نيابةً عن خادم الحرمين وولي العهد.. نائب وزير الخارجية يشارك في حفل مراسم تنصيب رئيس السلفادور    غرامات وسجن وترحيل.. بدء تطبيق عقوبة «الحج بلا تصريح»    «الشؤون الإسلامية» بالمدينة تفعّل خدمة «فعيل» للاتصال المرئي للإفتاء بجامع الميقات    المملكة تستضيف بطولة العالم للراليات 2025    فيصل بن فرحان يؤكد لبلينكن دعم المملكة وقف إطلاق النار في غزة    المملكة تدين محاولة إسرائيل تصنيف «أونروا» إرهابية    الهلال.. ثلاثية تاريخية في موسم استثنائي    فرنسا تستعد لاحتفالات إنزال النورماندي    التصميم وتجربة المستخدم    مقاطع ريلز التجريبية أحدث ميزات «إنستغرام»    لهو الحيتان يهدد السفن في المحيط الأطلسي أرجعت دراسة ل "اللجنة الدولية لصيد الحيتان"، سبب    «الصهيونية المسيحية» و«الصهيونية اليهودية».. !    سفاح النساء «المتسلسل» في التجمع !    «تراث معماري»    تكريم «السعودي الأول» بجائزة «الممارسات البيئية والحوكمة»    تعاون صناعي وتعديني مع هولندا    تعزيز العلاقات الاقتصادية مع ايطاليا    ريال مدريد يتوج بلقب دوري أبطال أوروبا للمرة 15 في تاريخه    آرسنال يقطع الطريق على أندية روشن    الإسباني" هييرو" مديراً رياضياً للنصر    الاتحاد يتوّج بكأس المملكة لكرة الطائرة الشاطئية    حجاج الأردن وفلسطين يشيدون بالخدمات المقدمة بمنفذ حالة عمار    الدفاع المدني يواصل الإشراف الوقائي في المسجد النبوي    إحباط تهريب 6,5 ملايين حبة كبتاغون في إرسالية "إطارات كبيرة"    «المدينة المنورة» صديقة للتوحد    بعضها أغلق أبوابه.. وأخرى تقاوم.. تكاليف التشغيل تشل حركة الصوالين الفنية    اطلاق النسخة الثالثة من برنامج "أيام الفيلم الوثائقي"    البرامج    قصة القرن 21 بلغات العالم    إرهاب «الترند» من الدين إلى الثقافة    قيصرية الكتاب: قلب الرياض ينبض بالثقافة    روبوتات تلعب كرة القدم!    "أسبلة المؤسس" شهود عصر على إطفاء ظمأ قوافل الحجيج منذ 83 عاماً    توزيع 31 ألف كتيب لإرشاد الحجاج بمنفذ البطحاء    فرز وترميز أمتعة الحجاج في مطارات بلدانهم.. الإنسانية السعودية في الحج.. ضيوف الرحمن في طمأنينة ويسر    تركيا: تكاثر ضحايا هجمات الكلاب الشاردة    إصدار 99 مليون وصفة طبية إلكترونية    ورشة عن سلامة المختبرات الطبية في الحج    الليزر لحماية المجوهرات من التزييف    توصيات شوريَّة للإعلان عن مجالات بحوث تعزيز الصحة النفسية    شرطة الرياض تقبض على مقيمَين لترويجهما «الشبو»    ثروتنا الحيوانية والنباتية    النفط يستقر قبيل الاجتماع ويسجل خسارةً أسبوعيةً    نجوم «MBC TALENT» ينجحون في مهرجان الخليج..    بلد آمن ورب كريم    ضبط (5) مقيمين بالرياض إثر مشاجرة جماعية في مكان عام لخلاف بينهم    مشروع الطاقة الشمسية في المركز الميداني التوعوي بالأبواء    شراكة بين المملكة و"علي بابا" لتسويق التمور    متنزه جدر بالباحة.. قبلة عشاق الطبيعة والسياحة    ترحيل 13 ألف مخالف و37 ألفاً تحت "الإجراءات"    "نزاهة": توقيف 112 متهماً بقضايا فساد في 6 وزارات    بَدْء المرحلة الثانية لتوثيق عقود التشغيل والصيانة