أمير تبوك يرعى حفل تكريم مدارس الملك عبدالعزيز النموذجية    أمانة الشرقية تسلط الضوء على الموارد البشرية الخضراء    تحسن نتائج الشركات المرتبطة في برامج رؤية المملكة 2030    المملكة تقود قطار النضال الدولي    مجلة "الهندسة" بجامعة الملك خالد ضمن قائمة "سكوبس" العالمية    إعلاميون: نتطلع لاستنساخ تجارب القيادات لصقل القدرات    المغرب.. مغادرة أولى رحلات مبادرة «طريق مكة»    القيادة تهنئ ملك الأردن ورئيسي زامبيا والأرجنتين    ضبط 17030 مخالفاً للإقامة والعمل خلال أسبوع    الدفاع المدني يتيح خدمة بيان رحلة المستثمر عبر منصة «أبشر أعمال»    الفضلي يقف على جاهزية منظومة "البيئة" لموسم حج 1445ه    عبدالعزيز بن سعد يزف خريجي جامعة حائل    عروض فلكلورية بالمنتدى العالمي العاشر للمياه    السفير البصيري يقيم مأدبة غداء تكريماً لرئيس مجلس الشورى خلال رئاسته وفد المملكة المشارك في مؤتمر الاتحاد البرلماني العربي بالجزائر    النقل تؤكد ضرورة امتثال الشركات للأنظمة لضمان سلامة الحجاج    60 متطوعاً ومتطوعة بالهلال الأحمر لخدمة حجاج العراق في منفذ جديدة عرعر    وكالة فيتش ترفع التصنيف الائتماني للسعودية للكهرباء إلى +A    تعليم جدة يشارك في معرض جائزة أهالي جدة للمعلم المتميز «نحو استدامة الأثر»    منظمة الصحة العالمية تنوه بالمشاريع والبرامج الطبية التي تنفذها المملكة حول العالم    بعد قرار محكمة العدل الدولية..الخناق يضيق على إسرائيل    ضبط عمالة تغش في زيوت السيارات وتخبئها في حوش أغنام    "الأمر بالمعروف" بالحجرة بمنطقة الباحة تنشر محتوى حملة "الدين يسر"    العمير تزور مديرة الثانوية الخامسة في جازان للإطمئنان على صحتها    أمطار ورياح على أجزاء من 5 مناطق    بعد ساعات من كشف الجريمة.. القبض على «سفاح التجمع» في القاهرة    مباراة الوحدة والهلال تقترب من الطائف        أمانة نجران تضبط 1782 كيلو جراماً من اللحوم الفاسدة    جامعة الجوف: وظائف أكاديمية في 12 كلية عن طريق «النقل»    مشكلة في المثانة تنقل وزير الدفاع الأمريكي إلى المستشفى    145 ألف دولار إجمالي جوائز الدانة للدراما    "مفاجأة حزينة" و"أحلام ميسّرة" ترويها مستفيدة مبادرة طريق مكة من تركيا    الهلال يتخذ قرارًا بشأن مصير ميتشيل ديلجادو    "حسن" ينير منزل الاخصائي عزي بقال    "جوجل" تتيح مشاركة كلمات المرور مع العائلة    "سناب شات" تضيف عدسات الواقع المعزز لكروم    بن نافل: نطمح لمكانة أعلى للهلال بين الأندية العالمية    "موديز" تصنف المملكة عند "A1"    