عبد الرحمن الراشد *نقلا عن "الشرق الأوسط" اللندنية زيارة حديثة قام بها أحد كبار المسؤولين الخليجيين إلى طهران، التقى الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، ودار بين الاثنين حديث مهم للغاية حول اتهام إيران بالسعي إلى امتلاك السلاح النووي. التهمة قد تقود إلى حصار، وربما إلى حرب كبرى أخرى في المنطقة. يروي لي صديق متحمس ما دار، من أن الرئيس الإيراني قال للمسؤول الخليجي مستنكرا «لماذا تصدقون أننا نسعى إلى بناء قنبلة نووية؟ لسنا أغبياء حتى نفعل ذلك». قال نجاد «إن القنبلة النووية لم تنفع الولاياتالمتحدة اليوم في حرب أفغانستان، ولم تنقذها من هزيمة حرب العراق، ولم تحقق نصرا لأحد، ولو أننا ضربنا إسرائيل بسلاح نووي لمات من الفلسطينيين ربما أكثر من الإسرائيليين، كما أن قدرة الرد النووية عند الأميركيين والإسرائيليين كافية لتدمير إيران، وبالتالي لا يعقل أن نسعى لبناء سلاح نووي، وكل ما يقال مجرد أكاذيب ضد إيران». كلام رائع يعبر عن منطق وحكمة سياسية، لكن كلنا نعلم أن النوايا لا تقاس بالكلام، والكلام لا يطابق الحقائق الإيرانية على الأرض، فوكالة الطاقة النووية، التي تعتبر متحفظة وتحاول الابتعاد عن التهم السياسية، أعلنت هذا الأسبوع أن هناك أدلة تفتيشية جديدة تشير إلى أن إيران تتجه لتصنيع سلاح نووي. ربما الوكالة على خطأ، وربما تمالئ الأميركيين، لهذا فإن القول الفصل هو فتح المنشآت الإيرانية للتفتيش المباشر، الأمر الذي تماطل فيه حكومة نجاد وترفضه. الحقيقة نحن لسنا خائفين من قنبلة إيران النووية كسلاح، لأنه لن يستخدم عسكريا بل كوسيلة لتغيير قوانين اللعبة. نحن خائفون من سياسة إيران التي تستخدم كل الوسائل لفرض وجودها، وما السلاح النووي إلا وسيلة لهذا الغرض. ولو كانت في مخزن صدام قنبلة نووية عندما غزا الكويت لبقيت الكويت محتلة حتى هذا اليوم، حيث يستحيل على الدول الكبرى المخاطرة بمعركة مع دولة مسلحة نوويا. ولو أن إيران قامت غدا باحتلال البحرين، وهذا أمر وارد جدا، أو استولت ميليشياتها على جنوب العراق، فلا دولة كبرى تتجرأ على منع إيران عسكريا. ويبقى أمام المجتمع الدولي إما مفاوضة طهران ومساومتها، أو معاقبتها بوسائل اقتصادية، وكلنا نعرف أنها لم تردع محتلا في السابق، ولن تردع إيران بالتأكيد. نحن لا نخاف قنبلة إيران النووية، بل نخشى عقلية النظام الحالي في طهران الذي بدد أموال بلاده على حزب الله وحماس والحركات المتطرفة في البحرين والعراق واليمن والإخوان المسلمين، ودعم كل متطرف في المنطقة. إن رغبة نظام نجاد في التوسع والهيمنة والاستيلاء صريحة على الأرض، وحتى تنجح تحتاج إلى مظلة نووية تحميه من ردع قوة كبرى. دول الخليج التي بنت مدنا ومصانع هائلة على ضفة الخليج تصبح بوجود سلاح نووي إيراني رهينة لرغبات نجاد وحكومته المتطرفة. قد تقولون إن هذا كلام هراء لا سند له. ويمكن أن يكون بالفعل هراء، لكن لا نستطيع أن نترك المنطقة لامتحان الحقيقة، وعندما نكتشف أن الحقيقة مؤلمة تكون النتيجة قد فاتت. صدام حسين في عام 90 استقبل أمير الكويت بالأحضان، وبعد 4 أشهر احتل بلاده وشرد أهلها. لذا دعوا عنكم وعود وتطمينات المسؤولين، ودعوا عنكم أيضا تحليلات السياسيين وآراء الكتاب أمثالي، ولنأخذ الحقائق فقط. الحقيقة الأساسية أن إيران رفضت التفتيش الكامل. ورفضت كل العروض التي تسمح لها بالتخصيب الآمن مع رقابة دائمة. رفضت حكومة نجاد اقتراح السعودية وروسيا بالتخصيب الخارجي الذي يؤمن لها كل حاجتها من الوقود النووي السلمي. رفضت حكومته أيضا التخصيب المكمل في أي دولة يثق فيها، بما فيها صديقته تركيا. رفض كل العروض لأنها فعليا توقف مشروعه العسكري. ومشروعه العسكري النووي له هدف واحد هو إنجاح مشروعه الفاشل حاليا في المنطقة، حيث ينشط في أكثر من 7 دول في المنطقة بالتخريب. نحن لا نتحدث عن دولة مسالمة مثل تركيا، بل عن نظام ثوري يريد تغيير المنطقة والهيمنة عليها، وبامتلاك سلاح نووي يصبح قادرا على فعل ما عجز عنه دون أن يرمي قنبلة نووية واحدة.