فيصل بن بندر يؤدي صلاة الميت على سعود بن عبدالعزيز    نائب أمير الشرقية يثمن جهود أمن المنشآت    أمير منطقة تبوك يستقبل المواطنين في اللقاء الأسبوعي    دليل لمشاريع البنية التحتية في الرياض    "SRC" توقع الاتفاقية الثانية مع البنك العربي الوطني "anb"    أمير الرياض يرعى الاحتفاء بالذكرى ال43 لتأسيس مجلس التعاون الخليجي    أمير الكويت يستقبل تركي بن محمد ويستعرضان العلاقات الأخوية بين البلدين    سعود بن نايف: التعليم في المملكة شهد قفزات نوعية على الصعد كافة    سلمان الدوسري يهنئ جيل الرؤية على التفوق والتميز    شرطة مكة تقبض على وافدَين بتأشيرة زيارة لنشرهما حملات حج وهمية    مباحثات اقتصادية مع النمسا    رؤساء عرب يزورون بكين هذا الأسبوع    "نادي الذكاء الاصطناعي" ينفذ ورشة تدريبة بالرياض    كوريا الشمالية تطلق قمرا صناعيا ثانيا للتجسس    أسرة الجفري تتلقى التعازي في وفاة فقيدها    سلسلة Pura 70 في الأسواق بمواصفات نوعية    انطلاق الاجتماعات التحضيرية لأعمال الدورة ال 54 لمجلس وزراء الإعلام العرب في البحرين    تكريم 180 عضوا من الهيئة التعليمية والإدارية بجامعة الأميرة نورة    الجلاجل يشارك في اجتماع مجلس وزراء الصحة العرب بجنيف    شوريًّون يطالبون بدعم البحث العلمي ومد خدمة الأستاذ الجامعي إلى ال70    ارتفاع عدد شهداء مجزرة الخيام في مدينة رفح إلى 45 شهيداً و 249 جريحاً    "سعود بن مشعل" مع السفير الهندي    الأندية السعودية تتصدر التصنيف القاري    نائب أمير مكة يطّلع على استعدادات وخطط وزارة الحج والعمرة    مستشفى النعيرية العام يحتفي باليوم العالمي للتمريض    الخريف يلتقي رئيس جمعية تاروت    ندوة لتأمين الأحداث الرياضية    الهيئة العامة للطرق تُعلن عن 3 مراحل لتطبيق كود الطرق السعودي    تعليم الطائف يدعو للتسجيل في خدمة النقل المدرسي للعام    صدور الموافقة الملكية الكريمة.. ماهر المعيقلي خطيباً ليوم عرفة    جوازات ميناء جدة الإسلامي تستقبل أولى رحلات ضيوف الرحمن القادمين من السودان    عشرة آلاف زائر للمعرض الوطني القصيم    السند: الرئاسة العامة وظفت التوعية الرقمية والوسائل التوعوية الذكية بمختلف اللغات    أنشيلوتي: نستمتع بالأيام التي تسبق نهائي دوري أبطال أوروبا    طريق وحيد للرياض وأبها للبقاء في "روشن"    المملكة تدين وتستنكر استهداف خيام النازحين الفلسطينيين في رفح    صالات خاصة لحجاج "طريق مكة" بمطاري جدة والمدينة    الأرصاد: رياح نشطة مثيرة للأتربة والغبار على شرق ووسط المملكة    مشاريع تنموية ب14.7 مليار ريال في مكة    آل الشيخ يعزز التعاون مع البرلمانات العربية    كلاسيكو التحدي بين «الأصفرين».. والبطل على أعتاب «التاريخية»    المجفل سفيراً لخادم الحرمين لدى سورية    5 من أمراض المخ ترتبط بتغير المناخ    فريق طبي بمستشفى عسير يُنقذ حياة أربعيني تعرّض لطلق ناري في الرقبة    الزهراني يحتفل بزواج إبنيه محمد و معاذ    انطلاق ملتقى «إسكو السعودية» لكفاءة الطاقة    وصول أولى رحلات مبادرة طريق مكة من المغرب    حلقات تحفيظ جامع الشعلان تكرم 73حافظا    رابطة اللاعبين تزور نادي العروبة    رمز للابتكار وثراء التراث الثقافي السعودي.. "المكعب".. أيقونة عالمية في قلب الرياض    12 ألف حاج تلقوا خدمات صحية في المدينة المنورة    عليهم مراجعة الطبيب المشرف على حالتهم.. «روشتة» لحماية المسنين من المشاكل الصحية في الحج    اكتشاف دبابير تحول الفيروسات إلى أسلحة بيولوجية    أتعمية أم خجل.. يا «متنبي» ؟    الشغف    بيت الاتحاد يحتاج «ناظر»    أفكار للتدوين في دفتر (اتحاد الإعلام الرياضي)    تعيين أول سفير سعودي لدى سوريا منذ 2012    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السديس في خطبة الجمعة: الاختلاف قد يكون محموداً لأنه من سنن الله الكونية، لكن الخلاف هو الشر
نشر في عكاظ يوم 15 - 02 - 2019

أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس المسلمين بتقوى الله عز وجل وشكره على نِعَمِهِ الوافرة.
وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي القاها في المسجد الحرام اليوم: في عصر عَلَتْ فيه فتن الماديات، واسْتَفحلت فيه عِلَل الأفكار والشُّبُهات، وأدلج فئام من الناس عقولهم سوء الوسن، ومدُّوا في ميادين الغواية كل رسن، وزُيِّن لهم سوءُ عملهم فرأوه كالحَسَن، وأهاجوا فتنا وخطوبًا، ومعارك وحروبًا، سالت فيها دماء، ومزقت فيها أشلاء، وذهب فيها أبرياء، من أجل رأي علميّ، أو اختلاف سائغ في اجتهاد فرديّ، وكُلٌّ يدعي محض الصواب، ويزعم أنه المُحِقُ بلا ارتياب، يوالي من أجل مشرب، ويعادي من أجل فِكْر أو مذهب، وهنا تبرز إشراقات هذا الدين، وعظيم خصائصه التي أبهرت العالمين؛ حيث كلأت الشريعة بِعَيْن أحكامها، وضَمَّخت بِرُدَاعِ لطفها وحنانها، أواصر الأُلفة والتلاحم، والأُخوة والتراحم، تلكم الأواصر الاجتماعية السامية، والوشائج الروحية والخُلُقية النامية، التي حثت عليها تعاليمه القاصدة، وأكدتها أحكامه ومقاصده، حتى في الاختلاف، وسد ذرائع الخلاف.
وأوضح أن الاختلاف قد يكون محموداً، لأنه سنة من سنن الله الكونية، يقول سبحانه: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ~ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ، قال الحسن البصري : "ولذلك خلقهم: أي خلقهم للاختلاف"، لكن الخلاف هو الشر الذي يؤدي إلى النزاعات والخصومات، والفساد والإفساد، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : "من الفساد ما يسببه التفرق والاختلاف المخالفُ للإجماع والائتلاف؛ حتى يصير بعضهم يُبغض بعضًا ويعاديه، ويحب بعضًا ويواليه على غير ذات الله، وحتى يفضي الأمر ببعضهم إلى الطعن واللعن، والهمز واللمز، وببعضهم إلى الاقتتال بالأيدي والسلاح، وببعضهم إلى المجاهدة والمقاطعة حتى لا يُصَلِّي بعضهم خلف بعض، وهذا كله من أعظم الأمور التي حرمها الله ورسوله"، ويقول العلامة ابن القيم : "ووقوع الاختلاف بين الناس أمر ضروري لا بد منه لتفاوت إراداتهم وأفهامهم، وقُوى إدراكهم. ولكن المذموم بغي بعضهم على بعض وعدوانه، وإلا فإذا كان الاختلاف على وجه لا يؤدي إلى التباين والتحزب، وكل من المختلفين قصده طاعة الله ورسوله لم يضر ذلك الاختلاف".
