اليوم - السعودية كثيرا ما انتقدتُ الأحضان والقبلات في المناسبات الاجتماعية السعيدة أو الحزينة للأشخاص الذين نعرفهم والذين لا نعرفهم، وكثيراً ما انتقدتني صديقتي ضاحكة حين لاحظت مبالغتي في استخدام ذريعة (الزكام) لإبعاد الغرباء، ولذلك استغربتُ قبل عدة أشهر من استغراب مجتمعنا الحميمي قبل شهور لما فعله «بندر» حين حمل لوحة (الحضن المجاني) في شارع التحلية بالرياض، حيثُ تم وصم هذا الفعل بأنه تقليد للغرب، وأنه ممارسة لسلوك غير لائق، ولا أعرف كيف انقلبت هذه الآية!!، فحتى إن كانت الفكرة غربية، وشوهدت من قبل الملايين على (اليوتيوب)، لكنني على يقين أكبر بأن الغرب هم من قام بتقليد حميميتنا اعجاباً بنا وليس العكس، فهم الذين يعتبرون هذه السلوكيات الحميمة غير لائقة، خاصة إن جاءت من طرفين يحملان الجنس ذاته. فإن كنّا نمارس الأحضان والتقبيل في الشارع وفي الاحتفالات والعزاءات وبمناسبة وبلا مناسبة، فهل المشكلة كانت في (اللوحة) فقط التي حملها بندر وصديقه إذن!!. يشاركنا في هذه الصفة الحميمة الشعب الإيطالي أيضاً، ف«ليو بوسكاليا» كاتب من أصل إيطالى يمتلك دفء وحرارة ومشاعر الإيطاليين، عمل محاضراً في جامعة كاليفورنيا بأمريكا، إلى أن سمع بخبر إنتحار احدى طالباته الذكيات، مما تسبب له بصدمة وحزن شديدين، محملا ذاته مسؤولية عدم فهمها أو منحها ما تستحق من محبة واهتمام أو منعها مما أقدمت عليه، ولهذا فكّر أن يستعيد مخزون عواطفه الايطالية، محارباً برودة الغرب ومشاعرهم، فقرر أن يعطي دروساً مجانية في (الحب)، وبالطبع قوبل بالاستهجان وبالاتهام بالتفاهة والجنون والشذوذ أىضاً، ولكنه واصل طريقه ليصبح أشهر أساتذة علم الحب والعلاقات الانسانية. اشترك «بسكاليا» كمحكّم في مسابقة لاختيار أكثر الاطفال حنانًا واهتماما بالاخرين، وأورد حكاية طفل في الرابعة من عمره، كان قد اختير الأول بلا منازع، حيث كان يجلس الطفل على عتبة منزله حين لاحظ أن جارهم المُسن يبكي في الحديقة بعد أن فقد زوجته التي توفيت وتركته وحيداً، مما دفع الطفل للتقدم باتجاه الجار والجلوس في (حضنه)، وعندما عاد بعد فترة سألته والدته: ماذا صنعت مع ذلك الجار؟، أجابها: لا شيء.. لقد ساعدته على البكاء فقط. إن كانت لوحة الأحضان المجانية ممنوعة، لنفكر إذن في استئجار الأطفال ليساعدونا على اقتراف الدموع والتعبير عن مشاعرنا من جديد. تويتر @hildaismail