إلكترونياً    جامعة الطائف ترتقي 300 مرتبة بتصنيف RUR    مدينة الحجاج بحالة عمار تقدم خدمات جليلة ومتنوعة لضيوف الرحمن    وزير الداخلية يدشن مشاريع أمنية بعسير    ثانوية ابن باز بعرعر تحتفي بتخريج أول دفعة مسارات الثانوية العامة    وزير الداخلية للقيادات الأمنية بجازان: جهودكم عززت الأمن في المنطقة    الأمير فهد بن سلطان: حضوري حفل التخرُّج من أعظم اللحظات في حياتي العملية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ذهنية التخلف.. ذهنية العار
نشر في صوت حائل يوم 14 - 01 - 2012

طبيعة الحياة في الاستمرارية، من حالة الكينونة الوجودية، إلى صيرورة وجودية متجاوزة لبدائيات التكوّن المعرفي للكائن البشري. وما بين هاتين الحالتين: (الكينونة والصيرورة) تتجسد سيرورة الإنسان من خلال معطيات كثيرة يمارس من خلالها وجوده الطبيعي والثقافي على أرض الواقع. ذلك الواقع الذي يضغط على المكوّن الذهني للبشر لخلق تصوّرات عديدة يَتَشكّل من خلالها الكثير من المفاهيم الثقافية والاجتماعية. هذه المفاهيم لا يمكن لها إلا أن تتحوّل مع الزمن والتقادم الفكري لتخلق مفاهيم جديدة مع التطور الذهني للبشر من خلال الانتشار المعرفي. هذه العلاقة بين التطور المعرفي والتطور البشري علاقة أزلية إذ لم يتشكّل الجنس البشري إلا من خلال الوعي فهو الميزة التي صنعت للإنسان هذا النوع الخاص جدا والمتميز.
طبعاً هذا الوعي في حالة تشكّل دائم مما يعني أن حالة التطور مستمرة ولم تنتهِ حتى الآن، ولن تنتهي إلا مع فناء الجنس البشري لأنه مرتبط بها ارتباطاً وجودياً. الارتباط بالوعي هو الحالة التي يمارس الإنسان من خلالها وجوده، ولذلك فمواته يبدأ مع موات هذا الوعي أو تطوره. ومع هذه الحالة فإن عمليات النكوص المعرفي أو الارتداد الفكري دائماً ما تطلّ كلما سنحت الفرصة لذلك، ذلك أن النزاع بين المكونات البدائية للجنس البشري مع الصيرورة الجديدة دائماً ما تخلق أزمات تأخذ منحيين: الأول هو التقدم والقفز إلى الأمام من خلال قطيعة متواصلة مع الماضي وخلق وعي متجدد، أو المنحى الثاني وهو العودة إلى الحضن المعرفي الأول وتطليق الصيرورة الجديدة التي تخلقت مع التطور بحيث ينزع الإنسان إلى العودة إلى ما اعتاد عليه كقلق فكري من الحالة الجديدة التي هو منخرط فيها كوجود فيزيائي طبيعي لا محالة مما تزيد أزمة الوعي لديه نفسياً وسلوكياً؛ بل وحتى فكرياً. نحن في نزاع طويل ومستمر بين القيم القديمة التي تعاهدت عليها المجتمعات وتأخرت بسببها لبقائها في الحلقة نفسها، وبين القيم الجديدة التي تقطع مع القديمة قطيعة تامة على المستوى الفكري وعلى المستوى السلوكي. هذا الصراع يشتد مع وطأة القيم القديمة، ومدى هيمنتها على الواقع وعلى حياة الناس حتى يصعب الفكاك منها للقيم الجديدة مما يعني أن حالات الانتكاس أو النكوص واردة دائما؛ لأنه ليس من البساطة أن تنزاح القيم التي تكونت مع العقل البدائي بسهولة حتى بعد قرون كما أوضح ذلك علماء الأنثربولوجيا؛ خاصة حينما يتغلّف الوعي التقليدي بالوعي الديني ليشكل سلطة معرفية وقيمية تأخذ طابع القداسة ليصعب فيما بعد خلق وعي جديد.
