص أن يقوم به؛ فهناك رحلات كثيرة متوفرة وتصل إلى أنتاركتيكا في رحلات سياحية كثيرة، لكنها تصل إلى حواف القارة فقط؛ لكنه لم يسبق أن قامت رحلة علمية استكشافية تضم سبع دول، فهذه الرحلة التي قمنا بها تعتبر أول رحلة في التاريخ كله؛ تجتمع سبع دول في رحلة علمية استكشافية، ذات هدف نبيل بعيد عن الأيدلوجيات، ولكن تجمعت كلها على مبدأ واحد، هو البحث العلمي وحب المحافظة على البيئة.
• هل ما زالت فكرة سحب جبل جليدي إلى المملكة لحل مشكلة مياه الشرب التي سبق طرحها من قبل صاحب السمو الملكي الأمير محمد الفيصل قائمة؟
تحدث الروس معنا في هذه الرحلة عن إمكانية نقل الجليد من القطب الشمالي إلى المملكة العربية السعودية؛ بدلا من نقله من القطب الجنوبي إلى المملكة العربية السعودية، ولكن الحقيقة أن الجبال الجليدية في القطب الجنوبي تفوق كثيرا الجبال الجليدية الموجودة في القطب الشمالي، وبعض البحيرات المائية الموجودة هناك تستطيع أن تمشي عليها، ويوجد بها ماء عذب صالح للشرب، وبعض الجبال الجليدية يصل ارتفاعها المرئي إلى خمس حجمها فيما الجزء المغمور منها يساوي أربعة أضعاف حجمها المرئي، فإذا أردنا أن نقطر هذا الجبل للاستفادة منه مثلا من المنطقة القطبية الجنوبية حتى يصل إلى منطقتنا، فإنه يجب أن يكون أكبر بكثير من هذا الحجم، لكن إذا أردنا إدخاله البحر الأحمر من الجنوب، فإن باب المندب ضيق وعمقه ضحل، والعمق يصل في بعض المناطق، مثل منطقة حنش إلى 75 م، فكيف نستطيع أن نمرر جبلا بهذا الحجم، ولو أدخلناه عن طريق الخليج العربي فإن مضيق هرمز مضيق ضيق، ويعتبر شريان الطاقة الدولي؛ لذلك فإن إدخاله يعني قفل المضيق في وجه سفن العالم، وهذا أمر صعب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.