خادم الحرمين وولي العهد يعزيان ملك إسبانيا إثر الفيضانات التي اجتاحت جنوب شرق بلاده    موعد مباراة الأهلي القادمة بعد الخسارة أمام الاتحاد    إسعاف القصيم يرفع جاهزيته تزامنا مع الحالة المطرية    ريال مدريد يتبرع بمليون يورو لمساعدة ضحايا الفيضانات    النويصر: «طيران الرياض» يُوقِّع طلبية لشراء 60 طائرة.. والتشغيل منتصف 2025    60 مشروعًا علميًا بمعرض إبداع جازان 2025 تتنوع بين المجالات العلمية    تعليم الطائف ينهي الاختبارات العملية .. و1400مدرسة تستعد لاستقبال 200 ألف طالب وطالبة    علامة HONOR تفتح باب الحجز المسبق للحاسوب المحمول الرائع HONOR MagicBook Art 14    الجامعة العربية: دور الأونروا لا يمكن الاستغناء عنه أو استبداله إلى حين حل قضية اللاجئين وإقامة الدولة الفلسطينية    صندوق الاستثمارات العامة يوقّع مذكرات تفاهم مع خمس مؤسسات مالية يابانية رائدة    وزير الإعلام يعلن إقامة ملتقى صناع التأثير «ImpaQ» ديسمبر القادم    جمعية اتزان بجازان تختتم برنامجها التوعوي في روضة العبادلة بييش    السعودية تدين الهجوم الإرهابي الذي استهدف قاعدة عسكرية في إقليم بحيرة تشاد    البنك السعودي الأول يحقق صافي دخل 5.9 مليار ريال سعودي بعد الزكاة وضريبة الدخل للربع الثالث بنسبة زيادة قدرها 16%    فيصل بن فرحان: نسعى لتنويع الشراكات الدولية.. ومستعدون للتعامل مع أي رئيس أمريكي    وزير الداخلية السعودي ونظيره البحريني يقومان بزيارة تفقدية لجسر الملك فهد    وزير الدولة للشؤون الخارجية يلتقي رئيس وزراء كندا السابق    إطلاق حملة ( تأمينك أمانك ) للتعريف بأهمية التأمين ونشر ثقافته    أمير حائل يستقبل وزير البلديات والإسكان ويطلع على تصاميم المنطقة المركزية    أمانة القصيم تنظم حملة التبرع بالدم بالتعاون مع جمعية دمي    أمانة القصيم تكثف جهودها الميدانية في إطار استعداداتها لموسم الأمطار    شارك في الصراع 50 دولة .. منتخب التايكوندو يخطف الذهب العالمي المدرسي بالبحريني    المرشدي يقوم بزيارات تفقدية لعدد من المراكز بالسليل    أمير منطقة تبوك ونائبه يزوران الشيخ أحمد الخريصي    مدير هيئة الأمر بالمعروف في منطقة نجران يزور مدير الشرطة    رئيس الإتحاد: مباراة الأهلي مهمة في الصراع على لقب الدوري    بنزيما يُهدد بالغياب عن مواجهة الأهلي    الدكتور عبدالله الربيعة يلتقي نائب المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين    أمير المدينة يكرم الفائزين بجوائز التميز السنوية بجامعة الأمير مقرن    وزير العدل يقر اللائحة التنفيذية الجديدة لنظام المحاماة    أدبي تبوك ينظم أمسية حوارية حول روًي الاختلاف مابين العقل والإبداع    رئيس وزراء باكستان يلتقى وزير الاستثمار    "سعود الطبية" تنفذ 134 ألف زيارة رعاية منزلية عبر فرق متخصصة لخدمة المرضى    وزير الاقتصاد: السعودية تقود المستقبل باستثمارات قياسية في الطاقة المتجددة والتكامل الاقتصادي    الأنمي السعودي 'أساطير في قادم الزمان 2' يُحلق في سماء طوكيو وسط احتفاء من الإعلام الياباني    رئيس جمهورية السنغال يغادر المدينة المنورة    نمو الاقتصاد السعودي بنسبة 2.8٪ خلال الربع الثالث من 2024    الأرصاد: استمرار الحالة المطرية على مناطق المملكة    هاريس تخفف آثار زلة بايدن بالدعوة لوحدة الصف    خدمات صحية وثقافية ومساعدون شخصيون للمسنين    الحركات الدقيقة للعين مفتاح تحسين الرؤية    كيف تفرّق بين الصداع النصفي والسكتة الدماغية ؟    