الأمير سلمان بن سلطان يرعى حفل تخرّج طلاب وطالبات البرامج الصحية بتجمع المدينة المنورة الصحي    أمير تبوك: ليالي الحصاد والتخرج من أسعد الليالي التي أحضرها لتخريج أبنائي وبناتي    معاً لمستقبل عظيم !    نريدها قمة القرارات لا التوصيات    مخاطر الألعاب الإلكترونية على الأمن المجتمعي    «هاتريك» غريزمان تقود أتلتيكو مدريد للفوز على خيتافي في الدوري الإسباني    12 كيلو ذهب موزعة على 4 أحزمة ملاكمة    حل وسط مع الوزراء !    محاولة يائسة لاغتيال الشخصية السعودية !    معرض"سيريدو العقاري"أحدث المشاريع السكنية للمواطنين    وزير الاستثمار: الاقتصاد السعودي الأسرع نموا وجاذبية    طريق الأمير محمد بن سلمان.. أهم مسار لتنقل الحجاج    خادم الحرمين الشريفين يصدر عدداً من الأوامر الملكية.. إعفاءات وتعيينات جديدة في عدد من القطاعات    خادم الحرمين الشريفين يصدر عددا من الأوامر الملكية    السلطات الفرنسية تطارد «الذبابة»    بوتين يصل إلى الصين في زيارة «دولة» تستمر يومين    استمرار الجسر الجوي الإغاثي إلى غزة    «الحر» يقتل 150 ألف شخص سنوياً    دعوة عربية لمجلس الأمن باتخاد إجراءات سريعة توقف العدوان الإسرائيلي    السفير الإيراني يزور «الرياض»    شتلات شارع الفن    في نصف نهائي المربع الذهبي لكرة السلة.. قطبا الرياض يواجهان الأهلي والاتحاد    في قمة مواجهات الجولة 32 من «روشن».. ديربي الرياض بروفة نارية لنهائي كأس الملك    توثيق من نوع آخر    خطوة جادة نحو رؤية وزارة الرياضة    القيادة تهنئ رئيس الباراغواي ورئيس وزراء سنغافورة    تعزيز التعاون العدلي مع فرنسا وأستراليا    باكوبن والدقيل يزفون المهندس محمد    عبدالملك الزهراني ينال البكالوريوس    خارطة طريق سعودية - أميركية للتعاون في مجال الطاقة    السعودية مثال يُقتدى    إنتاج الصقور في الحدود الشمالية    "الدرعية" تُعزز شراكاتها الاقتصادية والسياحية    رحالة فرنسي يقطع ثمانية آلاف كلم مشياً على الأقدام لأداء مناسك الحج    رعاية ضيوف الرحمن    سقيا الحاج    « سعود الطبية»: زراعة PEEK لمريض عانى من كسور الجبهة    لقاح جديد ضد حمى الضنك    مختصون يدعون للحدّ من مخاطر المنصّات وتقوية الثقة في النفس.. المقارنة بمشاهيرالتواصل الاجتماعي معركة خاسرة    5 منافذ في الشرقية تستعد لاستقبال الحجاج    استشاري ينصح مرضى العلاج الكيماوي بتأجيل الحج    «الداخلية» تطلق ختماً خاصاً للمستفيدين من مبادرة «طريق مكة»    «نافس».. منافع لا تحصى لقياس الأداء التعليمي    "تاسي" أحمر والراجحي وأكوا باور يرتفعان    المنتخب السعودي للعلوم والهندسة في سباق للمجد.. الجمعة    المزروع يشكر القيادة بمناسبة ترقيته للمرتبة 14    نائب أمير الشرقية يستقبل منتسبي "طويق"    قمة البحرين ظروف استثنائية لحلحلة الأزمات    جامعة الأميرة نورة تُنظِّم مؤتمر لترجمة الهُوية السعودية عبر اللُّغات والثقافات الأخرى    البدر الذي رحل    «الموارد»: تمكين 22 ألف مستفيد من «الضمان» في سوق العمل خلال الربع الأول من 2024    رئيس جمهورية المالديف يُغادر جدة    وزير العدل يلتقي رئيس المجلس الدستوري في فرنسا    أمير تبوك يثمن للبروفيسور " العطوي " إهدائه لجامعة تبوك مكتبته الخاصة    «النيابة»: باشرنا 15,500 قضية صلح جنائي أسري.. انتهاء 8 آلاف منها صلحاً    نيمار يبدأ الجري حول الملعب    أفضل الإجراءات وأجود الخدمات    وزير الحرس الوطني يرعى تخريج 2374 طالباً وطالبة من «كاساو»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحكمة: صداقة النبوة والفلسفة
نشر في أنباؤكم يوم 02 - 03 - 2012

عبدالله العودة - المدينة السعودية
يذكر عبدالحميد الثاني أحد الخلفاء العثمانيين في مذكراته التي ترجمها حفيده محمد حرب قضية مرّت عليه أثناء خلافته حين أُفتتحت كلية الفلسفة في اسطنبول على عهده فقامت تظاهرات حاشدة ومعارضات غير متوقعة على تلك الكلية التي تمارس التفلسف في مجتمعات التدين .. ففكر عبدالحميد بذكائه وقرر إلغاء تلك الكلية سيئة الذكر، وافتتاح كلية «الحكمة» التي تمارس نفس العمل دون ضوضاء!
