من المسلم به أن الفساد المالي والإداري لا يكاد يخلو منه مجتمع من المجتمعات، لكن المجتمعات تتفاوت في النسبة الموجودة منه فيها. غالبا ترتبط نسبة وجود الفساد في المجتمع طرديا مع نسبة التخلف في المجتمع، يزدهر التخلف في المجتمع فيزدهر فيه الفساد وبالعكس. النجاح في مكافحة الفساد يمثل صورة من صور تقدم المجتمع، المجتمع المتقدم في أنظمته ومعاملاته لايجد فيه الفساد بيئة صالحة للنمو والانتشار، صلاح الأنظمة وتفعيلها وتحقيق الديموقراطية يضيق الخناق على الفساد فلا ينمو في المجتمع. من نافلة القول أنه لا يمكن إنجاز البناء التنموي وتحقيق العدالة الاجتماعية ما لم يقض على الفساد أولا، لهذا نجد أن من أكثر المواضيع شغلا للناس الحديث عن الفساد وكيفية القضاء عليه، وفي منتدى الجنادرية 28 خصصت جلسة لمناقشة موضوع الفساد كان من أبرز المتحدثين فيها معالي رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد. مما قاله معاليه، أو على الأقل ما فهمته من كلامه، أنه يعول في مكافحة الفساد على أمرين: التوعية وإيقاظ الضمير لدى الناس، وتعقب آثار الفساد لاكتشافه وتحديد مواقعه. أما غير ذلك فلا دور للهيئة فيه!! لكن الاعتماد على تثقيف الناس حول الفساد وانتظار أن تمنعهم معرفتهم بضرر الفساد من الوقوع فيه، هو نوع من المثاليات التي لا تكون سوى في أحلام الحالمين، فالمفسدون يقعون في الفساد لإغراءاته وليس لأنهم يجهلون الحكم فيه: (حلال أو حرام)، (خير أو شر) (نافع أو ضار). في أكثر من مناسبة ذكر معالي رئيس الهيئة مؤكدا أن الهيئة يقتصر دورها على اكتشاف الفساد، وأنها ليست مسؤولة عن تعقب الجهة التي يكتشف فيها أو التحقيق معها، فمهمة الهيئة تنتهي بإحالة ما تكتشفه من فساد إلى الجهة المعنية بذلك. هذا التأكيد من معاليه يدفعنا إلى التساؤل عن أهمية الدور المناط بالهيئة من أجل مكافحة الفساد؟ هل مجرد اكتشاف الفساد كافٍ للقضاء عليه أو على أضعف الإيمان الحد منه؟ إن اكتشاف الفساد أشبه بالتشخيص للمرض، هو وإن كان خطوة أساسية ضمن خطوات العلاج، إلا أن التوقف عنده والاكتفاء به لا يفيد شيئا، ولا يغير حالة المريض إلى ما هو أفضل. رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد يبرر توقف عمل الهيئة عند نقطة الكشف عن الفساد، بأن هيئة الرقابة والتحقيق هي الجهة المناط بها اتخاذ الإجراءات العملية تجاه قضايا الفساد، لكن هيئة الرقابة والتحقيق موجودة منذ زمن بعيد ووجودها لم يحل دون نمو الفساد واستفحاله واستشرائه في كل مكان، فما الجديد الذي ستضيفه هذه الهيئة غير ما كانت تقوم به منذ إنشائها عام 1391 ؟! أم أنها كان ينقصها اكتشاف الفساد وتحديد مواقعه. أما الآن بعد أن تولت هيئة مكافحة الفساد القيام بهذه المهمة سيكون لها مع الفساد شأن آخر؟!.