جوّي وجوّك!    السلطة الرابعة.. كفى عبثاً    الجبلين يقصي الاتفاق من كأس الملك بثلاثية    لا تكذب ولا تتجمّل!    «الاحتراق الوظيفي».. تحديات جديدة وحلول متخصصة..!    برعاية الملك.. تكريم الفائزين بجائزة سلطان بن عبدالعزيز العالمية للمياه    برازيلي يعض ثعبان أناكوندا لإنقاذ نفسه    جددت دعمها وتضامنها مع الوكالة.. المملكة تدين بشدة حظر الكنيست الإسرائيلي لأنشطة (الأونروا)    الأمير سلمان بن سلطان يطلع على جهود وبرامج مرور منطقة المدينة المنورة    لا إزالة لأحياء الفيصلية والربوة والرويس.. أمانة جدة تكشف ل«عكاظ» حقيقة إزالة العقارات    إعلاميون يطمئنون على كلكتاوي    آل باعبدالله وآل باجعفر يحتفلون بعقد قران أنس    أحمد الغامدي يشكر محمد جلال    مهرجان البحر الأحمر يكشف عن قائمة أفلام الدورة الرابعة    عندما تبتسم الجروح    السفير حفظي: المملكة تعزز التسامح والاعتدال عالميًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مازلت صفرا ولا أتمنى إمامة الحرم.. والمنابر تبكي من الثرثرة
حوار الأسبوع حاولت أن يكون أحد أبنائي حافظا للقرآن ولكن!.. شيخ مشايخ قراء المدينة المنورة إبراهيم الأخضر ل «عكاظ»:
نشر في عكاظ يوم 18 - 09 - 2009

هذا الحوار تأجل ثلاث مرات على مدى أيام هذا الشهر الفضيل تلبية لرغبة فضيلة الشيخ إبراهيم الأخضر شيخ مشايخ القراء في المسجد النبوي الشريف، ليخرج في نهاية الأمر شبيها بأطعمة المرضى التي تخلو في مذاقها من الأملاح والبهارات فتأتي بلا لون ولا طعم ولا رائحة.. ويبدو أن الشيخ إبراهيم الأخضر قد ألقى سلاحه منذ فترة سابقة مفضلا السكينة والهدوء بعيدا عن خطوط التماس.. فقد حاولت أن أفتح معه الملفات المغلقة والدخول في المناطق الشائكة مع علمي بوجود الكثير من الخطوط الحمراء التي تلهب الحوار إلا أنني فشلت أمام رفضه الخوض فيها جملة وتفصيلا.. مكتفيا بشرف اللقاء مع عالم قرآني جليل لم يجد غضاضة في الاعتراف بفشله في تخريج أحد أبنائه حافظا للقرآن وهو المتفرغ لتعليم أبناء المسلمين ذلك، ولم يفاجئني بهروبه من إمامة الناس التي يرى فضيلته فيها حملا ثقيلا، فيما يملك العالمون ببواطن الأمور أسبابا مقنعة لعدم تكليفه بها.. بحثت عن إجابات لأسباب خروجه والشيخ محمد أيوب من إمامة الناس بالمسجد النبوي وأسباب انتهاء مهمته كناظر لأوقاف المغاربة وما دار حولها من تحفظ من قبل المحكمة الكبرى في المدينة المنورة فوجدت الأبواب موصدة.. احترمت رغبة فضيلته في الحديث عن القضايا التي تشغل ذهنه والتي أخذت لب الحوار.. مكتفيا بإطلالة خجولة على بداياته المتناثرة تفاصيلها في أكثر من طريق.