يحظر التماهي مع الهيمنة من خلال إشكالية القصور المعرفي والنفسي؛ أي مع صراع الوعي الناقص، ولذلك فالوعي المتجدد هو أخطر الأشياء على المنظومة التقليدية، لأنها تمارس هيمنتها الفكرية، مما يولد فيما بعد عقدة النقص، التي هي إحدى أهم العقد التي يبني الفكر التقليدي عليها بناءه من خلال ممارسة الوصاية الفكرية على المجتمع: أفراداً وشعوباً، ولذلك دائما ما حورب الفكر الجديد، لأنه يسحب البساط من هذه الوصاية، وتستخدم هذه التقليدية كل الأساليب حتى المعرفية منها في هدم الوعي المتجدد، ولو جاء عن طريق هذا الوعي نفسه من خلال نقد الوعي لذاته، أو من خلال من يمتلكون وعياً ناقصاً، كنوع من المناكفة الفكرية، ولو كانت ضعيفة، للهجوم المضاد. ولعل أهم الحالات التي يمكن استغلالها هي حالات النكوص التي دائما ما تحضر في صراع القديم والجديد في ذهن الفرد وشعوره الداخلي، وما لم يتفوق المرء على هذا الصراع بالكثير من الوعي؛ فإن حالة النكوص تحضر بقوة فيتم استغلالها من قبل الفكر التقليدي لدحض الوعي لدى المجموع الفكري للناس على اعتبار: "وشهد شاهد من أهلها".
القمع الفكري والنفسي يولّد عقدة النقص، وعقدة النقص تولّد عقدة العار، وعقدة العار دائما ما تنزاح لتضع المرأة، أو ما يتصل بها من قضايا، تجسيداً لهذه العقدة بإزاحتها، من كونها إنسانا في الأصل، إلى كونها كائناً جنسياً يولّد حالة من حالات الذعر النفسي والفكري في أبسط الأمور التي تتعلق بها كخروج اليد أو القدم أو العين أو الوجه أو شعرات في مقدمة الرأس، التي لا تثير إلا أكثر الناس تماهياً مع القمع التقليدي لإنسانية الإنسان. في كتابه القيم: (التخلف الاجتماعي: سيكولوجية الإنسان المقهور) يطرح الدكتور مصطفى حجازي هذه الفكرة بوضوح إذ يقول: "عقدة العار هي التتمة الطبيعية لعقدة النقص. الإنسان المقهور يخجل من ذاته، يعيش وضعه كعار وجودي يصعب احتماله. إنه في حالة دفاع دائم ضد افتضاح أمره، افتضاح عجزه وبؤسه، لذلك فالستر هو إحدى هواجسه على الصمود. يتمسك بشدة بالمظاهر التي تشكل ستراً واقياً لبؤسه الداخلي. هاجس الفضيحة يخيم عليه... ولكن الرجل المقهور يسقط العار أساساً على المرأة: المرأة العورة أي موطن الضعف والعيب. بسبب هذا الإسقاط يربط الإنسان المسحوق شرفه وكرامته..." ص 4445. وامتداداً لكلام د.حجازي؛ فإن الوعي الجديد في صراع الشخصية المقهورة مع ذاتها، ومع العصر، يتحوّل مشروع الوعي والتنوير أو التجديد الفكري إلى مشروع خزي وعار لا أكثر، تفرح به كل قوى التقليد للإمعان في الهيمنة الفكرية على مفاصل المجتمع في أكثر قضاياه حساسية لمدى عمق عقدة القهر والنقص والعار في الذهنية المقموعة.
إن مشكلة التخلف يمكن تجاوزها تقنياً وربما حتى فكرياً إلى حد ما (مع شكي بذلك)؛ لكن من الصعوبة بمكان تجاوزها نفسياً؛ لأنها مشكلة تغور بعيداً في الأعماق النفس/فكرية في الإنسان، والتي تجعل الصراع في الذات البشرية صراعاً قلقاً من الناحية الوجودية؛ دائما ما ترتد بالكائن البشري إلى حالته الأولى كنوع من الاستقرار الفكري والنفسي لمشاكل أبعد من أن يعيها الفرد في ذاته، ولذلك فإن الصراع لا بد أن يكون صراعاً على مسألة الوعي، وانتشاره، وتجديده، وخلق الفرص الممكنة للبيئات الصالحة لاستزراع هذا الوعي قبل الصراع على مكامن القوة السلطوية في المجتمع، من خلال النقد والنقد المتواصل لكل الأشكال التقليدية في المجتمع، وتهديم الأصنام الثقافية والدينية والاجتماعية في العقول قبل تهديمها على أرض الواقع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.