14 قتيلا جراء انهيارات أرضية في جزيرة إندونيسية    حماس تقدم تنازلات وإسرائيل تتمسك بالحرب    سيرك نصراوي في شباك الفرسان    صفقة الأسرى تنتظر رد «حماس».. ومظاهرات غاضبة تطالب برحيل نتنياهو    مدرب الشباب: لا أفكر في الأهلي    بلدية حوطة بني تميم تسهم في جودة الحياة لأهالياها بمبادرات وبرامج وتطوير يحقق رضاهم    هيئة الأفلام تشارك في الدورة العاشرة لمهرجان أفلام السعودية    الخليج يعلن إصابة ثلاثي الفريق    غداً.. إقامة المؤتمر الدوري للقطاع الرياضي في الرياض    ضبط مواطن في حائل لترويجه مادة الإمفيتامين المخدر    تعيين 261 مُلازم تحقيق بالنيابة العامة    حصر المباني الآيلة للسقوط بالدمام    تحذيرات من 5 أيام ممطرة    رئيس الإمارات: رحم الله الشاعر الأمير بدر بن عبدالمحسن.. رحل بعد رحلة طويلة من الإبداع    ريال مدريد يحقق لقب الدوري الأسباني للمرة ال36 في تاريخه    لا توجد حسابات لأئمة الحرمين في مواقع التواصل... ولا صحة لما ينشر فيها    انطلاق شهر التصلب المتعدد    الديوان الملكي ينعى الأمير بدر بن عبدالمحسن    منصور بن متعب ينقل تعازي القيادة لرئيس دولة الإمارات في وفاة الشيخ طحنون بن محمد آل نهيان    أمير الجوف يعزي معرّف جماعة الشلهوب بوفاة شقيقه    "فلكية جدة": شمس منتصف الليل ظاهرة صيفية    الرياض تستضيف أكبر معرض دولي في صناعة الدواجن    رئاسة وزراء ماليزيا ورابطة العالم الإسلامي تنظِّمان مؤتمراً دوليّاً للقادة الدينيين.. الثلاثاء    السعودية تؤكد ضرورة إعادة هيكلة منظمة التعاون الإسلامي وتطويرها    «يويفا» يوافق على زيادة عدد اللاعبين في قوائم المنتخبات المشاركة بيورو 2024    الديوان الملكي: الصلاة على البدر عصر غد    وزير الخارجية: السعودية تؤكد ضرورة إعادة هيكلة «التعاون الإسلامي» وتطويرها    لن يغيب "البدر" لأن صفاءه في القلوب علامة    ضبط أكثر من 19600 مخالف لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    160 ألف سيارة واردات المملكة خلال عامين    بدر بن عبدالمحسن.. غاب البدر وانطفى ضيّ الحروف    ملتقى الصقارين ينطلق في الرياض بهدف استدامة هواية الصقارة    رافضاً الكشف عن تفاصيلها.. خطة ترمب لإنهاء حرب أوكرانيا    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في غزة إلى 34654    اللجنة الثلاثية «السعودية - التركية - الباكستانية» تناقش التعاون الدفاعي وتوطين التقنية    نيابة عن الملك.. وزير الخارجية يرأس وفد المملكة ب"مؤتمر القمة الإسلامي"    "تسلا" تقاضي شركة هندية لانتهاك علامتها التجارية    "زرقاء اليمامة" تفسر أقدم الأساطير    رحل البدر..وفاة الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن عن عمر ناهز ال75 عاما    توافق سعودي – أذربيجاني على دعم استقرار "النفط"    مصر: الفنانة السورية نسرين طافش تستأنف على الحكم بحبسها 3 سنوات.. الأربعاء    الذكاء الاصطناعي يبتكر قهوة بنكهة مميزة    3 مخاطر لحقن "الفيلر" حول العينين    بدء إجراءات نقل السيامي "عائشة وأكيزا" للمملكة    إغلاق مؤشرات أسواق الأسهم الأمريكية مرتفعة    الجنيه الإسترليني يرتفع مقابل الدولار الأمريكي وينخفض مقابل اليورو الأوروبي    انخفاض أسعار النفط في أكبر خسارة أسبوعية في ثلاثة أشهر    بيان «الصحة» عكس الشفافية الكبيرة التي تتمتع بها الأجهزة الحكومية في المملكة    بأمر الملك.. إلغاء لقب «معالي» عن «الخونة» و«الفاسدين»    محمية عروق بني معارض.. لوحات طبيعية بألوان الحياة الفطرية    «النصر والهلال» النهائي الفاخر..    أمانة الطائف تنفذ 136 مبادرة اجتماعية بمشاركة 4951 متطوعًا ومتطوعة    سحب لقب "معالي" من "الخونة" و"الفاسدين"    "الفقه الإسلامي" يُثمّن بيان كبار العلماء بشأن "الحج"    وزير الدفاع يفتتح مرافق كلية الملك فيصل الجوية    كيفية «حلب» الحبيب !    بيان صادر عن هيئة كبار العلماء بشأن عدم جواز الذهاب للحج دون تصريح    هكذا تكون التربية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وقالت الصناديق للديك نعم!
