انخفاض قيمة العملات الرئيسية مقابل الروبل    "موديز" تصنف المملكة عند "A1"    الدفاع المدني يتيح تمديد التراخيص عبر "أبشر أعمال"    10 آلاف غرامة استزراع النباتات الغازية    "جوجل" تتيح مشاركة كلمات المرور مع العائلة    "سناب شات" تضيف عدسات الواقع المعزز لكروم    بن نافل: نطمح لمكانة أعلى للهلال بين الأندية العالمية    الفيصل يتوِّج الهلال ب "دوري روشن"    الفرج يكشف موقفه من البقاء في الهلال    فرصة هطول أمطار على نجران وجازان وعسير والباحة ومكة    المجالس الأدبية والفنية في القرن ال19    تقنية جديدة لعلاج الشلل بالضوء    ابتكار رقاقة تحمي الأجنة قبل الولادة    الأطفال والمراهقون أكثر عُرضة لقصر النظر    مصرع عشرات الأشخاص بسبب ارتفاع درجات الحرارة في المكسيك    اختتام "مهرجان الكتاب الثاني" بنادي الشرقية الأدبي    جمعية إسناد تقيم حفل ختامي لمستفيدي مراكز الرعاية والتاهيل    أمانة الشرقية تختتم مشاركتها في المؤتمر الخليجي لتنمية الموارد البشرية    دول العالم تفشل في التوصل إلى معاهدة بشأن الاستعداد للجوائح    تتويج نادي أبها ببطولة الدوري السعودي الرديف للموسم 2023-2024    "الاتحاد" يحسم لقب الدوري الممتاز لدرجة الناشئين تحت 17 عاماً    الاتفاق يستأنف تحضيراته بتدريب استشفائي بعد مباراة الشباب    بوتين يدعو إلى إجراء مفاوضات مع أوكرانيا    من المسؤول ؟    الدفاع المدني يتيح خدمة تمديد مدة التراخيص عبر منصة "أبشر أعمال"    «البرلمان العربي» يرحب بقرارات محكمة العدل الدولية    سيميوني: ريال مدريد هو الأفضل في العالم    القصيبي: فرق «مسام» انتزعت أكثر من 450 ألف لغم وعبوة ناسفة    رسميًا.. المملكة تتسلّم ملف استضافة المنتدى العالمي ال( 11) للمياه    وفد "شوري" يلتقي وزيرة التكامل الأفريقي والخارجية السنغالية    رئيس مجلس الشورى يصل الجزائر    شرطة القصيم: القبض على مقيم سوري لابتزازه فتاة    اجتماع دوري لتراحم القصيم    جامعة الملك خالد تحقق المركز 111 بين الجامعات الشابة في تصنيف التايمز العالمي 2024    ضبط مواطنين بنجران لترويجهما مادة الإمفيتامين المخدر    ولي العهد يعزي رئيس السلطة التنفيذية بالإنابة في إيران بوفاة الرئيس ووزير الخارجية ومرافقيهما    مدير عام هيئة الأمر بالمعروف بنجران يزور محافظ شرورة    حلقة نقاش عن استعدادات الرئاسة لموسم حج 1445ه    أمطار رعدية على أجزاء من 4 مناطق    خطيب الحرم: أمن الحرمين خط أحمر ولا شعارات بالحج    «الأحوال المدنية»: منح الجنسية السعودية ل14 شخصاً    المملكة توقع 16 اتفاقية ومذكرات تفاهم مؤتمر مستقبل الطيران 2024    كوادر سعودية ترسم السعادة على ضيوف الرحمن الأندونيسيين    المخرجة السعودية شهد أمين تنتهي من فيلم "هجرة"    دار طنطورة.. التراث والحداثة بفندق واحد في العلا    "العلا" تكشف عن برنامجها الصيفي    خريجو «خالد العسكرية»: جاهزون للتضحية بأرواحنا دفاعاً عن الوطن    متى القلق من آلام البطن عند الطفل ؟    «رحلة الحج» قصص وحكايات.. «عكاظ» ترصد: كيف حقق هؤلاء «حلم العمر»؟    البليهي: تبقى لنا مباراة لإنهاء الدوري بلا هزيمة    سفارة المملكة في إيرلندا تحتفي بتخرج الطلبة المبتعثين لعام 2024    الاستثمار الثقافي والأندية الأدبية    «الثقافة» و«التعليم» تحتفيان بالإدارات التعليمية بمختلف المناطق    تنوع أحيائي    فيصل بن خالد يرأس اجتماع الجهات الأمنية والخدمية المشاركة في منفذ جديدة عرعر    دفعة جديدة من العسكريين إلى ميادين الشرف    أمير حائل يشكر جامعة الأمير محمد بن فهد    برعاية الأمير عبدالعزيز بن سعود.. تخريج مجندات بمعهد التدريب النسوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التضليل الفكري
نشر في أنباؤكم يوم 29 - 09 - 2014


مكة أون لاين - السعودية
من الصعب على الكاتب أن يجعل من نفسه قاضياً ليحكم على الآخرين، ولكن حينما يجد الكثير من حملة الأقلام يقومون بنفس الدور، وبشكل وموضوع غير شرعيين، حيث تجده يضع نفسه المالك للحق المطلق، والآخر هو القابل للجمع والطرح وحتى التقسيم، حيث تجد في المكتبات الكثير من الإصدارات التي جعل صاحبها له الحق في تصويب هذا وتخطئة الآخر، على حسب رأيه واجتهاده وربما ذوقه، والمشكلة تكبر حينما يضيف لكلامه الاستدلالات المقدسة التي لا يجوز الاستقواء بها لرأي شخصي بهذا التفرد.
كنت خلال الفترة الماضية أقول في نفسي ولمن حولي: لماذا لا يكون لدينا في العالم العربي والإسلامي مراكز للبحوث والدراسات بشتى احتياجاتنا الدينية والدنيوية، حيث نرى في الغرب الكثير من هذه المراكز المتقدمة التي تبني نتائجها على دراسات علمية موضوعية، وتصبح محل التقدير والتنفيذ من صاحب القرار، ولكن حينما فرحنا في وطننا العربي والإسلامي ببعض هذه المراكز المحدودة عدداً وعدة؛ إذا بنا نرى أنها موجهة ومؤدلجة، ومقررة نتائجها قبل الشروع في بحوثها ودراساتها، وهنا نفرق بين الحياد والانحياز، فالحي هو الذي يخلق قناعاته بعقله والميت هو الذي تخلق قناعاته عقله.
من المعروف أن الواجب على الباحث عن الحق أن يستدل ثم يعتقد، لا أن يعتقد ثم يستدل، ولذا لو سألنا أنفسنا عدة أسئلة منطقية لنصل بعدها إلى تشخيص حالنا اليوم: فكم مرة تغير رأينا حينما درسنا المسألة؟ وكم مرة تغير رأي أحد منا حينما تمت محاورته؟ بل وكم مرة التزمنا بموضوعية الحوار وآدابه؟ ولو نظرنا إلى البرامج الحوارية الفضائية الغربية للاحظنا مستوى المنطق والأخلاق وإعطاء الحق للآخر بأن يرى ما يعتقده صواباً، في حين أننا كمسلمين نحتفظ بتنظيرات ورقية ولسانية حول هذه المسلمات العلمية والأخلاقية، ولكن عند الممارسة الميدانية تخرج لنا حقائق الالتزامات الفكرية.
