محمد بن عبدالله المشوح - عكاظ السعودية نصت المادة الأولى من نظام القضاء «القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير أحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية وليس لأحد التدخل في القضاء».. وهو نص صريح قام عليه القضاء السعودي منذ نشأته وبدياته وتكرس هذا المفهوم من خلال عدم التدخل في سلطته من قبل أي أحد مما أوجد للقضاء مكانته واحترامه لدى الجميع. والسلطة القضائية كما هو معلوم هي إحدى السلطات الثلاث في الدولة التي ترتكن عليها في عدلها وسياستها للناس. والقضاء السعودي راوح كل عمره الذي يقارب ثمانين عاما بين دمج السلطتين المتمثلة في وزارة العدل والمجلس الأعلى للقضاء والأخذ بكلتا التجربتين المعمول بهما في العالم. ومن خلال الأمر الملكي الكريم الأخير المتمثل في تكليف معالي وزير العدل بالقيام بأعمال رئيس المجلس الأعلى للقضاء إضافة إلى عمله نستطلع أمرا مهما متمثلا في الأخذ بالتجربة الأخرى التي انقطع العمل بها من حوالى ثلاثين عاما. وهناك من يخلط بين سلطة الأحكام القضائية المتمثلة في هرمها وهو المحكمة العليا وبين السلطة القضائية المتمثلة في المجلس وهي إحدى أجنحة العمل الإداري للسلطة القضائية وإن كان من يفسر عزل القضاة وتنحيتهم مما يتدرج تحت السلطة القضائية وهي تقع ضمن أعمال المجلس. الاختصاصات القضائية المناطة بوزارة العدل يقابلها أصوات عالية من المؤسسة القضائية والعاملين فيها تدعو إلى التسريع بالعديد من الإجراءات الروتينية التي مازالت تقف عائقا أمام سرعة إنجاز القضايا. وهي تتداخل بين اختصاص وزارة العدل والمجلس الأعلى للقضاء ومن أمثلته نقص القضاة وإعدادهم. فهناك من يرى أن لا نقص في أعداد القضاة في المحاكم السعودية وإنما الأمر يحتاج إلى مزيد من التأهيل لمكاتب القضاة ومعاونيهم ومساعديهم والإجراءات الإدارية وتفعيل مكاتب الصلح وهذا سوف يؤدي حتما إلى خفض أعداد القضايا وسرعة إنجازها كما أنه في المقابل ثمة رأي آخر يؤكد على نقص أعداد القضاة مقارنة بالعديد من الدول المجاورة. وكذلك تناسب أعداد السكان وسعة مساحة المملكة والبعد الشاسع بين مدنها ومحافظاتها وقراها. ومن أهم الأعمال المناطة اليوم بمعالي وزير العدل ورئيس المجلس تطبيق التخصص النوعي للمحاكم المتخصصة والمضمنة في مشروع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله لتطوير القضاء لا سيما أن المجلس هو المخول بضم المحاكم وإنشائها أو دمج أو إلغاء وتحديد الاختصاص النوعي والمكاني. إن التطلعات التي يحملها المواطن نحو سلك القضاء كبيرة ولعل الأمل الأكيد الذي ينتظره الكثيرون أن يكون القرار الملكي طريقا عاجلا نحو مزيد من سرعة الإجراءات في المؤسسة العدلية بكافة أشكالها ودرجاتها وأن يكون ذلك نوعا وإطارا من التكامل بين السلطات في الإدارة والشؤون القضائية. المؤكد أن معالي وزير العدل ورئيس المجلس خير من يستشعر الحاجة إلى أن يلمس المواطن تطور المؤسسة القضائية. الثراء العلمي والإداري الكبير الذي يحظى به معالي وزير العدل ورئيس المجلس د. محمد العيسى كفيلان بإذن الله بتحقيق التطلعات الكبرى خصوصا أن هناك خطوات تطويرية متسارعة لمسها الجميع من معاليه في وزارة العدل فالتعاملات الالكترونية التي حلت بديلة عن النظام الورقي القديم والنقلة الكبرى للثروة العقارية والمحافظة عليها خصوصا بعد أن حصلت المملكة على الصدارة الدولية في سرعة نقل الملكية بشهادة البنك الدولي والملتقيات المتخصصة التي أقامتها الوزارة أو تعاونت فيها للقضاة والمحامين والتسهيلات العاجلة للمراجعين والمواطنين شعر بها الجميع. كما أن اللغة القضائية العلمية الراقية التي يتمتع بها حولت النظام القضائي الرتيب إلى مؤسسة عدلية فاعلة لها خصوصيتها واحترامها على المستويين المحلي والدولي. والمحامون كذلك هم شريحة معنية بهذا التكليف الذي سوف ينعكس فعليا على أداء المحامين وشراكتهم مع العدالة القضائية. والراصدون للمشهد القضائي السعودي يستشعرون بمزيد من الارتياح صدى تلك الثقة التي منحها معالي الوزير للمحامين في مسؤولياتهم ومشاركتهم في ملتقياتهم وإشعارهم بدورهم الرئيس في القضاء الواقف. فالنقلة إلى العالمية التي شهدتها المؤسسة العدلية وتفهم مؤسسات القرار الدولية للمسؤولية القضائية في المملكة العربية السعودية وتصحيح تلك الصورة السلبية والذهنية لدى الغرب عن القضاء السعودي هو أحد نجاحات معالي وزير العدل المهمة. كما أن الارتياح الكبير الذي أبدته المؤسسات الحقوقية وأجهزة القضاء الأمريكية للزيارة الشهيرة التي قام بها معاليه وإزالة كثير من مواطن الغبش والضبابية لدى المجتمع الأمريكي عن القضاء الشرعي في المملكة العربية السعودية هو تموضع جديد للوزارة والقضاء. يتعين أن ينعكس أيضا داخليا على المنظومة القضائية والمستفيدين من خدماتها من المواطنين. بل إن الصدى الخارجي والأداء الداخلي خطان متوازيان يتعين أن لا يسبق أحدهما الآخر.. والمؤسسة العدلية السعودية تواجه هذه التحديات جميعا وتسعى لتجاوزها وتحقيق تطلعات الملك حفظه الله في عين العدالة وقلبها خصوصا أن عدالتنا شرعية ربانية. [email protected]