نشر في أنباؤكم يوم 18 - 01 - 2014

الشروق - القاهرة
«الجماهير كاس وداير، والصناديق دوارة يا برنس تماما كالميادين»، يعنى، إذا كنت قد تعلمت من السنين الثلاثة الماضية دروسا ما، فينبغى أن يكون هذا الدرس أحدها، لذلك لا تضيع وقتك مع من يضيع وقته فى مهاجمة الشعب وتطليع العبر فيه لأن اختياره الصناديقى لم يعجبه، فتلك حماقة، تشبه تماما حماقة من يقوم بتمجيد الشعب وتطليعه سابع سماء لأن اختياره الصناديقى وافق هواه.
الانفعالات اللحظية حق مكفول لكل مواطن، لذلك لا تنشغل بمناقشة من يردد كلاما من نوعية «إحنا أعظم شعب فى العالم»، ودع أقرب اشارة مرور مزدحمة تقوم عنك بالمهمة، وغالبا ستجده يردد فيها كلاما من نوعية «إحنا شعب لازم له إبادة جماعية»، وعندها أيضا لا تنشغل بمناقشة كلامه، لأنك ستجده مع أقرب حقنة شحن عاطفى يردد بيقين «إحنا أعظم شعب فى العالم»، وهكذا «دواليه».
أنت تعلم ما الذى يمكن أن يحدث لو نشر شاعر فى هذه الأيام قصيدة تقول «وما أنتِ يا مصر دار الأديب.. وما أنتِ بالبلد الطيب.. وشعبٌ يفرُّ من الصالحات.. فرار السليم من الأجرب»، لعلك تعلم أن قائل هذه الأبيات هو شاعر النيل حافظ ابراهيم، وهو نفسه الذى كتب رائعة (مصر تتحدث عن نفسها)، لذلك لا تراهن على المواقف العاطفية مهما بدت صاخبة وصادقة، ودعنا بعد أن نتبادل قصائد المديح الوطنى وقصائد الهجاء الوطنى أيضا من أجل جلد الذات أحيانا ومرهمتها أحيانا، نتكلم أكثر عن موقعنا الوطنى فى الإحصائيات الدولية للأفضل والأسوأ فى التعليم والصحة والبحث العلمى ومكافحة الفساد وتداول المعلومات وتمكين الشباب، لعلنا «نتواصى بالحق والصبر»، ونذكر أنفسنا بقولة المرحوم عبدالحليم حافظ الخالدة: «طويلة لسه طويلة»، التى لو آمن بها الكثيرون لهدأت أعصابهم الملتهبة على الدوام، ولأدركوا أن كل شىء فى الدنيا له نهاية، وخصوصا الأدرينالين المصاحب لنشوة التخلص من شركاء الوطن المخالفين، فالركة كلها على من سيمتلك الصبر والعقل بعد أن ينقشع غبار المعركة، حين ينظر «اللى بقيوا» حولهم ليدركوا ما جنته أيديهم بأنفسهم وبوطنهم.
لن أكذب عليك، لست منزها عن لذة الهيافة، ولذلك أعترف أن مشاهد الرقص الجماعى أمام مراكز الاستفتاء أبهجتنى، ليس لأننى ضعيف أمام البهجة أينما حلت لا تنس أن شعار (خلى الشعب يعيش) انطلق من أحد أفلامى ولكن لأننى وجدت تلك المشاهد نهاية «مسخراوية» منطقية لفيلم (موتوا بغيظكم) الذى لعب الإخوان بطولته على مدى عامين ونصف، مرددين فى كل مشاهده تلك العبارة الحقيرة على كل من كان يذكرهم بأن الديمقراطية ليست مجرد صناديق انتخابات، وأن الديمقراطية التى لا تكفل حق المعارضة ولو كانت أقلية فى التعبير الحر الكامل عن رأيها، ليست سوى أكذوبة لن يكتب لها الاستمرار طويلا.
