القيادة تعزي سلطان عُمان في ضحايا السيول    تراجع مؤشرات الأسهم اليابانية في جلسة التعاملات الصباحية    "القوات الجوية" تشارك بتمرين "علم الصحراء"    معالجات من "إنتل" لتعزيز حلول الذكاء    مدرب تشيلسي غاضب من لاعبيه بسبب شجار على تنفيذ ركلة جزاء    الأخضر تحت 23 يستهل حُلم "باريس" بمواجهة طاجيكستان    عودة "فيرمينو" و ماكسيمان لتدريبات الأهلي قبل "الكلاسيكو"    الدفاع المدني يقيم حفل معايدة بمناسبة عيد الفطر المبارك    الفرصة مهيأة لهطول أمطار رعدية    علاج جديد يعيد الأمل لمرضى السلّ    ارتفاع أسعار الذهب    استمرار التوقعات بهطول الأمطار مع انخفاض في درجات الحرارة ب3 مناطق    أمير تبوك يستقبل وزير الحج والمهنئين بالعيد    الهلال يتحصن من «العين»    تركي آل الشيخ يعلن أسماء أبطال العالم المشاركين في بطولة العالم للملاكمة    وزير الخارجية: تعزيز مصالح «الخليج» وآسيا الوسطى يجعل منطقتنا آمنة ومستقرة ومزدهرة    سعود بن جلوي يستقبل منسوبي محافظة جدة    تحرك مشترك وآليات للتنسيق الخليجي لمواجهة التطورات    نائب أمير مكة المكرمة يستقبل منسوبي الإمارة    «رافد» تدعو أولياء الأمور للتسجيل في خدمة النقل المدرسي    ورود وحلويات للعائدين لمدارسهم بعد إجازة العيد    المرور: لا حاجة للتسجيل لخفض قيمة المخالفات 50 %    الموافقة على تشكيل مجلس أمناء جامعة المؤسس    اقتصاد حائل يولد 28 مليار ريال في السياحة والتصنيع    «البنك الدولي»: %5.9 نمو اقتصاد السعودية في 2025    كيف تصبح أكثر تركيزاً وإنتاجية في حياتك ؟    5 أكلات تريح القولون    ثلث النساء يعانين من صداع نصفي أثناء الدورة الشهرية    ارتفاع أسعار العقارات السكنية وانخفاض التجارية    «ماسنجر» يتيح إرسال الصور بجودة عالية    تعزيز التبادل الثقافي واستلهام التجارب الناجحة.. انطلاق المهرجان السينمائي الخليجي    أحد الفنون الشعبية الأدائية الشهيرة.. «التعشير الحجازي».. عنوان للفرح في الأعياد    الكشف المبكر لسرطان الثدي    ماذا بعد العيد ؟    السراب وراء غرق «تيتانيك»    الحزام    يتنكر بزي كيس قمامة لسرقة المنازل    «إمكان التعليمية» تواصل دعم طلاب منهج «كامبريدج»    مراحل الوعي    البكيرية يتغلب على هجر بهدف في دوري يلو    أكثر من 380 ألف طالب وطالبة بتعليم جازان ينتظمون في 2,659 مدرسة    قوة الاقتصاد السعودي    25.187 ترخيصا للأجهزة السلكية الخاصة    المنطقة الشرقية تستضيف منتدى التكامل اللوجستي    تكتيك الحرب عند ترمب !    وزارة الحج والعمرة تكمل استعداداتها لإطلاق النسخة الأولى لمنتدى العمرة والزيارة    13 فكرة من آداب استخدام «الواتساب».. !    أزمة نقل ركاب الجوف.. !    الخليج بطلاً لكأس الاتحاد السعودي للطائرة    الوضع في منطقتنا.. خياران لا ثالث لهما    السلام.. واتس !    فيلم «شباب البومب» الأول في السعودية والأردن    انطلاق فعاليات مهرجان محمية الملك سلمان بالقريات    أمير نجران: أعزّ الله الدولة وولاة أمرها بالإسلام وخدمته    نائب أمير مكة يستقبل المهنئين    فهد بن سلطان ينوه بدعم القيادة لقطاع الحج والعمرة    فهد بن سلطان يستقبل وكلاء ومنسوبي الإمارة بمناسبة عيد الفطر المبارك    أمير تبوك يواسي أبناء الشيخ علي بن احمد بن رفادة في وفاة والدهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوزير ... الغزال
نشر في جازان نيوز يوم 08 - 02 - 2016