ولدت في حارة الساحة في السابع من شهر ذي الحجة عام 1364ه، التي هدمت الآن ودخلت في توسعة المسجد النبوي، ونشأت في أسرة متوسطة الحال قامت على الزراعة والفلاحة، فوالدي وجدي كانا يعملان في التجارة والفلاحة، وبدأت تعليمي في مدرسة دار الحديث بالمدينة المنورة، ثم انتقلت إلى مدرسة النجاح الأميرية فحصلت منها على الشهادة الابتدائية، ثم التحقت بالمعهد العلمي السعودي ودرست فيه لمدة سنتين وتحولت بعد ذلك للدراسة في المدرسة الصناعية حيث تخرج منها عام 1379ه، والتحقت بعدها ببعثة دراسية إلى مصر لمدة سنتين، حيث درست في معهد يسمى (جنكليز) لتدريب المهن، ثم عدت إلى المملكة وعينت موظفا في إدارة التعليم الصناعي في وزارة المعارف، ثم انتدبت مدرسا في مدرسة الأحساء الصناعية، ثم ذهبت بعد ذلك للعمل في مدينة الرياض لمدة سنتين، ثم انتقلت إلى المدينة المنورة وعملت مدرسا في المدرسة الصناعية الثانوية، ثم أبتعثت إلى إيطاليا عام 1388ه وبقيت هناك قرابة العام والنصف، إلى أن عدت إلى أرض الوطن فاستمررت مدرسا في المدرسة الثانوية الصناعية بالمدينة المنورة إلى أن تقاعدت عن العمل.
• وبعدها بدأت رحلتك مع القرآن؟
رحلتي مع القرآن الكريم بدأت قبل ذلك بصحبة ثلة مباركة من الصحب والأصدقاء على رأسهم السيد شهاب أحمد رضوان، والشيخ إحسان صديق، والأستاذ أحمد الدرديري، وكان يدرسنا الشيخ عمر الحيدري وغيرهم وكانوا قد قرروا استئناف درس يومي لحفظ القرآن الكريم في بيت أحدهم، فأخبرني أحد أصدقائي المحبين بالأمر وحثني على الانضمام إلى هذه الحلقة القرآنية غير أني لم أتخذ في ذلك قرارا، وما زال يلح ويلزم علي ويراجعني في ذلك حتى شرح الله صدري، فبدأت معهم في الحفظ والمراجعة، كنت أحفظ مع زملائي نصف صفحة في العشرين جزءا الأولى والتزمت بالحضور والتردد على الدرس حتى أتممت بفضل الله حفظ القرآن الكريم، ومنذ أن حفظت لم أنس القرآن بتاتا والحمد لله، ثم تعرفت عام 1400ه بالشيخ حسن الشاعر شيخ مشايخ القراء بالمدينة المنورة، فبدأت بالقراءة فلازمته زمنا طويلا، وكنت أجلس إلى درسه للقراءة عليه بعد صلاة العصر من كل يوم، ثم تتلمذت على يد الشيخ عامر السيد عثمان شيخ عموم المقارئ المصرية رحمه الله عام 1409ه، وكنت أستغل فرصة وجوده في مواسم الحج والعمرة للقراءة عليه وتشرفت بخدمته وقضاء حوائجه، وكنت أقرأ عنده قبل صلاة الفجر بساعتين، كما كنت أقرأ عليه بطرق مختلفة لازدحام الناس للقراءة عليه، فتارة في المسجد والبيت، وأخرى في الطريق، حتى إنه كان يقرئ في وقت انتظاره وانتقاله من مكان إلى مكان. ولقد رأيت رئيس وزراء مصر عبدالمنعم حجازي يلبس الشيخ عامر حذاءه وهو خارج بصحبته من باب المجيدي في المسجد النبوي، وكانت قراءتي على الشيخ عبدالفتاح القاضي بشفاعة الشيخ عامر السيد عثمان، الذي قال لي حين سألته عن الشيخ القاضي: ده أكبر عالم في الدنيا! ولازم تقرأ عليه! وسأشفع لك عنده إن شاء الله، ولا أنسى لقاء الشيخ عامر بالشيخ القاضي في المسجد النبوي عندما قال له: هذا إبراهيم الأخضر ابني، ضمه إليك! وأفرغ ما في صدرك في صدره!