وبين الشيخ السديس أن المتأمل في تاريخ الأمة الإسلامية يلحظ أن الغالب اشتغالها بالاختلاف فيما بين أفرادها في أزمنة الاسترخاء والترف الفكري، ويَضْمُر حين تواجه الأمة خطرًا محدقًا أو عدوًا متربصًا، فتعود إلى الاشتغال بالمهمات، والحرص على وحدة الصف الداخلي في مواجهة عدوٍ خارجي مخالف في أصل الملة، وليس في مسألة أو مسائل أو اجتهادات، وليكن بحسبان أنه لا ينبغي لمن وَلَجَ بنفسه فنظر في اختلاف الأمة الإسلامية أن يُغْفِل أو يُهْمِل التفرقة بين من خالف في مسألة أو مسائل باجتهاد يُعذر به، ومن خالف في أصولٍ لا يسع المسلم جهلها أو مخالفتها، مشيراً إلى أن الأدلة الشرعية على أقسام أربعة: منها ما هو قطعي الثبوت قطعي الدلالة، وهذا ليس محلاً للاختلاف وليس فيه اجتهاد ولا نظر، ومنها ما هو قطعي الثبوت ظني الدلالة، وآخر ظني الثبوت ظني الدلالة، وآخرها ظني الثبوت قطعي الدلالة،
والثلاثة الأخيرة هي محل الاجتهاد المعتبر، وميدان تسابق العقول، وتباري الأذهان والقرائح، وموطن الاختلاف بالضوابط الشرعية التي تُجَمِّع ولا تُفَرِّق، وتُقَرِّب ولا تُبعد؛ ويَتَسَنَّم ذروة هذه الضوابط: تصحيح النية؛ فعلى من ينظر في اختلاف الأمة أن يكون قصده الوصول إلى الحق، مع تصحيح الخطأ وبيان الصواب، لا التشهير بالمخالف أو تنقصه، أو الظهور والشهرة والسُّمعة، والذي لا يستطيع ذلك فعليه التوقف ليسْلمَ وتسلم الأمة، جَلْبًا لمصلحة تضييق الاختلاف، يقول الإمام ابن تيمية : "وبلاد المشرق من سبب تسليط الله التتر؛ كثرة التفرق والفتن بينهم في المذاهب وغيرها، وكل هؤلاء المتعصبين بالباطل، المتبعين للظن وما تهوى الأنفس، والمتبعين لأهوائهم بغير هدى من الله، مستحقون للذم والعقاب، فإن الاعتصام بالجماعة والائتلاف من أصول الدين".
وأضاف فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام يقول: وثاني هذه الضوابط: توطين النفس على الرجوع إلى الحق، فالرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، وقد قال رجل لابن مسعود رضي الله عنه: أوصني بكلمات جوامع، فكان مما أوصاه به: "من أتاك بحق فاقبله منه، وإن كان بعيدًا بغيضًا، ومن أتاك بالباطل فاردده، وإن كان قريبًا حسيبًا"، ويقول ابن القيم : "فعلى المسلم أن يتبع هدي النبي صلى الله عليه وسلم في قبول الحق ممن جاء به، من وَلِيٍّ وعدو، وحبيب وبغيض، وبَرٍ وفاجر، ويرد الباطل على من قاله كائنًا من كان".
وأشار إلى أن ثالث هذه الضوابط: التعامل مع الاختلاف على أنه أمر طَبَعِيٌّ من طبيعة البشر، يقول الإمام الشاطبي : "فإن الله تعالى حكم بحكمته أن تكون فروع هذه الملة قابلة للأنظار ومجالاً للظنون"، والخطأ في الاجتهاد وارد، والأخذ بالعذر معتبر بشرطه عند أهل السنة والجماعة، وأهل الحِجَى تضطغن في الرأي عقولهم ولا تضطغن صدورهم، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : "كانوا يتناظرون في المسائل العلمية والعملية مع بقاء الألفة والعصمة وأخوة الدين، ولو كان كلما اختلف مسلمان في شيء تهاجرا لم يبق بين المسلمين عصمة ولا أخوة".