إن الذين يكتبون اليوم والذين كتبوا بالأمس عن الأندلس يجمعون ويجمع قراءهم أنه لم يكن من واقع توجيه أو إملاء من أي جانب دولي أو وطني أو هيئوي لغرض واصطناع الدعاية لتلك الدولة الأندلسية الإسلامية العزيزة فيما تميزت به من علوم وثقافات شامله على مدى الحقب والأزمان والعصور الماضية والحاضرة، تاريخ إسلامي أندلسي خلد نفسه بصدق وجداره، ازدهار غيرُ مصطنع فاق آفاق التصور، فأذهل الأوربيون فانحنوا له مرغمين فقد كانت الأندلس في فترة من الفترات دولة علم وآداب ومعرفة في شتى العلوم والمعارف ودولة حضارة وعلم يندب ويبعث إليها الملوك والقياصرة أبنائهم وبناتهم من جميع أنحاء أوروبا للتزود بالعلم والمعرفة، الأندلس لها رسغ وجمال في اللفظ والحرف، عندما تتناولها الأقلام الإسلامية تتناولها بصدق وحنين ورثاء مع استحياء على فقدها وتلاشيها ولكن لله في ذلك حكمه، وإن كان لي حديث عن ذلك الوطن الذي ضاع ولم يبقى منه إلا التاريخ والذكريات فإنني سأتناوله من جانب يحكي سيرة وزير خلده قلم أوربي مستشرق، سطر فأنصف وتناول فطال ما لم تطله أقلام أصحاب الشأن والعاقلة _ أي القبيلة _ من العرب والمسلمين، نحن نرثي ونبكي على الأطلال، والآخرون يوثقون، ثم لا ننسى أننا أحياناً نشتمهم ونقول شوهوا الحقيقة وهم معذورون أحياناً وليس دائماً فظروف الترجمة تفرض ذلك!!
في عام 1958م أي قبل ثمان وخمسون عاماً من كتابة هذا المقال ظهر كتاب حديث حينذاك –كتاب الأندلس- أو "أسبانيا في ظل المسلمين" مؤلفه المستشرق المعروف الأستاذ "أدوين هول- "Edwin Hol وسبق لهذا المؤلف أن عمل في مصر وسوريا وتركيا والبلقان وقد اغتنم الفرصة أثناء عمله في وكالة "ملقه" توات له الظرف فاستغله فعكف على دراسة الحضارة الأندلسية عن قرب فقضى في هذه الدراسة زهاء خمس سنوات خرج منها بكتابه الذي اشتمل بتميز على أحدث الأقوال والآراء في تاريخ حضارة الأندلس وجملة ما قيل وما يقال عن أقواله وآرائه أن الرجل أنصف حضارة الأندلس الإسلامية فيما فهمه وإن كان كما قيل بأنه جهل أهمل منها بعض جوانبها –ولاسيما جانب الشعر والأدب- ولأمانته أحال فيه التبعة على غيره وبلغ بذلك غاية ما يستطيعه جاهل الشيء من إنصافه وتقديره، وقد قال عنه المفكر العظيم الأستاذ/عباس محمود العقاد "كاد المؤلف أدوين هول أن يقول عن جانب الثقافة من حضارة الإسلام في الأندلس أن الدولة الإسلامية قد صنعت الخوارق في ترقية العقول والأذواق وأن ولاة الأمر فيها كانوا يَعْدُون عدو الجياد حيث سار اللاحقون بهم في خطوهم الهزيل، فيتعثرون وهم يدرجون"
ولا أود أن أسترسل في الحديث عما قاله ذلك المستشرق المنصف عن تلك الحقبة الزاهرة المزدهرة لأنني سأتحدث عما تحدث عنه المؤلف من نصيب "الأندلسي المثقف" من مهام "الدبلوماسية" في تلك العصور المحفوفة بالظلمات والأخطار كما وُصِفت، فقد نقل المؤلف عن مخطوطة وجدت بمدينة فاس مما أطلع عليه المستشرق ليفي بروفنسال أخبار أول سفارة تبودلت بين الإمبراطور البيزنطي "يتوفيلوس .. والخليفة عبد الرحمن الثاني" حيث قال في فصل العلاقات الخارجية ،وأراد تيوفيلوس أن يثير حفيظة عبد الرحمن الثاني فذكره بذبح العباسيين لآبائه وأحب أن يرضيه بالزراية من خلفاء بغداد فلم يسمهم بالأسماء التي اشتهروا بها كالمأمون والمعتصم بل نسبهم إلى أمهاتهم من جواري القصور، ولكن كما قال (العقاد) الزناد لم ينقدح لأن آباء عبد الرحمن نفسه لم يكونوا ممن ينكرون التسري بالإماء، فأجابه جوابا مفرغاً في قالب المجاملة مع التحفظ والاحتجاز، ووكل أمر السفارة إلى الشاعر النابه (يحي بن الحكم البكري) الذي كان لرشاقته وجماله يلقب بالغزال..