المجالس الأدبية والفنية في القرن ال19    تقنية جديدة لعلاج الشلل بالضوء    ابتكار رقاقة تحمي الأجنة قبل الولادة    الأطفال والمراهقون أكثر عُرضة لقصر النظر    مصرع عشرات الأشخاص بسبب ارتفاع درجات الحرارة في المكسيك    جمعية إسناد تقيم حفل ختامي لمستفيدي مراكز الرعاية والتاهيل    دول العالم تفشل في التوصل إلى معاهدة بشأن الاستعداد للجوائح    الاتفاق يستأنف تحضيراته بتدريب استشفائي بعد مباراة الشباب    تتويج نادي أبها ببطولة الدوري السعودي الرديف للموسم 2023-2024    "الاتحاد" يحسم لقب الدوري الممتاز لدرجة الناشئين تحت 17 عاماً    من المسؤول ؟    سيميوني: ريال مدريد هو الأفضل في العالم    القصيبي: فرق «مسام» انتزعت أكثر من 450 ألف لغم وعبوة ناسفة    ولي العهد يعزي رئيس السلطة التنفيذية بالإنابة في إيران بوفاة الرئيس ووزير الخارجية ومرافقيهما    خطيب الحرم: أمن الحرمين خط أحمر ولا شعارات بالحج    «الأحوال المدنية»: منح الجنسية السعودية ل14 شخصاً    خريجو «خالد العسكرية»: جاهزون للتضحية بأرواحنا دفاعاً عن الوطن    تنوع أحيائي    أمير حائل يشكر جامعة الأمير محمد بن فهد    برعاية الأمير عبدالعزيز بن سعود.. تخريج مجندات بمعهد التدريب النسوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عدي الحربش.. صبْر الصيّاد وعناية الصائغ
نشر في عكاظ يوم 06 - 05 - 2017

ما الذي يشغله وهو يقرأ التاريخ أو يسعى نحو ابتكار حكاياته؟ هل يستوقفه ما استوقف الآخرين وأطالوا النظر إليه.. وإنْ فعل فهل سيخرج بما خرجوا به وتوصلوا إليه؟.. هذه الأسئلة وغيرها تعبر أمام قارئ عدي جاسر الحربش في كتابه «أمثولة الوردة والنطاسي» (جداول للنشر والترجمة والتوزيع، بيروت - 2016) والذي رسّخَ به اتّجاهاً ثقافيّاً وخياراً إبداعيّاً برزَ مع إصداره الأول «الصبي الذي رأى النوم» (النادي الأدبي بالرياض - 2008).
‏كثيراً ما أتصوّر عدي الحربش واحداً من العاملين في مجال التعدين الورقي؛ ضارباً في جوف التاريخ؛ غائصاً بين آلاف الأوراق والحكايات الخام. يقوده حدسه، وتنبئُهُ خبرته عن مكامن «الحجر الكريم».. وبصبر الصيّاد وعناية الصائغ يعكف طارقاً ومقشّراً، وينكبُّ بكامل إصغائه يسوّي ويعدّل حتى تنبثق بين يديه جوهرتُهُ العالية؛ الثمينة والنادرة بغزير إشعاعها. الطِّرْسُ، بعديدِ حكاياته المكتوبة والممحوّة، تظلّ به مساحة للإضافة على غير سابقةٍ؛ يمنحها المنظورُ الجديد ويجود بها المكوِّن السحري الغامض والفكرة الطالعة تستدني من يشير إليها ويطلقها إلى مدى أبعد؛ أصيلٍ وطارف.
