الاقتصادية - السعودية لا توجد اليوم أرقام اقتصادية توازي أهمية أرقام ميزان المدفوعات، هذا الميزان المهم جدا في عالم الاقتصاد الحديث، الذي يحدد بدقة مدى ثروة الأمة وقدرتها على الإنتاج، بل حتى البقاء في عالم تشتد فيه المنافسة يوما بعد يوم، ورغم هذه الأهمية القصوى إلا أن اهتمام وسائل الإعلام بهذا الرقم لا يعادل اهتمامها بأرقام الميزانية العامة للدولة، ذلك أن الميزانية وأرقامها ذات تأثير مباشر في المواطن، بينما ميزان المدفوعات هو مجرد انعكاس للحالة الاقتصادية والإنتاجية للوطن وليس له تأثير مباشر في حياة الأفراد والمؤسسات. فميزان المدفوعات هو سجل يوضح علاقة الاقتصاد الوطني مع دول العالم، وبشكل أدق فهو يوضح ما علينا دفعه لدول العالم، وما على دول العالم أن تدفعه لنا، وبالتأكيد فإننا ندفع للعالم في مقابل ما نستفيد منهم من خدمات وعمالة، بينما يدفع العالم لنا في مقابل ما يشتريه من منتجاتنا. وهنا تظهر أهمية أرقام هذا السجل، فنحن نطالب العالم بقيمة ما نصدره إليهم، وهم في المقابل يطالبوننا بقيمة ما نستورده منهم، هذا إضافة إلى أنواع المدفوعات الأخرى المتبادلة مع العالم. ما يهمنا في هذا المقام هو رقم المدفوعات الناتج عما نستورده وما نصدره، وبشكل إجمالي فإن واردات المملكة الإجمالية بلغت قيمتها خلال العام الماضي نحو 651.9 مليار ريال، في حين أن صادراتها غير النفطية بلغت 189.98 مليار ريال، وهذا يشير إلى مشكلة كبيرة في ميزان المدفوعات لدينا في الجانب السلعي، ولتوضيح هذه المشكلة نقدم السلع الدوائية والطبية كمثال، وحسبما نشرته "الاقتصادية" فإن المملكة استوردت خلال العام الماضي 2014 نحو 96.28 ألف طن من الأدوية، بلغت قيمتها نحو 20.6 مليار ريال، في حين صدرت المملكة 54.2 ألف طن من الأدوية بلغت قيمتها 2.21 مليار ريال خلال عام 2014. وفي هذا الخبر تظهر أهمية وتأثير أرقام ميزان المدفوعات، فنحن قد استوردنا 96.28 ألف طن من الأدوية، بينما صدرنا للعالم 54.2 ألف طن، أي أننا صدرنا من السلع الطبية ما نسبته 56 في المائة مقارنة بما قمنا باستيراده، وهذا الرقم (إذا تمت قراءته مجردا من قيمة المدفوعات) مشجع ويدل على أن صناعة الدواء في المملكة تتقدم وتنافس عالميا، لكن إذا تم النظر إلى هذه الأرقام من جانب ميزان المدفوعات فإننا اشترينا ما قيمته 20.6 مليار ريال من الأدوية، بينما بعنا للعالم فقط ما قيمته 2.21 مليار ريال (أي فقط 10 في المائة من قيمة ما نشتريه) وهذا يشير إلى أن صناعة الدواء في المملكة ما زالت بعيدة عن المنافسة، وتحتاج إلى مزيد من الاهتمام كي نغلق الفجوة في ميزان المدفوعات في هذا الجانب، وهو جانب مهم وحيوي. ولمزيد من المقارنة فإن وحدة التقارير الاقتصادية قدمت تحليلا أكثر عمقا عندما تمت المقارنة بين تكلفة السلع الطبية المستوردة التي بلغت نحو 214 ريالا للكيلو الواحد، بينما بلغت تكلفة الكيلو الواحد من صادرات السعودية من الأدوية 40 ريالا. وهذا مؤشر آخر على أن صناعة الدواء والسلع الطبية في المملكة ما زالت بعيدة عن طموحات المواطن، فالفروق في التكلفة وميزان المدفوعات تشير إلى أن صناعة الدواء في المملكة لم تزل بعيدة عن تلك الأدوية والسلع الطبية المهمة والأكثر تكلفة، وما زلنا بحاجة إلى مزيد من الاستثمارات في هذه الصناعة الواعدة جدا، وحتى نستطيع أن نقلل اعتمادنا على الآخر وأن نخفض في تكلفة المواد المستوردة من خلال التصنيع الداخلي، لها وأن نتمكن بذلك من تحقيق الأمان الاقتصادي في هذا الجانب.