• الغريب ياشيخ إبراهيم أن تكون في هذا الموقع ولا تصلي بالناس؟
لا أتمنى أن أكون إماما وقد جربت هذه المسألة في الحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وأصدقك القول إنها لو عرضت علي الآن فلن أقبل بها لأنه منصب مسؤوليته كبيرة جدا وثقيلة وعظم المسؤولية الموجودة فيه توحي للإنسان العاقل بأن لا يقترب منه.
• كذلك لم نجدك ضمن أعضاء لجنة مجمع الملك فهد رحمه الله؟
لا يشغلني هذا الموضوع وليس لي أي تطلعات فيه كما إنني لا أرغب في العمل بالمجمع لأنه ليس تخصصي، وليس لدي وقت لحضور جلسات الاستماع بشكل يومي، وهذا الأمر سيشغلني كثيرا عن وظيفتي الأساسية التي تفرغت لها وهي تعليم القرآن الكريم.
• البعض يرى أن منصبك شرفي بحت ولا يوجد سوى في المدينة المنورة فقط؟
صحيح.. فهذه المشيخة لا توجد إلا في المدينة المنورة فقط، وأنا لم أسع وراءها ولم أطلبها، ولكن عندما توفي شيخنا الشيخ حسن الشاعر الذي شغل وظيفة شيخ القراء في المسجد النبوي طلب الشيخ عبدالعزيز بن صالح رحمه لكوني تلميذا للشيخ الشاعر من الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ سليمان بن عبيد آنذاك أن يتم تعييني في هذه الوظيفة الجليلة فجاءت موافقة خادم الحرمين الشريفين في ذلك الوقت الملك فهد رحمه الله على تعييني.
• بمعنى أن وظيفة شيخ مشايخ القراء هي الأعلى علما؟
ومن قال لك أنا عندي شيء فأنا درجتي صفر، ومازلت أتعلم ويخفى علي الكثير من علوم القرآن وأسراره، ألا يكفيك مثلا ما خفي على سيدنا موسى عليه السلام وهو أفضل وأجل وأعظم من الخضر ولكن خفيت عليه أشياء كثيرة، فوفقه الله في مقابلة الخضر ليتعلم منه ثلاث مسائل فقط، وعلم القراءات من الفنون الجميلة وليس هناك صفحة أخيرة في هذه الفنون مثل الرسم، ففنان مثل بيكاسو أو ليناردوا دافينشي عندما يرسم لوحة جميلة لا تكون هي اللوحة الأخيرة، وليس هناك ما يسمونها أحسن لوحة، فالقصة لا تنتهي إلا بوفاة الرسام كذلك علم الفرائض ليس له نهاية لأن المناسخات الجديدة تدخل وتخرج دائما والحال كذلك في الموسيقى والنحت والشعر، وكذلك الأصوات فليست هناك درجة لا يمكن أن نصل إلى مستواها ويظل الإنسان يحاول دائما، وكل الناس عليهم ملاحظات دائما بما فيهم إبراهيم الأخضر شيخ القراء.
• وهل تؤيد استخدام المقامات الموسيقية في تلحين القرآن؟
المقامات في الترتيل منظومة وراء بعض لكن الأصل هو تعلم القرآن وإتقانه أما البدعة فهي تعلم اللحن والمقامات قبل القرآن وفي الحلقات التي أعلم فيها الطلاب لا أقبل فلسفة وأنغاما من طالب لم يتعلم قراءة القرآن، فالأصل أن يقرأ بدون نغم، وكمثال فالمطرب لا يستطيع أن يتعلم القرآن لأنه فقط يجيد المقامات والألحان فحروفه للطرب وليست للقرآن وكذلك المنشد فكلاهما عليه أن يتعلم حروف القرآن أولا وترتيله وتجويده ثم يفكر في تلحينه بعد ذلك.