ربما لو كانت ستتاح لى الفرصة لوضعت تلك المشاهد الراقصة على فلاشة وأرسلتها إلى خيرت الشاطر فى محبسه، بعد أن أضيف إليها صوت نجم مارس 2011 الشيخ محمد حسين يعقوب وهو يهتف «وقالت الصناديق للدين نعم.. واللى مش عاجبه يروح كندا»، فتهلل له الجموع المتشددة التى اعتبرها الشاطر كنز الإخوان الإستراتيجى الذى سيساعدهم على الإفلات بخيانتهم للثورة، لكننى لن أفعل ليس فقط لأنه سيظن ذلك رغبة فى التشفى لا سمح الله، بل لأننى متأكد أن الشاطر لن يفهم مغزى رسالتى، بل سيفعل ما يفعله كثير من إخوته خارج السجن الذين يبدأون فى تعليقهم على الاستفتاء بالحديث عن الجماهير المحشودة غصبا والصناديق المزورة، ثم ينتقلون إلى اللعب بالورقة الطائفية التى ما زالت تستهويهم برغم احتراقها، ثم يختمون حديثهم بعبارة «بس الديمقراطية مش الصناديق بس»، تلك العبارة التى كانت حتى أشهر مضت لا تلقى منهم إلا ردودا أقلها سماجة: «موتوا بغيظكم».
يشهد الله أننى لم أكن أريد أن يموت أحد بغيظه ولا بقهره فى هذا الوطن، وما يجعلنى منذ مجزرة المنصة وما تلاها، أعلن رفضى لقتل الإخوان على الهوية وممارسة سياسة العقاب الجماعى ضدهم دون تفريق بين المجرم والبرىء، ليس مثاليتى الحالمة كما يتصور البعض، بل لأن واقعيتى البحتة علمتنى أن «الاستقواء بالحشود سلاح ذو حدين»، وأن الرقص على جثث الخصوم لا يبنى وطنا متقدما، بل يخلق عشة فراخ يسود فيها تقديس الديك المتغلب على العشة، وتنتشر هواية الالتصاق الطوعى بالفضلات الملقاة فى الطرقات، ويغلب على سكانها الاستسلام للمصير المجهول وسيادة الحلم الفردى بالنجاة من الذبح الوشيك.
فى عهد الإخوان البائخ، كانت الشاشات والصحف تمتلئ بمن يقولون صباح مساء إن الديمقراطية ليست هى الصناديق فقط، وإنها لا مستقبل لها بدون احترام رأى الأقلية وضمان حرية المعارضين، واليوم وفى مواجهة حملات التنكيل المادى والمعنوى بأصحاب الآراء المعترضة أو حتى المتحفظة، لن تسمع لهؤلاء ركزا ولن تجد لهم أثرا، فقد انتقلوا ذاتيا إلى التشغيل على وضع «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، مراهنين على استنادهم إلى حائط القمع الذى سيحميهم وأسيادهم من سقوط الإخوان السريع.
قد يكون ذلك واردا، لكن المؤكد أنه لا يمكن صناعة مستقبل مشرق بكتالوج الماضى الحقير، وأن خلطة «التخويف والتخوين» قد تساعدك على عبور مرحلة مؤقتة، لكنها لن تنجح أبدا فى حل مشاكل مزمنة يعانى منها الملايين، بمن فيهم أولئك الذين رقصوا طربا برحيل الإخوان، ويوما ما، عندما ينتهى مفعول النشوة الوطنية، سيصحو الناس على حقيقة الاشتغالة العظيمة، ليحصوا خسائرهم ومكاسب الذين تاجروا بالكراهية وتربحوا من التخويف وبنوا أدوارا إضافية فى مستقبل أنجالهم وأحفادهم، ب «مونة» قوامها دماء المدنيين والضباط والجنود، ودموع الأرامل واليتامى.
لقد اختطف الجنرالات وحلفاؤهم من قبل إرادة الميادين الثائرة بالصناديق الراغبة فى الاستقرار والبركة، ثم قاموا بتوظيف الميادين الغاضبة للإطاحة بحلفاء الأمس وصناعة واقع جديد عبر الصناديق الراغبة فى الاستقرار والحنان، لكن الطمع خطيئة الإنسان الأخطر يقودهم الآن إلى احتكار الميادين والصناديق معا، عبر سياسة استخدام جيل الآباء والأمهات لقمع وتطفيش وتزهيق جيل الأبناء، وهى سياسة لم يتم تطبيقها فى بلد إلا وكانت مسلية فى البداية، قبل أن تقلب فى النهاية بغم مبين، يطيح أول ما يطيح بصانعيها الذين يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
ولذلك قالوا فى الأمثال: الدبة التى تقتل صاحبها القديم، لن يفرق معها صاحبها الجديد ببصلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.