ربما كان الدافع لهذه الكتابة ما نشهده الآن من تدني الثقافة بمفهومها الشامل بين شباب الموهوبين ومن نطلق عليهم تجاوزا مبدعين، رغم أهمية الثقافة في بناء وصقل الإبداع. فالموهبة المبدعة التي تحيط بما حولها من مظاهر الوجود وتملك القدرة على التعبير عنها والتي تبدع كما يقول (راسين) الشاعر الفرنسي: (شيء من لا شيء ) إنما صقلتها الثقافة والتجربة الإنسانية التي يحتضنها وجدان المبدع وانصهرت في شخصيته انصهارا كاملا حتى أصبحت جزءا هاما من مكونات تلك الشخصية وعنصرا رئيسا من عناصر الإبداع فيها. فقدرة المبدع على الإبداع إنما هي نتاج التضافر والتلاحم والانصهار التام بين الموهبة والثقافة التي هي خلاصة التجربة الإنسانية في جميع مراحلها وفي شتى مناحيها، فالثقافة هي التي تأخذ بالفنان أو الأديب من داخل الذات الضيقة إلى رحابة الإنسانية كي يغوص بداخلها فاحصا ومتلمسا أغوارها فتهبه قدر ما يصل إليه فكره ومعاناته ليفيض منه إبداع غني ومتعمق يخرج به عن دائرة الوصف التسطيحي الذي قد لمسناه من خلال بعض النصوص الأدبية شعرا أو نثرا، أو الروايات التي اضحت سيلا كبيرا ومرتعا سهلا لكل من يريد ان يكون روائيا وفق مصطلح خاص به والتي قد مرت بنا ووجدناها لم تتعد دائرة وصف الأشياء والتغني بجمالها الظاهري. تلك التجارب لم تغنها الثقافة فلم ترتق بمحاولاتها إلى خارج أسوار الحواس كي تتلمس المطلق في محاولة المعانقة، فطغت عليها ذاتيتها وخصوصيتها. ومن هنا نستطيع ان نلمس الفارق بين شاعر وشاعر وأديب وأديب حين يتناولان موضوعا واحدا. تلك التجارب لم تغنها الثقافة فلم ترتق بمحاولاتها إلى خارج أسوار الحواس كي تتلمس المطلق في محاولة المعانقة، فطغت عليها ذاتيتها وخصوصيتها. ومن هنا نستطيع ان نلمس الفارق بين شاعر وشاعر وأديب وأديب حين يتناولان موضوعا واحدا. فالانفعال الصادق، والقدرة على الانطلاق من الجزء إلى الكل، والتعمق في الرؤية، واكتشاف العلاقات التي تربط بين جزئيات التجربة، تلك هي سمات التجربة المثقفة التي تبدو في جوهرها عصرية. وهناك الكثير من التجارب المثقفة التي يمكن الاستشهاد بها من الآداب الأجنبية والعربية، من شكسبير في «هاملت» الذي عالج فيها مشكلة (الثأر) بتشكلاته النفسية وبودليير في شعره عن غربة الإنسان وهمومه وأحزانه، والمعري في فلسفته للحزن والموت، وغيرها .. وغيرها. من هنا ندرك دور الثقافة وأهميتها للتجربة الإبداعية .. وندرك أهمية أن يتثقف المبدع. فإذا كانت الثقافة مهمة للفرد العادي فما بالك بأهميتها بالنسبة للأديب أو الفنان الذي سيكون ضمير بلده؟. ويبقي سؤال الثقافة مشرعا ولكنه في النهاية يعني هنا فهم ما يدور حولي بوعي انطلاقا من الماضي بكل موروثاته ولكل ان يضيف او يفسر..