• قال الشيخ عبدالله بن منيع عضو هيئة كبار العلماء والمستشار في الديوان الملكي إنه لم يعرف القراءة المفسرة إلا عندما صلى وراءك؟
القراءة المفسرة منزلة أكبر لقارئ القرآن ويحصل عليها الطالب بالاجتهاد والتلقي من شيخه، ولها آلية وأوامر تترابط مع بعضها البعض لتبرز الجانب الحسي والإيماني الذي ينتقل من روح إلى روح، وهذه مرحلة متقدمة جدا لابد أن تكون فيها رغبة الطالب كبيرة للتعلم؛ لأنها مرحلة شاقة، كما يجب أن يكون لدى الشيخ القدرة على توظيف جهد الطالب في الجانب الحسي، وهذا الجانب مؤثر جدا، وكمثال فحينما نقرأ في سورة يوسف موضوعا مطروقا في آية فإن هذا الجانب يحتاج إلى التوظيف الصحيح مثل (فجعل السقاية في رحل أخيه ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون) فالمعروف عندنا أن المؤذن هو الذي يرفع صوته بكلام ما سواء كان أذانا أو كلاما آخر، وتحت هذه القاعدة العامة يفترض أن المؤذن يرفع صوته، لكن في هذه القصة فإن الجانب الحسي يفرض على المؤذن أن لا يرفع صوته لأنه ليس مقصودا أن يسمعها كل الناس في السوق لأن يوسف هو الذي دبر الموضوع لكي يأخذ أخاه ولأنه لا يريد فضيحة إخوته أمام الناس، فأنا عندما أعكسها أثناء القراءة إذا وجد عندي الحس فإنك تسمعها وتحس بها وتتعجب لماذا لم أرفع صوتي بها؟ ولماذا قرأتها بهدوء؟ فهذا الجانب هو أن أنقل لك القرآن بصوتي إلى حسك فكأنني أفسره لك بمواقفه وأحداثه وهذه منزلة عظيمة أكرمني الله بها.
• أخذت منك كم سنة؟
أكثر من أحد عشر عاما من الملازمة كان فيها الشيخ عبدالفتاح القاضي يفرغ ما في صدره في صدري، وكنت أذهب إليه يوميا فأصلي المغرب في مسجد قباء وأذهب إلى منزله ولا أخرج إلا إذا طلب مني ذلك وكنت وقتها متزوجا وعندي أولاد، ولكنني حرصت على الوصول لهذه المنزلة لأن الجانب التلقيني للحاسة القرآنية من أدق الأمور التي يتعلمها الطالب من الشيخ، كما إنه لا يصل إلى الدرجة العالية منها حتى يقرأ بإحساس شيخه، وكنت أحبس نفسي عن كل الأمور، ولعلمك فأنا لم أصل لآبار علي ولم أر مسجدها ستة أعوام متتالية، كما لم أصل إلى المطار ستة أعوام أخرى، وكنت ملتزما من البيت إلى المدرسة إلى المسجد النبوي لدرجة أن الناس يتعايدون في العيد وأنا أذهب بعد المغرب إلى المسجد النبوي لأراجع دروسي ولو لم يأت الشيخ.
• إذن الملازمة شرط أساسي في تعلم القرآن؟
الدروس قسمان نقرأها في الكتب، وأخرى نقرأها في صفحات حياة الناس ويستخرجها الطالب بملازمته للشيخ وهذه الملازمة فيها بركة التعلم أكثر من الكتب.
• هذا يعني أن التسجيلات التي امتلأت بها لقراء القرآن صغارا وكبارا فيها نظر وعليها ملاحظات؟
هذه حدود علمهم، وهم مقتنعون بما يفعلون لكن الأولى أن يكون هناك احترام لكتاب الله وأن لايجرؤ الإنسان على هذا العمل الارتجالي في مسائل القرآن الكريم، فالمصحف الذي سجلته وأنا شيخ للقراء في مجمع الملك فهد أخذ مني أربع سنوات حتى أتممته، وكنت أقرأ على لجنة من خيرة العلماء في العالم الإسلامي في ذلك الوقت، ورغم ذلك كنت أتمنى كما جاء في الحديث (لو استقبلت من أمري ما استدبرت) أن أعمل أفضل من ذلك.
