زمننا هو زمن الحوسبة السحابية (cloud computing) وانترنت الأشياء (Internet of Things IoT) والبيانات الكبيرة (Big Data). كل منها على حدة ذات إمكانات هائلة وتطبيقات ذات فائدة يمكن أن تعود بالنفع الكبير على البشر وتغير جذريا كيف نعيش ونعمل ونتواصل ونتخذ القرارات وغيرها الكثير. وإن كان لكل منها فوائد فما الممكن لو اجتمعت كلها ووظفت بالشكل الصحيح؟ فانترنت الأشياء هو بالفعل شبكة من الأشياء ذات أجهزة استشعار تستخدم الانترنت عبر الحوسبة السحابية لجمع وتتبع معلومات هائلة في الزمن الحقيقي (real-time). المبدأ بسيط إن أخذنا مثالا على الإنسان. من منا لم يسمع بأجهزة الرصد (tracking devices) أو يستخدمها؟ فالساعات والأربطة التي تقيس النبض وعدد الخطوات والمسافات والسرعات لمستخدميها هي وإن كانت شخصية فهي أجهزة مرتبطة عبر الانترنت (ولهذا الربط مزايا عدة) من أجل مزامنة المعلومات عبر الأجهزة الذكية وفي الحساب المرتبط. كل مستخدم يعتبر قطرة في بحر من المستخدمين وقد لا تكون هناك قيمة كبيرة للمعلومات الفردية ولكن مجتمعة تعطي صورة نمطية ومعلومات عن فئات المستهلكين بشكل دقيق. متى يمارسون الرياضة ومتى ينامون؟ كم المسافات التي يمشونها؟ ما الحالة الصحية التي ينعمون بها؟ مع ربط هذه المعلومات الحقيقية عبر البيانات الكبيرة مع المعلومات التي قدموها مسبقا من العمر والجنس ومكان الإقامة تصبح لدى الشركة معلومات ذات قيمة عالية يمكن تفعيلها لتسويق المنتجات والخدمات مثلا. إذاً كيف لنا أن نستفيد من هذه التطبيقات وما حدود هذه الاستفادة؟ نعيش في عصر الأجهزة الذكية ولكننا لم نر لهذا الذكاء تأثيرا إيجابيا على حياتنا الشخصية ولا منازلنا و لا حتى مدننا بعد. التطبيقات وانتشارها محدود ولكن الإمكانات هائلة وما زالت لم تفعل بالشكل الصحيح. أعتقد أنه بالإضافة إلى عدم تفعيل الإمكانات لا نملك حتى الآن القدرة الكافية لتخيل كيف يمكن لنا الاستفادة منها بالشكل الأمثل. ولكن نقص الخبرة أو الخيال ليس سببا في تجاهل تقنيات يمكنها أن تعود علينا بالنفع. في عدد من المدن أصبحنا نرى مشاريع توظف هذه التقنيات على مدار السنة من أجل رصد البنية التحتية أو مراقبة مستويات تلوث الهواء أو تطوير طرق خاصة بقائدي الدراجات الهوائية أو زيادة سلامة المشاة والأمثلة عديدة. مدينة شيكاجوالأمريكية على سبيل المثال لديها مشروع «مجموعة من الأشياء» (array of things) الذي يجمع المعلومات ويوفرها مجانا لإدارة المدينة والباحثين والسكان لتشجيع الابتكار من خلال استخدامها لحل مشاكلهم الحضرية ومساعدتهم في التخطيط المستقبلي. المشروع عبارة عن أجهزة استشعار موزعة في المدينة في مواقع استراتيجية تمكنهم من دراسة أنماط حركة المشاة وأماكن تجمع مياه الأمطار ورصد جودة الهواء وغيرها. فماذا لو اعتمدت مدننا على انترنت الأشياء والحوسبة السحابية والبيانات الكبيرة وقت المطر؟ كان من الممكن أن ترصد حالات شبكات التصريف وجاهزيتها وتتبع هطول الأمطار وأماكن التجمع وتحدد العمق المتغير للمياه في كل موقع وتساعد في اتخاذ القرار بخصوص أولويات المعالجة والشفط وتحديد كمية الاحتياج من المعدات والآليات وتتبع حركاتها لإدارتها وتوظيفها بشكل أفضل وتشاركت المعلومات مع سكان الحاضرة ومتخذي القرار و و و... الخ. وقت الأزمات التي تحل بالمدن نحتاج لمعلومات دقيقة لنتخذ قرارات قد تكون مصيرية وإن لم تكن مصيرية توفر الوقت والمال والجهد. هذه المعلومات يمكن أن تكون على هيئة خرائط غنية تستقي البيانات بشكل تلقائي وفي الزمن الحقيقي لتعطي صورة واضحة عما يجري. تتم مشاركة هذه المعلومات بين الجهات المختصة والسكان من مبدأ الشفافية والمشاركة. بدلا من فوضى المرور في حال اضطر الناس في عكس الشارع المسدود بالماء يمكنني تفادي الشارع بأكمله وإيجاد البديل. هل تساءلت يوما: كيف لخرائط قوقل أن تعطي معلومات دقيقة عن حالة الطرق؟ جزء كبير منها يأتي منا نحن المستخدمين لتطبيق خرائط قوقل. الإمكانات كما سبق وذكرت لا محدودة فكيف سوف نوظفها؟ يمكننا أن نعيش واقعا ونخطط لهذا الواقع وبهذا تكون حلولنا قديمة قبل أن ننتهي من تنفيذها ويمكننا استباق الأحداث بناء على المعطيات والإمكانات التقنية لنتوقع احتياجاتنا المستقبلية ونوفرها قبل أن تضطرنا الظروف لذلك. وإن قمنا «بالاحتراز» (ويبدو لي أنها كلمة هذا الموسم الماطر) لم ننتظر تقادم البنية التحتية وتفاقم المشكلة، بل نسبق الاحتياج بخطوات وأميال لتوفير أفضل بيئة للعيش الآمن والمريح.