وسأعطي مثالاً يدركه الكثير من المثقفين، وهو أن بعض المنظرين يرمي البعض الآخر بأنه مقرب من السلطة السياسية ويدافع عنها لا لأنه يعتقد صوابها وإنما لمكاسب دنيوية، في حين أننا لو رجعنا للواقع لرأينا الكثير ممن يتم رميهم بهذه التهمة من المخلصين لأفكارهم لا لمصالحهم، في حين لو رأينا الآخرين للاحظنا أنهم يوالون "الحزب - الجماعة" ويدافعون عنه ويغلظون في ذلك وهم في كثير من حالاتهم يعرفون أنهم على الباطل ولكن المصالح الفردية المكتسبة من الانتماءات الحزبية تبرر لهم ذلك، والأسوأ حين يتم تجويز هذا الفعل بأنه قربة إلى الله، ولذلك يقل في زماننا وجود المستقلين عن انتماءاتهم الحزبية ممن يملكون الشجاعة لمخالفة الانتماء عند حضور الذمة، وكان الله في عون المخالف بعد الشجاعة النادرة حيث سيتم تسريحه لكونه من المشاغبين، في حين لا نجد الأنظمة السياسية غالباً تعامل مواطنيها بهذا الشكل، وإلا لامتلأت الشوارع بالمسرحين، وهنا مكمن المشكلة حينما يكون الولاء للحزب مقدما على الولاء للحق والمجتمع والمصلحة العامة، فتجده حينما يتكلم ويكتب فلمصلحة الحزب وبتوجيهه، وحتى حينما يسكت فلمصلحته الشخصية، وإذا كان هذا المنهج الميكافيلي غير مستغرب في الأحزاب الدنيوية فيكون جريمة دنيوية وكبيرة أخروية عندما يصدر عن الأحزاب الدينية.
أسوأ ما أراه في حياتنا العربية التناقض بين القول والفعل، والغريب في الأمر أن الكثير من الإسلاميين يركز على مصطلح النفاق ويوزع التهم على الآخرين بأنهم من المنافقين، وذلك لمجرد أنهم خالفوا رأيه أو ساروا بعكس مصالح حزبه، ولكن عندما نتحقق من النفاق الحقيقي نجده في مسلك بعض هؤلاء القوم الذين خالف قولهم فعلهم، وخالف نظرهم تطبيقهم، ولذا من المعروف التفريق بين النفاق العملي والاعتقادي، والاعتقاد من البواطن التي لا يعلمها إلا الله، ولكن الظاهر يراه الجميع ويعيه العقلاء في الأمة.
وحتى لا أكون مبالغاً، لو سألت الكثير من القراء: كم هي الكتب التي قرأتها لتستفيد منها لا أن تعيب وتستعيب؟ وهل هذه الكتب من الموافقة لرأيك أم من المخالفة لتوجهاتك؟ وهل لديك قرارات مسبقة للقراءة بحيث لن تقبل إلا ما سبق لك القناعة به ولن ترد إلا ما سبق لك النفور عنه؟ والأهم من هذه الأسئلة كلها: كم مرة غيرنا آراءنا بعد قراءاتنا؟ وهل لدينا القناعة بقابلية التغيير الذاتي والتطوير المعرفي لثقافتنا؟ أم أننا قد قررنا سلفا كل آرائنا وتوجهاتنا؟ ومن المسلم به أن الثوابت ليست مكانا للتغيير، ولكن كم نسبة الثوابت من المتغيرات، وكم نسبة الدينيات من الدنيويات التي هي في دائرة المباحات؟! كثيراً ما يتم تضليل العموم لأجل البقاء في مربعاتهم التقليدية، وحينما يخرج منهم عاقل متميز يبادر بجهود ذاتية للمعرفة الحقيقية والتنمية الفكرية حتى يبدأ النيل منه.
إن التضليل الفكري اليوم الزاعم بتملك الحقيقة المطلقة، والنيل من الحقيقة الغائبة، لهو المتسبب في تخلفنا الفكري الذي أخرج لنا التخلف الميداني، ومن خطأ الفكر إلى خطيئة الفعل، ومن جنحة الرأي إلى جريمة التبرير التي جعلت البلاد العربية مجتمعة لا تساوي بعض الناتج الاقتصادي لواحدة من الدول غير المستلقية على آبار من النفط، وإنما قائمة على أيدي رجال يفكرون بعقولهم ويعملون لزمانهم مع احترامهم ثوابتهم وتمسكهم بمبادئهم ومحافظتهم على قيمهم وحتى عاداتهم وتقاليدهم، وإذا كان الفعل الخاطئ جريمة، فإن الجريمة الأشد والمصيبة الأعظم حينما نبرر هذا الفعل والتخلف عبر التضليل الفكري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.