• وهل مازلت تدرس النساء أيضا؟
مازالت الدروس مستمرة في منزلي منذ أكثر من عشرين عاما، وقد تخرج على يدي طالبات كثيرات ممن لهن جهود مؤثرة في حركة الإقراء بين النساء والحمد لله، ومنهن زينب سيدات وعائشة هوساوي وصفاء كردي، وهناك الكثير غيرهن داخل المملكة وخارجها، لكنني شخصيا لم أدرس على يد امرأة وإن درس بعض زملائي على يد امرأة مصرية كانت مشهورة في فترة سابقة في الرياض.
• الكثير من الناس لديهم يأس من مسألة الحفظ بعد الخمسين؟
يستطيع الإنسان الحفظ حتى في السبعين من عمره وليس هناك سن معين للحفظ فقط عليه أن يطبق النظام والالتزام الذي جاء به الإسلام في الجانب العبادي على خلاف الشرائع الأخرى التي لم تكن تهتم بهذا الجانب.
• ظللت لفترة طويلة على صلة بأوقاف المغاربة.. فلماذا تركتها؟
اشتغلت فيها في فترة سابقة وانتهيت منها الآن ولا علاقة لي بها.
• أليس غريبا أن تكون شيخا للقراء ومعلما في المسجد النبوي ولا يحفظ أي من أبنائك القرآن؟
ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فأبنائي لم يحفظوا القرآن ولا بناتي أيضا لأنهم لم يرغبوا في ذلك رغم حرصي، لكنني لم أجد لديهم التوجه فلم أفرض عليهم شيئا وتركت لهم الاختيار.
• أشعر أن لديك ملفات مغلقة لا تريد الحديث عنها؟
كل إنسان لديه ملفات مغلقة لا يريد أن يفتحها حتى أنت.
• لكنك تحدثت عنها في السابق؟
لم يتغير أسلوبي لا في السابق ولا الآن.
• وهل تسافر لإحياء الليالي القرآنية في رمضان أو مسابقات القرآن الكريم؟
ليست وظيفتي إحياء الليالي القرآنية في رمضان في الداخل أو في الخارج ولو وزنوني بالذهب لا أقبل بهذه المسألة لأنني معلم للقرآن فقط.
• تعتبرها نوعا من المتاجرة بكلام الله؟
لا أعتبرها متاجرة وليس عندي فيها مذمة أو مدح، ولكنها ليست صنعتي وأنا لدي منبر أسأل الله أن ينير به الطريق ويصلح به الحال وننأى بالكلمة فيه عن الزور والبهتان والكذب.
• وهل تفوق عليك طلابك؟
لابد أن يتفوقوا علي؛ لأنني ذاهب للضعف وهم للقوة، ويفترض أن يكونوا أحسن مني وهذا أمر يسعدني، فأنا لم أجمع علما لكي أبخل به على أحد.
• لماذا لم تجرب العمل بالرقية وأنت شيخ للقراء؟
لم أجرب الرقية ولا أعرف عنها شيئا، ولكنني أرى أن الشرع لا يقرع أبواب الناس إنما يذهب الناس إليه، وهناك أشياء فيها ازدراء لعقلية الناس يتعامل معها المسؤولون ويعالجونها، وكل إمرئ أعلم بوسم قدحه.
• ظللت منذ فترة تركز كثيرا على انتقاد الخطباء والأئمة كثيرا.. لماذا؟
لأن المنبر جهاز عظيم جدا، فقد مكانته في الإسلام، وشرع لكي يكون محصلة العمل الأسبوعي في المجتمع وتلقى الكلمة من خلاله لأهميتها ووقعها في النفوس لإصلاح مسيرة المجتمع، وللأسف أنه أصبح اليوم في كل العالم الإسلامي مجرد خشبة لها عدة درجات يصعد عليها رجل لا يعرف منطق الكلام، فيقول أي كلام يعجبه فأصبح الوضع مزريا وانتفى إحساس الناس بهيبته ومكانته.
