وزراء خارجية 10 دول افريقية يشددون على الحاجة لإصلاح مجلس الأمن الدولي    «وزير الخارجية فيصل بن فرحان بحث مع لافروف الجهود المبذولة تجاه الأوضاع الإقليمية والدولية    وزير الداخلية يتفقد المشاريع التطويرية في المشاعر    "آبل" تكشف عن مزايا نظام "iOS18"    صّيف في الباحة تراها أروق    حمزة إدريس مساعداً إدارياً في الاتحاد    بدء منع دخول المركبات غير المصرحة للمشاعر المقدسة    رياح مثيرة للأتربة والغبار على طول الخط الساحلي وطقس حار في 3 مناطق    وزير الإعلام يدشن "ملتقى إعلام الحج" بمكة    بينالي الفنون الإسلامية 2025 بجدة    "الصحة": ارتفاع درجات الحرارة أكبر تحديات الحج    البديوي يرحب بقرار مجلس الأمن لاعتماد الاقتراح الجديد لوقف إطلاق النار بغزة    الرئيس التنفيذي للمساحة الجيولوجية يناقش التعاون الجيولوجي في كازاخسان    أمن الحج.. خط أحمر    «الدفاع المدني»: تجنبوا الزحام وراعوا كبار السن في المسجد الحرام    ربط رقمي لحوكمة إجراءات التنفيذ الإداري    تعزيز بناء الجدارات للمنشآت الصغيرة والمتوسطة بغرفة الشرقية    مانشيني ل«عكاظ»: المنتخب سيذهب لكأس الخليج بالأساسيين    إثراء يفتح باب التسجيل في مبادرة الشرقية تبدع بنسختها الخامسة    هل يصبح عمرو دياب منبوذاً ويواجه مصير ويل سميث ؟    بأمر خادم الحرمين: استضافة 1000 حاج من ذوي شهداء ومصابي غزة استثنائياً    عربات كهربائية للطواف والسعي    اللامي ل«عكاظ»: ناظر سيعيد العميد لطريق البطولات    لميس الحديدي تخطت السرطان بعيداً عن الأضواء    غزة.. مشاهد موت ودمار في «النصيرات»    "ميتا " تزوّد ماسنجر بميزة المجتمعات    توفير الوقت والجهد    وزارة الداخلية تصدر قرارات إدارية بحق (10) مخالفين لأنظمة وتعليمات الحج    طقس حار إلى شديد الحرارة على الشرقية والرياض والقصيم    أمير المدينة يوجه باستمرار العمل خلال أيام إجازة عيد الأضحى    نائب أمير مكة اطلع على المشاريع وخطط التشغيل.. المشاعر المقدسة.. جاهزية عالية لاستقبال ضيوف الرحمن    أسعار الفائدة في النظام الاقتصادي    الأمير عبدالعزيز بن سعود يقف على جاهزية قوات أمن الحج    للمعلومية    كأس العالم للرياضات الإلكترونية يطرح الحزمة الثانية لتذاكر البطولة    يتصدر بنسبة نمو 67 %.. " روشن".. قفزة نوعية في" السوشيال ميديا" عالمياً    أفضل أيام الدنيا    نجاح تدابير خفض درجات الحرارة في الحج    عبدالعزيز بن سعود يرعى الحفل الختامي للمنتدى الأول للصحة والأمن في الحج    وزير الداخلية يتفقد عددًا من المشاريع التطويرية في المشاعر المقدسة    مريضات السكري والحمل    استثمار الوقت في الأنشطة الصيفية    " نبتة خارقة" تحارب تلوث الهواء    ساحة المحاورة تحتاج إلى ضبط    أندية المدينة.. ما هي خططك للموسم القادم ؟    "نادي نيوم" يتعاقد مع البرازيلي رومارينيو    لماذا يشعر المتبرعون بالسعادة ؟!    الحويزي.. المفاوِضُ الناجح من الثانية الأولى!    الحج.. أمن ونجاح    الرئيس المتهم!    خط أحمر.. «يعني خط أحمر»    إخراج امرأة من بطن ثعبان ضخم ابتلعها في إندونيسيا    منصة إيجار.. الإلزامية لا تكفي ولا تغني عن الشفافية    البذخ يحتاج لسخافة !    الدفاع المدني يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية المتنقل "لا حج بلا تصريح" بجدة    نائب أمير الشرقية يطلع على أنشطة «تعاونية الثروة الحيوانية»    عرض عسكري يعزز أمن الحج    محافظ القريات يرأس المجلس المحلي للمحافظة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نقد المصادر الشيعية

الخلاص من أقوال الغلاة والكذابين سيمهد الطريق إلى درجة أعمق من التقارب والتآلف بينهما. ذلك أن كثيرا من الأحاديث المكذوبة يتصل بالعقيدة التي يؤسِّس الخلاف فيها لمشكلات تمنع التقارب ويشرِّع للتكفير المتبادل والتنابذ الشائع الآن
ظلت بعض "الأحاديث" المكذوبة في مصادر السنة والشيعة سلاحا ماضيا يستخدمه المتطرفون من الجانبين في الصراع المذهبي. وكنت عرضت في مقالات سابقة إلى ضرورة "تدوين" الأحاديث النبوية الشريفة من جديد والاستعانة في إنجاز هذا المشروع المصيري بالمناهج العلمية النظرية والعملية الحديثة التي جدَّت في هذا العصر.