‏يدلف الكاتب إلى رحاب العصر المملوكي، في قصة «الوردة والنطاسي»، ويستخرج منه حكاية ابن النفيس الذي يُنسب إليه اكتشاف الدورة الدموية الصغرى. يكشط الغلافَ ويُجرِي عمليّة التلقيح بسرّ الوردة وسحرها؛ حلماً وواقعاً. يقطّر الحكاية في إنبيقٍ خاصّ ينأى عن الاعتياد والألفة؛ فتتعالى الوردة مغزى مستوراً ومجازاً مكنوناً. كلّما فلقتَ الصفحة هبَّ عبيرٌ لا اسم له لكنه يمكثُ في الذهن وفي الحواس. وفي قصة «سرّ أبي الطيّب» يتناول ما أشبعه التاريخ الأدبي بحثاً وكتابةً، غير أن ثمّة ما ينتظره وحدَه في مدوّنة شاعرنا العظيم أبي الطيّب المتنبي. ما يتوارى في السيرة وثاوٍ في تضاعيفها. المحرّض على عنفوان المتنبي وتقلّبه في البلاد وبين الحكّام. الشاعر ينكتب في ضوءٍ آخر. تحت مصباح «السرّ» يُقرأ ثانيةً. والأولويّات التي طرحتْها سيرة الرجل يُعادُ هنا ترتيبها. شعره لم يكن صدى ولا تابعاً. الحياة التي مرّ بها هي التحقيق وهي الصدى. حياته ليست إلا تبريراً لهذا الشعر. فالسجن الذي أمضى فيه عاماً واحدا بتهمة ادّعاء النبوّة هو وعاء كلّ ذلك الشعر. وعاء امتلأ وخُتم بخروج المتنبي منه. في البدء كانت قصيدته ثمّ أعقبتها السيرة تبحث عن مصداقها وتفعيل سياقها. الوقائع حدثت في القصيدة أولاً، ثمّ اُبتكِرَ لها السياق: (تخيّلَ، وتخيّلَ، وتخيّلَ، وما كان له أن يحيا لو لم يتخيّل - ص 148). هذه هي اللقية الإبداعية التي صافَحَنا بها الكاتب، وكشَفَها كشْفاً متحرّراً من التاريخ ووثوقيّة يوميّاته.
‏الحجرُ الكريم.. السرّ.. الفكرةُ الأساس.. الجوهر؛ هو حادي عدي الحربش في تنقيباته وفي سرده الممتع. الشرارة المختبئة والبانية هي المقصد. في قصة «وزارة الأسرار» تمرّ أمامنا علاقة السلطان العثماني سليمان القانوني بابنه مصطفى، والنهاية البشعة والمصير الدامي للابن؛ بقتله بتدبيرٍ من أبيه. لا يتوقّف الكاتب عند تفاصيل الحكاية إلا كإطارٍ، ولا يلفته تكرار المصائر الدامية في بلاط الحكم تحت ظلال «القيصر ليس له أبناء. إنما ورثة». يطوي صفْحاً عن هذا كلّه، ويمسك فتيلاً؛ يبلّلُهُ بزيته الإبداعي؛ فيقدح شرارته السحريّة الكامنة في «طبيعة السرّ» التي تقضي باجتماع أجزائه، فخانَ السلطان سليمان تلك الطبيعة، فبدّد السر على مجموعة من الأشخاص -كل واحد يعرف طرفا منه فقط- مخالفاً في ذلك «نواميس الكون»؛ ليعاقَب بافتضاح أسراره التي لم يبح بها لأحد، فيراها مكتوبةً على حائط القصر، ومعها تحذير: «من عمل ضدّ نواميس الكون ضربه الله فوق هامته - ص 203». يوظّف الكاتب الحكايةَ خارج مبناها العام، فيفلسف السرّ ويجعل له طبيعة سحرية، من يخرج على شفرتها فإن أمره موكول إلى الفضيحة.. وأحسب أن الفكرة نفسها، وإن بتنويعٍ، هي التي أنتجت قصة «خنجر يمان» حيث الخيانة المتبوعة بالانتقام مجسّدة في «خنجر» مترحّل له الهيئة عينها منذ «استعمله كليب في نحر تبّع»، وهو على حاله لم يتغيّر بجوهره الساري في الزمن بإرادة القتل وتشهّي الدم. في عملية مستمرة من خيانةٍ أولى تتوالَد انتقاماً فخيانات لا تتوقّف ليستمرّ الخنجر في حضوره وفعله الدمويّ.
‏عدي الحربش يضع يديه في طين التاريخ وينفخ فيه من روحه. يمهره بختمه الإبداعي ليستوي في صورة من الجمال لم تكن.
*كاتب سعودي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.