كأنك تقول إن الأئمة والخطباء لا يلتزمون بالسنة؟
وهذا ما يؤلم في الموضوع، فالمنبر قام على شقين الشخص الذي يصعد وإمكاناته ومواصفاته وهيئته، والآن علم الكلام والتحدث إلى الناس تطور وأصبع قاعدة تعلم في اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية من العالمين العربي والإسلامي، وأتذكر أن الرئيس المكسيكي عندما افتتح بطولة كأس العالم عام 1986م ألقى كلمة مدتها دقيقتان بعد أن تم تدريبه عليها لمدة أسبوع.. لماذا؟.. لأنهم يعتنون بكيفية كلام المتكلم، أما نحن فأصبح الشخص الذي يصعد إلى المنبر يصرخ ويهرف بما لا يعرف ويتكلم في أمور لا يعرف أولها من آخرها.
• أعتقد أن المصلين ملتزمون أكثر من الخطباء؟
أكثر من ذلك، بل هم من يدفعون ثمن عدم التزام الخطباء بالسنة رغم التزامهم بأوامر الفقه الإسلامي التي حددت لهم، فالمصلي قبل أن يخرج من بيته يوم الجمعة يستيقظ مبكرا فيغتسل ويتنظف ويلبس أحسن الثياب ويضع العطر والطيب ثم يذهب إلى المسجد بسكينة ووقار يرفع خطوة ويضع أخرى، فإذا وصل ذهب للمكان الصحيح دون أن يتخطى رقاب الناس فلا يجلس في آخر المسجد وأوله شاغر ولا يلعب، وإنما يسبح، فمن جاء في الساعة الأولى، فكأنما قدم كذا ومن جاء في الساعة الثانية فكأنما قدم كذا، ثم عندما يصعد الإمام المنبر فلا يحرك يديه ولا يلعب ولا يمسك بالحصى ولا الجوال ولا السبحة ولا يقول صه، فإن قالها فقد لغى ومن لغى فلا جمعة له.. تصور أن كل هذه الضوابط تطلب من الشخص المستمع فيلتزم بها من أجل أن يلتزم الخطيب من جهته أيضا بضوابط الخطبة، ولكنه لا يلتزم، ودعني أسألك: لو قلت لك أجلس الآن ساكتا ولا تتكلم ولا تتحرك فكم تستطيع أن تصبر؟ خمس دقائق.. ما تقدر تزيد عن كذا فكيف الحال إذا الإمام يجلس نصف ساعة على أقل تقدير كحد أدنى يصيح ويتكلم.. كيف أركز وأنا ساكت ولا أفعل شيئا. أليس من الأولى أن يجلس الخطيب خمس دقائق فقط على قدر تركيز المستمعين وهو نفر واحد وهم ألف أو يزيد؟.. فهل من المنطق أن يحدث هذا والرسول عليه الصلاة والسلام حدد لنا هذا الأمر بقوله (إن قصر الخطبة وطول الصلاة مئنة من فقه الرجل فاقصروا الخطبة وأطيلوا الصلاة)، وللأسف أن الذي يحدث الآن هو إطالة للخطبة وقصر للصلاة، فالمقياس عندنا واضح، وإذا كان مطلوب مني كمصل ومستمع أن أركز فعلى الإمام أيضا أن يركز وأن يطبق السنة في خطب الجمعة.
• وهذه المسألة مقصورة ببلد محدد؟
لا.. فهي منتشرة في كل العالم الإسلامي، ففي مصر تستمر الخطبة من ساعة إلى ساعتين، وفي الشام كذلك، وأتذكر قبل ثلاثين عاما أنني خطبت خطبة في منطقة تسمى (كفر بطنة) في الشام أثناء زيارتي لها، وبعد أن صليت بالناس وخطبت فيهم جاءني مساعد الإمام وقال لي إن المصلين يتساءلون هل جمعتهم صحيحة أم لا.. فسألته لماذا؟ فقال: لأنك لم تخطب إلا ست أو سبع دقائق فقط؟، فسألته: وأنتم تخطبون بهم كم دقيقة كل أسبوع؟ فقال لي: ساعتين إلا ربع، فالناس يسألون هل تكفي هذه الخطبة للجمعة وتصور معي أن أناسا ولدوا وشابوا وهم على هذا الأسلوب.