وذكر الشيخ السديس أن رابع هذه الضوابط: مراعاة الأحوال والهيئات، حيث اتسعت رقعة العالم الإسلامي وتعددت مُجْتَمَعَاتُهُ وتنوعت، ونشأ بسبب ذلك اختلاف في مناهج الاجتهاد وطرق الاستنباط، مما نتج عنه اختلاف في تفسير كثير من النصوص واختلاف أحكام النوازل، يقول ابن القيم : "والفتوى تتغير بتغير الزمان وتغير المكان والظروف والبيئات والأحوال".
وأوضح أن خامس هذه الضوابط والآداب: الإنصاف مع المخالف؛ قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ.
وقال الشيخ السديس وسادسها: أنه لا إنكار في مسائل الاجتهاد إلا إذا خالف نصًّا صحيحًا، يقول الإمام ابن تيمية : "مسائل الاجتهاد من عمل فيها بقول بعض العلماء لم يُنْكَر عليه ولم يُهْجَر، ومن عمل بأحد القولين لم يُنْكَر عليه، وإذا كان في المسألة قولان : فإن كان الإنسان يظهر له رجحان أحد القولين عمل به، وإلا قَلَّد بعض العلماء الذين يُعْتَمَدُ عليهم في بيان أرجح القولين"، ويقول أيضًا : "وأما إذا لم يكن في المسألة سُنَّة ولا إجماع، وللاجتهاد فيها مساغ، فلا يُنْكَر على مَنْ عمل بها مجتهدًا أو مُقَلِّدًا".
وأضاف فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام أن سابع هذه الضوابط : التعامل مع الظاهر؛ لأن اقتحام النوايا وأعمال القلوب مما لا يجوز التعامل به، فإذا أظهر المخالف قولاً موافقًا قَبِلْنَاه ولو ظننا أنه لا يعتقده إلا إذا كان مِن مُعَتَقَدِهِ - جواز الكذب أو وجوبه - فنقبل مع الحذر، فالإسلام إنما يعامل الناس في الدنيا بحسب ظواهرهم، وأما السرائر فأمرها إلى الله.
وأشار إلى أن ثامنها هو : الحذر من تزكية النفس؛ فإذا وقع اختلاف في مسألة فلا يعتقد أحد أنه مصيب فيها صوابًا لا يحتمل الخطأ، وأن مُخَالِفَه مخطئ خطأ لا يتحمل الصواب.
واستطرد قائلاً فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى، فهل يعي المسلمون بعد أن سادت بينهم الفُرقة والخلافات، وعمتهم الشقاقات والمنازعات، هذه الآداب التي جاءت بها شريعتنا الإسلامية الغرَّاء، وقال إن الخلاف في المسائل الفرعية لا يجب أن يكون مدعاة للنزاعات والانقسامات، والاتهامات والطعون في المقاصد والنيات، فنحن أحوج ما نكون اليوم إلى اجتماع القلوب، ووحدة الصفوف، والرجوع في كل أمرنا إلى كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وإلى أهل العلم العاملين، مستشهداً بقول الله تعالى وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً.
وقال الشيخ السديس ما أجدر الأمة الإسلامية اليوم وهي تبحث عن مخرج لما بُلِيت به من فتن وما مُنيت به من محن، أن تترسم خطى رسولها محمد صلى الله عليه وسلم في حسن الولاء وصدق الانتماء، فبلاد الإسلام عامة وبلاد الحرمين خاصة تتعرض هذه الأيام لحملات شعواء عبر قنوات فضائية، ومواقع إلكترونية، مما يوجب على الجميع الوقوفُ صفا واحدا في وجه تلك الفتن الهوجاء، والتصدي لكلِّ من يحاول النيل من بلاد الإسلام أو أمن الحرمين الشريفين - حرسهما الله - وعلى شباب الأمة الفطناء ألا يغتروا وينخدعوا بهذه الشناعات المفسدة، وألا يركنوا لتلك الشائعات المغرضة، فليس وراءها إلا هدمُ المجتمع وتفككُه وإخلالُ أمنه واستقراره.
وسأل فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام في نهاية الخطبة المولى أن يحفظ على بلاد الحرمين الشريفين عقيدتها وقيادتها وأمنها وأمانها وأن يحفظ أُمَّتنا الإسلامية عامة من كيد الأعداء المتربصين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.