وأود هنا أن ألقي ضوءا على أحد الاجتهادات التي قام بها أحد علماء الشيعة السعوديين لتحرير الأحاديث المروية في المصادر الشيعية من "الأحاديث" المكذوبة والضعيفة. وتتبين خطورة هذه المشكلة في التراث الشيعي مما يقوله السيد محمد حسين فضل الله رحمه الله عن "الأحاديث" الموجودة في كتاب "الكافي" للكليني. فيقول إن علماء الشيعة يرجعون إلى ذلك الكتاب "في الأحاديث المروية عن أئمة أهل البيت عليهم السلام، ولكنهم لا يضمنون صحته كما يضمن علماء أهل السنة صحيح البخاري أو صحيح مسلم، بل يعملون على دراسة كل حديث بمفرده من خلال شروط صحة الأحاديث عندهم".
ويكمن المشكل هنا في أن اختلاف الاجتهاد بين العلماء لا يَنتج عنه إبقاءُ تلك "الأحاديث" أو إزاحتها من هذا المتن الحديثي المعتبر لأنه ربما لا يلتزم أحد باجتهاد أحد، وهذا ما يبقيها في متناول قراء الكليني، ووجه الخطر هنا أن من الممكن أن يَستخدم الوعاظ المتحمسون والمتطرفون وغير المتخصصين من الشيعة كثيرا من تلك "الأحاديث" التي يرى العلماء المحققون من الشيعة أنها غير صحيحة. كما يمكن أن يستخدم المتطرفون من السنة "الأحاديث" التي لا يرى كثير من علماء الشيعة صحتها سلاحا ضد الشيعة أنفسهم احتجاجا بوجودها في الكتاب.
ويشير هذا إلى ضرورة أن يسعى علماء الشيعة الموثوقون، الآن أكثر من أي وقت مضى، لتخليص المتن الشيعي وإلى الأبد من "الأحاديث" غير الموثوقة التي تؤسس لكثير من القضايا الخلافية العويصة التي وجدت في فترات الصراع المذهبي. وقد بدأ بعض علماء الشيعة نقد ما يروى من أحاديث في مصادر المذهب. وليس بالإمكان هنا عرض تلك الجهود، لكن يمكن الإشارة إلى جهود الشيخ حسين الراضي العبدالله الذي نشر بعض الكتب النقدية المهمة للمتن الحديثي في المصادر الشيعية. وسأعرض كتابين من كتبه؛ وأبدأ بالأول هنا، وأرجئ عرض الكتاب الثاني إلى مقال تال.
والكتاب الأول هو (المؤامرة الكبرى على مدرسة أهل البيت: قراءة من الداخل. الوضع والتزوير: أسبابه أبعاده نتائجه علاجه. بيروت: دار المحجة البيضاء، ط1، 1429ه، 400ص). يقول المؤلف إن غرضه من تأليفه "...علاج بعض الصيحات النشاز التي تُطرح في هذا الوقت وذاك، ومن هنا وهناك وفي بعض الحوزات العلمية من بعض الطلبة حول إشاعة حجية كل الأخبار الموجودة في كتبنا وصحتها ليس في الكتب الأربعة فحسب كما قال به بعض العلماء بل في الموسوعات الكبيرة المتأخرة كالبحار والوسائل ومستدركه والوافي وكتب الصدوق والمفيد وغيرها".
ويشكو المؤلف من أن التسليم المعهود بصحة هذه المصادر هو المعمول به "لذا نرى مثلا أن كل من يناقش رواية تاريخية أو رواية في الدعاء أو الزيارات قد استأنست أذهان العوام بها قامت عليه العاصفة وسلقوه بألسنة حداد وهكذا في بقية الروايات في الأدعية أو الزيارات أو الفضائل أو بقية الموارد" (ص7). ويبين شيوع "الأخبار الضعيفة والمكذوبة والموضوعة وأخبار الغلاة والرؤى والمنامات والخرافات" والترويج لها في تراث "مدرسة أهل البيت" (ص8). كما يبين ضرورة الدراسات النقدية لذلك التراث الضخم لأن "مثل هذه الدراسات الداخلية والنقد الذاتي تبني هذه المدرسة وتنفض الغبار عنها وتطرد الطفيليات العالقة بها وليس كما يتصور البعض أن مثل هذه الأبحاث تشوه سمعتها" (ص12).