• والمطلوب من الجهات المسؤولة عن الأئمة والخطباء يا شيخ؟
أن يعلموهم ويدربوهم علم الكلام وكيفية مخاطبة الناس حتى يكون لهم تأثير، والمشكلة ليست أن يقرؤوا من ورقة أو كتاب وإنما كيف يتكلمون، فالإمام منذ أن يصعد يبدأ بالصياح رغم وجود المايكروفونات في المساجد وبعض الأئمة ثقافتهم في الخطبة لا تتجاوز النار وعذابها، وكأن الله لم يخلق جنة أبدا، والحقيقة أن السنة هي التي صنعت المنبر ونظمت العلاقة والجانب الذاتي لدى الخطيب الذي يسمونه في العلم الحديث (الحضور المسرحي) فيقال فلان ما عندو حضور مسرحي، فهذا فقه موجود لدينا وقاله المالكية في كتبهم (ويتوكأ على قوس أو سيف أو عصى لكي لا يعبث بلحيته أو بردائه) لأن الإمام عندما يصلح مشلحه أو يلعب في لحيته أو يحرك يديه يشوش على تركيز الجالسين أمامه فلا يدري المستمع هل يسمع أم يتفرج على المنظر السينمائي، فما بالك بأكثر من ذلك.. وتصور أن الحسن البصري قال للإمام في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام مروان بن الحكم عندما حرك يديه على المنبر وهو يخطب (تبا لهاتين اليدين فما كان صلى الله عليه وسلم يشير إلا بأصبعه في الشهادة)، والشهادة يؤشر بها النبي عليه الصلاة والسلام، وهو ممسك بعصاته إلى الأمام وللعلم فكل خطب الرسول لم تكن تتجاوز نصف صفحة فقط.
• يا شيخنا.. المقارنة هنا غير واردة فالرسول عليه السلام أوتي جوامع الكلم؟
فعلا.. هم يقولون ذلك وإنهم ليسوا مثل الرسول وإن الدنيا تغيرت والقضايا تحتاج إلى تفصيل وليتهم يأخذون كلام الرسول ويقولونه.. المشكلة أن بعض طلبة العلم لا يفرق بين المحاضرة والدرس والخطبة، فيخلط بينها، ولذلك لا تستعجب إذا وجدت من اتخذ من خطبة الجمعة فرصة لتخريج الأحاديث والبعض الآخر يتحدث في عشرة مواضيع في وقت واحد دون تركيز على موضوع واحد وثالث يذكر أربعة عشر أو خمسة عشر استدلالا في خطبة جمعة ولعل من الطريف أن أذكر أن أحد العلماء الأفاضل ذهب لصلاة الجمعة ومعه طالب علم يحمل كتابا فسأله عن السبب فقال له هذا الخطيب يكثر من الهراء لذلك أحمل هذا الكتاب لكي أقرأه إذا أطال الخطبة، ورحم الله الشيخ عبدالعزيز بن صالح، ففي أيام الصيف قبل تكييف الحرم لم تكن خطبته تتجاوز خمس دقائق لأنه رجل يعرف كيف يتكلم.
• هل أنت متخوف من نتائج هذا الأمر مستقبلا.. كأن يثير سخط الناس وقد يؤدي إلى فتنة ما؟
هذه المسألة حصلت في المدينة منذ سنوات في أحد مساجد الأحياء فقد ظل الخطيب يتكلم دون توقف أكثر من خمس وأربعين دقيقة، فقام أحد المصلين غاضبا وقال له: اتق الله أنت ما عندك دين، ثم قام رجل آخر بالتكبير وإقامة الصلاة وفي هذه الأثناء خرج بعض المصلين من المسجد، فغضب الخطيب وجلس يصيح على الرجل الذي قاطعه وحدث التلاغي بينهم، وشهد الناس ما يشبه الفتنة ثم جاءت بعدها الأوقاف وحققت مع الإمام وطردته من المسجد، وأنا أقول إن مثل هذا الإمام وجد من يتكلم لكي يصحح الوضع، فيما يصمت الكثيرون ولا يتكلمون فلا بد من حل ينبري له رجال يقتصون لنا هذا الأثر الضائع ويعيدون الشخص الذي يستحق أن يعتلي هذا المنبر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.