عبدالحميد بذكائه .. استدعى تلك المفردة المحملة بالمفاهيم الإيجابية في التراث الإسلامي لتمارس العمل الفكري الحر الذي تمارسه الفلسفة المحايدة دون الخوض في جدل قائم على معاداة الأسماء.
ولم يكن اختيار كلمة «الحكمة» كبديل عن الفلسفة في حينها اعتباطيًا .. بل لمعنى تاريخي حملت فيه كلمة «الحكمة» العربية نفس المعنى الذي أدّته كلمة «الفلسفة» اليونانية.
وحين أراد العرب في بداية استفادتهم من التراث اليوناني في بداية عهد الترجمة تقديم الفلسفة للعرب سموها «حكمة»، وكانت الترجمة الشائعة لكلمة الفيلسوف هي «محب الحكمة»، وعلى أثرها تولّت «بيت الحكمة» دورها في عهد المأمون لتترجم المواد اليونانية والهندية والفارسية للعرب، والتي كانت الفلسفة (الحكمة) واحدة من أهم المجالات التي عملت عليها الترجمة ولذلك سميت بالحكمة.
اختيار كلمة «الحكمة» من المترجمين الأوائل كان دقيقًا ولمّاحًا.. دقيقًا لأن الحكمة نوع من التأمل في الأشياء بالدرجة الأولى التي تعطي انطباعًا عميقًا بقوة هذا الحكيم المتفلسف .. ولكن أولئك الذين جعلوا كلمة «الحكمة» كترجمة مقاربة للفلسفة يعرفون تلك الحمولات الدينية لكلمة الحكمة بالتأكيد حين تحدث القرآن في مواضع كثيرة عن الحكمة فعلى سبيل المثال يقول الله عز وجل في كتابه: «واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة»، ويقول «ويعلمكم الكتاب والحكمة»، وفي آيتين أخريين: «ويعلمهم الكتاب والحكمة»، فعطف الحكمة على الكتاب .. ويذكر الكثير من المفسرين الرواد واللاحقين بأن الحكمة هي السنة أو النبوة ..
فهاهي الحكمة في اللغة العربية تحمل المعنيين اللذين افتعل فيهما اللاحقون تلك الخصومة التاريخية التي حاصرت التفلسف بسبب بعض معطياته فهي تعني السنة والنبوة .. وفي السياق العربي الفكري تعني: الفلسفة.
ولعل أهم الأحداث المتعلقة بكلمة الفلسفة اليونانية هي وصف لقمان المذكور في القرآن بأنه فيلسوف طبقًا للمرويات اليونانية .. وهو نفسه الذي يسميه العرب حكيمًا فهو الفيلسوف الحكيم .. بل في رأي كثير من علماء الإسلام نبي .. في صورة مبكرة جدًا للصداقة التي عقدتها كلمة «الحكمة» بين أتباع الديانات والفلسفة، فهذا الحكيم حسب تعبير العرب والمسلمين هو الفيلسوف، حسب رأي اليونانيين .. وهو نفسه النبي حسب اختيار بعض علماء الإسلام، فلم تجد الحكمة المبكرة في فلسفتها مشكلة في التفلسف .. ولم تتخل يومًا عن حكمتها الدينية في إتباع النبوة.
في قرينة شبيهة، ينقل الشهرستاني في كتابه «الملل والنحل» بأن الحكماء السبعة الذين أسسوا للفلسفة اليونانية، وكان آخرهم أفلاطون، بينما كان أولهم وسيدهم «هرمس العظيم» والذي ينقل الشهرستاني حكايةً بأن هرمس هذا هو النبي «إدريس» عليه السلام، ثم ينقل عنه حكمه وأقواله وتؤكد المرويات عنه تعظيم حق الله سبحانه وتعالى والخضوع له وطاعته وتوحيده .. لتكون بهذا النبي (الفيلسوف) بداية الحكمة الدينية، والفلسفة الدنيوية.
وفي موضع آخر، يؤكد الشهرستاني بأن أولئك الحكماء السبعة سادة الفلسفة اليونانية وروادها يقوم كلامهم في الإلهيات على توحيد الله وإحاطة علمه بالكائنات.. ثم يشتكي الفيلسوف الذكي الشهرستاني إغفال المتعلمين والكتاب هؤلاء السادة الفلاسفة من الدراسة الإسلامية إلا «نكتة شاذة نادرة ربما اعترت على أبصارهم وأفكارهم وأشاروا إليها تزييفا»، على حد تعبيره.
كل تلك الإشارات التاريخية حول «الحكمة» تقود إلى صداقة بين النبوة والسنة (المعنى الأول للحكمة في السياق العربي) من جهة وبين الفلسفة (المعنى الثاني لها) من جهة أخرى وهي الكلمة نفسها التي استخدمها الفيلسوف ابن رشد للفلسفة.. وكانت شخصية ابن رشد نفسه اتصالًا نموذجيًا يقدم الفقيه المجتهد صاحب بداية المجتهد.. والفيلسوف المفكر .. صاحب فصل المقال وتهافت التهافت في قالب واحد.
الحكمة إذًا، كأي مجال علمي.. لا تصوغه مقولة واحدة .. ولا يقوم عليه عقل واحد .. اشتغلت عليه أجيال اختلفت ثقافةً ودينًا .. ومعطيات، وليس من حق أحد أن يحرم منها الناس .. بحجة خصومة بعض دارسيها للنبوات .. وليس من حق الناس أن ينسوا ولاء الحكمة (الفلسفة) للحكمة (النبوة والسنة).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.