ويبين أن الوضع والكذب والتزوير لم يكن مقصورا على المدرسة الشيعية بل ابتليت به المذاهب الإسلامية الأخرى ومنها مذهب أهل السنة، لكن "الوضع على مدرسة أهل البيت والكذب عليها (ربما كان) أكثر من غيرها لوجود الدواعي والأسباب الكثيرة" (ص68).
ويعرض لأسباب الوضع التي تنشأ عنها الروايات المكذوبة في المدرستين. ويورد نقلا عن بعض المصادر أن عدد الأحاديث المكذوبة بلغ 408684 حديثا (ص36)، وليس من الواضح إن كان هذا العدد عند السنة فقط، أم عند الشيعة وحدهم، أم عند المذهبين كليهما. لكنه يقارن بين المدرستين في تتبع هذه الأحاديث المكذوبة فيبين (ص45) أن علماء السنة تصدوا "إلى إفراد مؤلفات في الأحاديث الموضوعة والضعيفة على حدة فضلا عن الروايات التي لم تفرد في بعض الفصول ضمن الكتب المؤلفة في الأحاديث والتراجم"، ويتأسف على أنه "لم يتصد أحد من علماء الشيعة لذلك إلا نادرا".
ويعرض (الفصل الثالث من الباب الثاني "الغلاة من الشيعة"، ص97225) لأسماء وسِيَر 95 من الغلاة الذين تنسب إلى أكثرهم "روايات في الفقه والعقيدة والأخلاق والاجتماع كما أن بعضهم بلغت رواياته بالآلاف والبعض الآخر بالمئات والباقي بالعشرات أو الآحاد. وقد اختلطت هذه الروايات مع الروايات الصحيحة بحيث لا يمكن تمييزها حتى أفسدتها وفي بعض الأزمنة التي راجت فيها نظريات الغلو والغلاة تصدرت المحافل الاجتماعية والكتب ومجالس الدرس والعزاء والوعظ والإفتاء، وفي كثير من الحالات تستبعد الروايات الصحيحة لإعراض الناس عنها وتقديم روايات الغلو لأنها متداولة بين الناس وقد استأنست أذهانهم بها، بل وأكثر من ذلك إذا أحد تعرض لها بالنقد أو تبيان فسادها قام بعض الطلبة أو عوام الطلبة وأهل المصالح الدنيوية ضده وأمطروه بوابل الإشاعات واتهموه بمختلف التهم حتى يسقطوه من المجتمع خوفا على مراكزهم ودكاكينهم التي لا يقوم سوقها إلا على الخرافات والغلو حتى وإن كان فيه القضاء على شريعة سيد المرسلين ومذهب أهل بيته الطاهرين" (ص ص 224225).
ويعرض لبعض الفِرق التي امتهنت الكذب على الأئمة، واختلاق الأخبار التي تزعم لهم من الخصائص ما يمكن أن يصل إلى حد التأليه. ثم يورد نصوصا لبعض الأئمة الكرام يسمُّون فيها بعضَ الغلاة، ويصفونهم بالكذب، ويتبرؤون من اختلاقاتهم، ويؤكدون في مقابل ذلك عبوديتهم هم لله تعالى. ومن تلك النصوص الدالة ما أورده (ص 240) عن الكشي "قال لما لبى القوم الذين لبوا بالكوفة دخلت على أبي عبدالله عليه السلام فأخبرتُه بذلك فخرَّ ساجدا وألزق جؤجؤه بالأرض وبكى وأقبل يلوذ بإصبعه ويقول بل عبدٌ لله قِنٌّ داخر مرارا كثيرة ثم رفع رأسه ودموعه تسيل على لحيته. فندمت على إخباري إياه".
لا يغني هذا العرض الموجز عن الرجوع إلى هذا الكتاب المهم للاطلاع على جهد المؤلف في تبيين أحد العوامل المهمة التي تؤسِّس للعداء بين السنة والشيعة. وسينتهي قارئ الكتاب إلى أن الخلاص من أقوال الغلاة والكذابين سيمهد الطريق إلى درجة أعمق من التقارب والتآلف بينهما. ذلك أن كثيرا من الأحاديث المكذوبة يتصل بالعقيدة التي يؤسِّس الخلاف فيها لمشكلات تمنع التقارب ويشرِّع للتكفير المتبادل والتنابذ الشائع الآن. ويستحق المؤلف الثناء على جهده العلمي البارز، والأمل أن يستمر هذا المنحى المحمود بنية صادقة لإقامة الدين على متنٍ حديثيٍّ صحيح سعيا للقضاء على مسببات المشكلات التي ورثناها جميعا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.