قال المؤلف: "وقوبل الوفد في القسطنطينية بالحفاوة الملكية، ولكن الإمبراطور أضمر في نيته أن يضطر الغزال للانحناء بين يديه على الرغم مما هو معلوم من تعذر ذلك.. فأمر بفتح باب صغير في غرفة العرش لا يدخله القادم قائما.. فلما اقبل الغزال جلس عند الباب وتقدم زاحفاً على قدميه كالجالس المتقرفص حتى بلغ ساحة العرش فنهض على قدميه، وكان الإمبراطور قد أحاط نفسه بعرض حافل بالأسلحة والنفائس يريد أن يروع السفير ويهوله، ولكنه لم يُرع ولم يستهْوِل ما رآه بل مضى على أثر وقوفه في إلقاء رسالته وسلم الإمبراطور خطاب مولاه وودائع التحف والهدايا من المصوغات والآنية الفاخرة، فكان لها أجمل الوقع في نفس الإمبراطور وكفلت للوفد الأندلسي طيب المقام وحسن الخدمة واهتم السفير اهتمامه الخاص بأهل البلد فحير علماءهم بالمشكلات الفكرية والمناقشات الذكية، وكال الضربات الموفقة لقادتهم وفرسانهم، وشاع خبره حتى انتهى إلى مسامع الملكة فأرسلت تستدعيه إلى حضرتها ومثل أمامها فسلم منحنيا وأمعن النظر فيها كالمشدوه، فأمرت الترجمان أن يسأله: أتراه يمعن النظر إليها لجمالها أو لغرابة مرآها؟
فكان جوابه الحاضر: أنه قد رأى الحسان حافات بمليكه فلم ير منهن من تضارعها في جمالها، ودار الحديث بعد ذلك على هذه النغمة المحبوبة، واستجابت الملكة لرجاء الغزال أن تسمح له برؤية الحسان من خواتين المملكة، فجعل ينظر لهن من الفروع إلى الأقدام، ثم قال ليلقي بحكمه المنتظر: إنهن في الحق لجميلات، ولكن لا وجه للمقارنة بينهن وبين الملكة التي تتنزه محاسنها وشمائلها عن النظيرات ولا يُحْسن وصفها غير المجيدين من الشعراء، وعرض عليها أن ينظم هذا الوصف في قصيد من شعره يتغنى به الأندلسيون، فوثبت الملكة فرحا ومنحته هدية نفيسة من حُلاها، فأبى أن يأخذها وقال: إنه على نفاستها وعلى اعتزازه بما تمنحه الملكة من هدية كائنة ما كانت، يحسب أنها قد وفته فوق حقه من النعمة، ومنحته غاية ما في الوسع أن تمنحه بسماحها له أن يتملى النظر بطلعتها، وأنها إن شاءت أن تضاعف له العطاء فحسبها أن تزيده حظا من النظر إليها.. ولم تكن الملكة تنتظر ما هو أكثر من ذلك، فلم تزل تدعوه إلى مجلسها كل يوم لتسأله عن مشاهداته ورحلاته وما وعاه من التواريخ والقصص، ثم تبعث إليه بعد انصرافه بالتحف الثمينة من الأنسجة والعطور ،وكأني بمعالي الوزير الشاعر "غازي عبد الرحمن القصيبي" الذي تنقل بين الوزارة والسفارة والوزارة امتداد لذلك الوزير الشاعر السيد الأندلسي ولكن مع الاختلاف في الزمن والبرتوكولات وحساسيات السياسة المعاصرة..
كانت حضارة متاع ونعمة، وكانت حضارة عقل وفهم وعاطفة، كانت حضارة إنسانية كاملة تلك الحضارة التي وصفها صاحب كتاب "الأندلس في ظل الإسلام" متوخياً لها الإنصاف غاية ما يستطيعه الكاتب الأروبي المعتز بحضارته العصرية في القرن العشرين، حضارة فريدة، لا تتكرر مهما بلغت من زهو فالصناعة غالبه فأين نحن أيها العرب نائمون عن تراثنا ولا ننقب عنه لنعيد إليه الحياة لتأنس به أجيالنا ولتقارع به حضارات الأمم ،قد أعود لأكمل الحديث وقد لا أعود وأرجو أن أعود .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.