شعر: أوسكار وايلد لم يكن يرتدي معطفَهُ القرمزيَّ، لأن الدمَ والخمرَ حمراوانِ، والدمُ والخمرُ كانا يلطخان يديهِ حينما وجدوه مع الميتةِ، المرأةِ الميتةِ المسكينةِ التي أحبَّها، وأقدمَ على قتلها وهي في فراشها. كان يمشي بين الرجال المحكومين مرتدياً بدلةً رثةً رماديةَ اللونِ؛ وكان يعتمرُ قبعةَ كريكت فوقَ رأسهِ، وقد بدتْ خطوتُهُ خفيفةً ومبتهجةً؛ غير أنني لم أرَ من قبلُ رجلاً يرمقُ النهارَ بمثلِ تلك الكآبة. لم يسبقْ لي أنْ رأيتُ من قبلُ رجلاً يتطلعُ بمثلِ تلك النظرةِ الكئيبةِ تجاهَ تلكَ الخيمةِ الصغيرةِ من الزرقةِ التي يدعوها المساجينُ السماءَ، وتجاهَ كلِّ سَحَابةٍ عابرةٍ تمضي بأشرعةٍ من الفضةِ. مشيتُ، برفقةِ أرواحٍ أُخرى عصرها الألمُ، داخلَ حلقةٍ ثانيةٍ، وكنتُ أتساءلُ ما إذا كانَ الرجلُ قدْ أتى على فعلِ أمرٍ عظيمٍ أو ضئيلٍ. حينَ همسَ صوتٌ من ورائيَ قائلاً: « ذلكَ الرجلُ يستحقُّ أن يشنقَ». يا إلهي! إن جدرانَ السجنِ ذاتها بدتْ كما لو أَنَّها أخذتْ تدورُ، وأصبحتِ السماءُ فوقَ رأسيَ مثلَ خَوذةٍ من الفولاذِ المستعرِ؛ وعلى الرغمِ من أنني كنتُ روحًا أمضَّهَا الألمُ، إلا إنني لم أكن أُحسُّ بألمي. كنت على علم بالفكرة المؤرقةِ التي جعلته يسارعُ من خطوه، ولماذا؟ كان ينظرُ إلى النهارِ المتوهجِ بمثلِ تلك النظرةِ الكئيبةِ؛ لقد أقدم الرجلُ على قتلِ الشيء الذي عشقه، ولذا كان لزامًا عليهِ أن يموت. غير أن كلَّ رجل يقتلُ الشيءَ الذي يعشقُهُ ليكنْ ذلكَ معلومًا لدى الجميعِ، فالبعضُ يقتلُ بنظرةٍ ملؤها المرارةُ، والبعضُ الآخرُ يقتلُ بكلمةِ إطراءٍ، الجبانُ يقتلُ بقبلةٍ، والشجاعُ يقتلُ بحدِّ السيف. البعض يقتلون حبَّهم إبان شبابهم، والبعضُ حين يكتهلون؛ البعضُ يَخْنُقُونَ بأكفٍ من الشهوةِ، وبعضُهُم بأكفٍ من العسجدِ أما أكثرُهُم رأفةً فيلجأُ للسكينِ لأنّ الموتى سرعانَ ما تبردُ أجسادهم. البعضُ يحبون هونًا، والبعضُ يحبون لأمدٍ طويلٍ، البعضُ يبيعون، والآخرون يشترون؛ البعضُ يقدمُ على فعلهِ وقد تهاطلتِ الدموعُ من عينيهِ، والبعض يقدم على فعله دونما زفرةٍ: إنَّ كلَّ رجلٍ يقتلُ الشيءَ الذي يعشقهُ، ولكنْ ليسَ كلُّ رجلٍ يموتُ جراءَ ذلك. إنه لا يموتُ ميتةَ خزيٍ في نهارٍ مجللٍ بالعارِ، ولن تُلفَّ أنشوطةٌ حولَ عنقهِ، أو قطعةٌ من القماشِ فوقَ وجههِ، ولن يهوي وتتدلى قدماه في مكانٍ خاوٍ. عن الشاعر: أوسكار وايلد (1854 - 1900) مؤلف مسرحي وروائي وشاعر أنجلو-إيرلندي. احترف الكتابة خلال ثمانينات القرن التاسع عشر، وأصبح من أكثر كتاب المسرحيات شعبية في لندن في بدايات التسعينات من نفس القرن. أما في وقتنا الحاضر فقد عرف بمقولاته الحكيمة ومسرحياته وظروف سجنه التي تبعها موته في سن مبكرة. عرف بفكاهته اللاذعة وثيابه الزاهية ومحادثاته اللامعة مما جعله أحد أكثر الشخصيات المعروفة في زمانه.