الصباح في شوارع مدينة الخبر، الشمس ترسل أشعتها رويدا رويدا، الظلمة تتوارى، والجدر الطينية التي تقف منذ سنوات طويلة، تستقبل الشمس بنحو لم تعتده من قبل، مكسوة بألوان ورسومات تزينت بها بفضل أيادٍ ماهرة، وعقول تعشق الفن، تعيد للقديم ألقه، وتزيد كل جديد أناقة وبهاء. في الأزقة التي بنيت بيوتها من اللبن، أو تلك التي مضى على صمودها أعوام طويلة، تحمل على جنباتها طرازا معماريا عتيقا، شارك عدد من الفنانين بتزيين الجدر بلوحاتهم، فكرة بسيطة لكن منتجها عظيم ومبهر، الفكرة انطلقت بمبادرة من أمانة المنطقة الشرقية، وشراكة بين مجلس المنطقة الشرقية للمسؤولية الاجتماعية وعدد من شركاء النجاح من المحترفين والهواة، كان لها أثر كبير في أن تُنطق الجدر الصامتة بالفن، وتحولها إلى لوحات فنية، ومرسم مفتوح للزوار ضمن مشروع «الفن شرقي». وأوضح رئيس بلدية محافظة الخبر م. سلطان الزايدي، أن المبادرة التي شارك فيها فنانون وهواة ساهمت في تحسين وتجميل المنطقة وإضافة الحس الفني. وأضاف الزايدي ل (اليوم): «المبادرة انطلقت بحي الخبر الجنوبية وكان لها دور كبير في إعطاء لمحات جمالية لمدينة الخبر، وتحويله إلى مزار سياحي من قبل المواطنين والمقيمين للاستمتاع بمشاهدة الأعمال الفنية، وجذب عشاق الفن خاصة من شريحة الشباب للانخراط في مثل تلك المبادرات». وأردف: خلال الفترة القليلة الماضية ازدهر فن الرسم بالشوارع والساحات العامة في مدينتي الخبروالدمام، من خلال مواهب شباب وشابات لتزيين الجدران. وقال: أغرى نجاح التجربة في عدد من الأحياء بلدية الخبر على التعاون مع المبدعين وإشراكهم في تنفيذ برامجها وفعالياتها، بالإضافة إلى اهتمامها بالمحافظة على هذه الأعمال الفنية لما لها من دور بارز في نشر ثقافة الفن التشكيلي وإزالة التلوث البصري وإكساب الأحياء لمسات جمالية، منوها أن هناك العديد من المواقع التي يجري التنسيق بشأنها وتحويلها إلى جداريات فنية خلال الفترة القادمة. شهد المشروع، الذي يعد الأول من نوعه في فن الشارع بالمنطقة الشرقية، مشاركة فنان الجرافيتي عبدالإله السبهان، الذي شارك في مبادرة الفن شرقي مع 19 فنانا، ووصف السبهان التجربة بأنها فريدة من نوعها من ناحية كبر المساحات، واحتواء المبادرة على فنانين تم استدعاؤهم من مناطق مختلفة. وقال:«قام الفنانون بالتعرف على أصحاب البيوت في الحي، ومعرفة قصصهم وذكرياتهم»، وأضاف، «مع الوقت نحتاج للتطوير وإقامة مثل هذه المبادرات في مناطق مخدومة بالكامل، حتى تصبح مزارا للزوار والسياح وليست مكانا للمرور فقط». » جدارية «هل العوجا» في شارع الأمير تركي بالخبر، انطلقت أيضا مبادرة «هل العوجا» بمشاركة أكثر من 17 فنانا، أجادوا رسم ملوك المملكة، ومراحل التطور لتاريخ المملكة العظيم منذ نشأتها وحتى الآن، لم يغفل الرسامون عكس المظاهر الحضارية، وتفاصيل حياة الإنسان السعودي، وملامح التقدم والازدهار الممزوجة بالأصالة والتراث العريق، إضافة إلى أقوال ومأثورات الملوك. تقول الرسامة المشاركة في الجدارية سارة راشد: «التجربة كانت مميزة جدا وتعتبر بصمة في مشواري الفني، عملت على جدارين في «هل العوجا»، أحدهما عمل مشترك، والآخر عمل فردي (أنا السعودي)، والعمل نتاج فكرة مستوحاة من قصيدة الأمير خالد الفيصل لإهداء كل رجل سعودي بنهاية الجدارية. وتشير راشد إلى أنها وجدت تجاوبا من المجتمع، وأن ذلك كان أحد أكبر حوافزها لكسر الحواجز والانطلاق، وقالت: الدعم غير المتوقع من الجمهور والكلام الإيجابي، الذي تم تقديمه لي ولزملائي الرسامين أعطانا حافزا لإنتاج العمل بهذا الجمال على الرغم من تقلبات الجو الصعبة التي عشناها. » الفن أهم عامل لجذب السياح من جهتها، تحدثت الفنانة التشكيلية إيمان الجشي عن مشاركتها في جدارية على شارع الخليج في الدمام، التي ضمت 15 فنانا ضمن مبادرة «ومضة نقوش»، وقالت الجشي: المبادرة خلقت جوا من المتعة بين الفنان والمتذوق وذلك بدعم من صاحبة السمو الأميرة عبير بنت فيصل بن تركي آل سعود، ومن أمانة المنطقة الشرقية. وأضافت، استمتعت جدا وسط تفاعل الجمهور، والأجمل وجود إنجاز لي أفخر به دوما كلما مررت أمام عملي، وأصبح أفراد المجتمع مهتمين بالفنون ومتعطشين لرؤية الفنانين وهم يرسمون، فكان التفاعل جميلا بين الفنان والجمهور الذي لم نكن نتوقعه.