في الزيارة الميمونة المباركة لأخيرة لخادم الحرمين الشريفين لمنطقة جازان ذكر أيده الله في كلمته التي ألقاها أن التنمية تأخرت عن منطقة جازان لأسباب لم يكن للدولة يدٌ فيها و هو إعلانٌ منه حفظه الله أن المنطقة بدءاً من زيارته ستسابق الزمن في التنمية و البناء . و الحق يقال أنه منذ زيارته تلك و العمل على تطوير المنطقة قائم على قدمٍ و ساق و الشكر هنا متجهةٌ أيضا لسمو أمير المنطقة وفقه الله الذي وضع بصمته على المنطقة منذ السنة الأولى لقدومه . و في رحلة البناء و التنمية هذه ثمة أمور أرجو ألا تغيب عن صانع استراتجيات البناء و التخطيط في المنطقة حتى لا تفقد جازان ما يميزها عن غيرها من مدن الوطن و هي كالتالي : 1- يطلق على جازان أنها سلة غذاء المملكة و هذا أمر معروف في الماضي و لكنه بدأ في الفترة الأخيرة يخبو و يخفت و ذلك لأسباب عديدة يأتي في مقدمتها مشاريع السدود و خاصة سد بيش إذ أصبح الوادي الذي يغذي القسم الأوسط من أراضي منطقة جازان الزراعية شبه معطل و بدأ التصحر يظهر جلياً و التربة التي كان طمي السيل يجددها تحتاج للمعالجة الزراعية ناهيك عن انخفاض مستوى المياه الجوفية لاستنزاف المزارعين لها بدلا من مياه السيول . كما يلاحظ أيضاً اتجاه كثير من أصحاب الأراضي و خاصة من المستثمرين من خارج المنطقة لزراعة الفواكه الاستوائية و على رأسها المانجو الذي حقق شهرة وطنية , لكنها تظل محاصيل موسمية لا تتعدى الثلاثة أشهر لتبدأ من جديد رحلة استنزاف المياه الجوفية و استصلاح الأراضي أو افسادها بالأسمدة الكيميائية . كما أن الفاكهة الاستوائية لا تحقق ذات الفائدة التي كانت تحققها المحاصيل الزراعية التي اشتهرت بها المنطقة كالذرة و الحب و البر و الدخن و السمسم التي تبقى و تدخر طوال العام و هي الغذاء الحقيقي و المعيشة الأساسية للسكان , كما أنها لا تتطلب كثيراً من المياه إذا ما سقيت الأراضي بمياه السيول بذات الأساليب التقليدية القديمة . أضف لذلك أن وفرة الزروع و الأعلاف و القصب لها دورٌ كبير في انخفاض أسعار المواشي و كثرتها بحيث يمكن تصديرها لخارج المنطقة . لكن حبس مياه السيول بالسدود و اتجاه المستثمرين الزراعيين للمكاسب السريعة عبر زراعة المانجو أضر كثيراً بزراعة الحبوب ما أدى لارتفاع أسعار المواشي و أعلافها و أضر أيضاً بطبيعة الأراضي و أستنزف المياه الجوفية بلا مردود حقيقي للأرض و ساكنها و ما قيل عن حبس وادي بيش يمكن قوله أيضاً عن حبس وادي جازان . 2- و قد يكون هذا الأمر نتيجة طبيعية لمشاريع إقامة السدود و للكثافة السكانية إذ يتجه اليوم بعض المستثمرين العقاريين في المنطقة لشراء الأراضي التي كانت تسقى سابقاً بمياه السيول و تحويلها لمخططات سكانية بعضها يقع في بطون الأودية بل لقد زاد الطمع في بعضهم فأراد تحويل مجاري الأودية لمكان آخر ليتسنى لهم تخطيط الأراضي و بيعها متجاهلين تماماً أن العبث بالطبيعة قد يؤدي لكوارث كالتي حصلت في غير ما منطقة . بعض تجار العقار يريد أن تكون جازان نسخة مكررة لمدن أخرى لا ترى فيها إلا المولات و المحلات التجارية و العمارات و المخططات العشوائية , لتكون مدناً بلا تميز و أرضا بلا روح . و كحل لمشكلة الكثافة السكانية فيوجد بالمنطقة الكثير من السباخ القريبة من البحر التي لا يمكن زراعتها و كذلك الخبوت الرملية شاسعة المساحة و هذه يمكن تخطيطها و توزيعها بشكل عادل لأبناء المنطقة بعيداً عن تخطيط الأودية و حفاظاً على الأرواح والأراضي الزراعية. و هنا لابد من القول أن منطقة جازان هي عبارة قرى موزعة توزيعاً قبلياً تحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى لمشاريع بنى تحتية تهتم ببناء مدارس حكومية و مستوصفات صحية و صرف صحي و توزيع الخدمات البلدية عليها بشكل عادل بحسب الكثافة السكانية حتى لا تتحول في المستقبل القريب إلى أحياء عشوائية مزدحمة بالحجارة مكتظة بالبشر . و لكن الملاحظ هو تركز مشاريع البنى التحتية للمدن الكبيرة و هو أمرٌ طبيعي لكن تجاهل القرى و هي عماد المنطقة و موطن الكثافة السكانية قد يؤدي لتراكم كثير من المشاكل التي يكلف حلها الشيء الكثير . 3- الأمر الأخير و هو معضلة بحد ذاتها و هو الإستنزاف غير المبرر للمياه الجوفية مع أن المنطقة يوجد بها تحلية في مدينة الشقيق و يوجد بها سد وادي بيش الذي يئن من وفرة مائه . في حين تعاني كثير من القرى بسبب الانقطاعات المتكررة للمياه ذلك أن كثير من الخزانات التي تغذيها و شبكاتها كذلك أصبحت شبه مهترئة لتطاول الزمن عليها . يقال أنه سيتم العمل على بناء وحدات تصفية لمياه سد وادي بيش لتوزع على الأحياء و القرى لكن هذا المشروع طال تنفيذه و لا نعلم متى ينتهي . خاتمة القول إن جازان أرض زراعية تهتم أساساً برعي الماشية و زراعة الحبوب لا المانجو . و غالب أرضها زراعية فنرجو ألا تطغى التجارة على الزراعة و لا جشع العقار على الديار . ترجو المنطقة كذلك ألا تتكرر فيها ذات الأخطاء التي تكررت في مدن أخرى كمشاكل العشوائيات و الصرف الصحي وأخطار السيول و شح الأراضي السكنية وغلائها .